عمالة الأطفال في دمشق وسط أزمات خانقة.. والحلول تبدأ من تحسين المعيشة
دمشق – نورث برس
يقول سكان في دمشق وريفها إنهم دفعوا أولادهم للعمل تحت ضغط الوضع المعيشي المتردي، وتشكل مناطق الازدحام مقصداً لأطفال يسعون لكسب المال بأساليب مختلفة، بينما يرى مختصون أن المعالجة تبدأ بتحسين الأوضاع المعيشية.
وتشهد العاصمة وباقي المدن تحت سيطرة الحكومة السورية، تصاعداً في عمالة الأطفال، حيث يعمل بعضهم كبائعين في مناطق الازدحام وفي ورشات مختلفة وأحياناً في مهن لا تناسب مع أعمارهم وأجسادهم.
“كل العائلة تعمل”
وقال عبد الله الشامي، وهو اسم مستعار لأحد سكان دمشق، إنه اضطر لإخراج أولاده الثلاثة من المدرسة “بسبب التكاليف العالية التي لم أعد أستطيع تحملها.”
وأضاف أنه لم يعد يستطيع إعالة أسرته لوحده، فجميع أفراد عائلته باتوا يعملون في محاولة لتأمين المصاريف، “بلا الشغل كنا رح نصفي بالشارع”.
وتشهد سوريا تفاقماً حاداً في الأوضاع المعيشية في ظل موجة ارتفاع أسعار لمستويات غير مسبوقة على خلفية انهيار قيمة الليرة السورية.
وتجاوز سعر صرف الدولار الأميركي الواحد، خلال الأسبوع الماضي، حاجز 4700 ليرة، بينما سجلت الليرة السورية تحسناً ملحوظاً هذا الأسبوع لتسجل في أسواق دمشق، الاثنين، 3700 ليرة سورية للدولار الواحد.
وحاولت سعاد والي (34 عاماً)، وهي من سكان حي الإحدى عشرية شرقي دمشق، طيلة خلال سنوات الحرب جاهدة لإكمال أطفالها تعليمهم.
ورغم عدم اقتناع المرأة الأربعينية بترك طفليها للمدرسة بغرض العمل، “لكن في السنتين الأخيرتين خرجت الأمور عن السيطرة ولم عد أستطيع إطعامهم.”
ولجأت “والي” بعد وفاة زوجها لتعلم الخياطة “على أمل ألا يحرم أولادي من شيء، لكن اليوم ما أحصل عليه من الخياطة وما يحصل عليه الأولاد من عملهم لا يكفينا.”
تجمعات وأزمات
ومنذ عام 2017 يعمل الطفل جاسم الخلف (13 عاماً)، وهو طفل نازح من الميادين شرقي سوريا يعيش في مدينة جرمانا بريف العاصمة، في بيع الدهان والبسكويت وغيرها من المواد على الأرصفة وقرب محطات الوقود.
وقال الطفل إن “أزمة البنزين تسهل علينا العمل حيث تكبر التجمعات ونبيع أكثر للناس.”
وأضاف: “أقوم أحياناً بإعلام بعض أصحاب السيارات الذين يتركونها ضمن دور الكازية بقدوم البنزين وأحصل منهم على النقود.”
وينتقل “الخلف” مع عدد من أقرانه من كازية لأخرى مستهدفين التجمعات “لكسب المال.”
وبحسب اليونيسف فإن سعر السلة الغذائية المتوسطة، أي ما تستهلكه العائلات كل أسبوع، ارتفع في العام الماضي، ارتفاعًا هائلاً وصل إلى أكثر من 230 في المائة.
ووفقاً للمنظمة، فإن هناك داخل سوريا ستة ملايين و100 ألف طفل بحاجة إلى المساعدة. “وهي زيادة بنسبة 20 في المائة عن العام الماضي فقط؛ وتمثل هذه النسبة 90 في المائة من الأطفال السوريين.”
كما أن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سوريا يعانون من التقزم نتيجة سوء التغذية المُزمن، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة.
قوانين واتفاقيات
ورأى زاهر توما (44 عاماً) وهو محام يقيم في حي التجارة، إن القوانين والتشريعات التي تم سنها فيما يخص موضوع حماية الأطفال والأحداث “لا ترقى للمستوى المطلوب.”
وأشار إلى أن قانون العمل رقم ١٧ للعام ٢٠١٠ الذي يمنع تشغيل الطفل ما دون سن الخامسة عشرة، عاد وسمح في فقراته بعمل الطفل ست ساعات كحد أقصى بموافقة والده أو ولي أمره.
ويعتقد المحامي أن “لا إمكانية لتطبيق قانون إلزامية التعليم في ظلّ هذا الانهيار والجوع الذي يعيشه السكان، بل على الحكومة تحمل مسؤولياتها وتوفير حياة كريمة للسكان.”
وساهمت الحرب في سوريا في زيادة تسرب الأطفال من المدارس، حيث بلغت التقديرات أن مليوني طفل حرموا من التعليم، فيما تتجاوز نسبة عمالة الأطفال 20% وفق تقديرات أممية.
وفي العام 2018 وقعت منظمة العمل الدولية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية على مذكرة تفاهم لإطلاق مشروع جديد يتصدى لتفشي ظاهرة عمل الأطفال في سوريا.
وسعى المشروع الذي انتهى في آب/أغسطس 2019 إلى سحب وتأهيل الأطفال المنخرطين في أسوأ أشكال عمل الأطفال، ويمنع الأطفال المعرضين للخطر من الانخراط فيها.
وقالت صونا القادري (32 عاماً)، وهو اسم مستعار لمشرفة تعمل للدعم التعليمي في برنامج الأمم المتحدة وتقيم في حي المزة، إن “معظم حالات التسرب والعمالة يعود سببها للانهيار الاقتصادي.”
ورأت أن هذه “الظاهرة الخطيرة سيكون لها أثار كارثية على مستقبل هؤلاء الأطفال وعائلاتهم بشكل خاص وعلى المجتمع والاقتصاد السوري بشكل عام.”