مسنون في بلدة تل تمر شمال الحسكة يرتادون دورات لمحو الأمية للكبار
تل تمر – نورث برس
بادر معلمان في الحي الأشوري ببلدة تل تمر شمال الحسكة، شمال شرقي سوريا، منذ نحو شهرين، بافتتاح ورشات تعليم لمحو الأمية للكبار، وذلك بناء على رغبة المتعلمين تعلم القراءة والكتابة لتسيير أمور حياتهم اليومية.
ويقول مشاركون في المبادرة التي بدأت ببضعة متعلمين إن عدد المتعلمين وصل الآن إلى 15 شخصاً لتعلم اللغة العربية مبدئياً ثم الآشورية والكردية لاحقاً.
حاجة حياتية
ويتلقى المسنون والشباب دروس المحو الأمية، ثلاثة دروس أسبوعياً بمعدل ساعة لكل درس، بحسب المشرفين.
وفي القاعة المخصصة للدروس، يسعى إدمون إيليا (61 عاماً)، تهجئة الأحرف العربية وكتابتها بهدف تسهيل تعامله مع الأوراق والثبوتيات الرسمية في حياته اليومية، وحتى يستدل على عناوين بمفرده دون مساعدة أحد.
ومنذ تأسيس الدولة السورية، كانت أرياف في الحسكة تشهد ضعفاً في النظام التعليمي، وكانت وزارة التربية السورية تطلق على هذه المناطق تسمية “المناطق النائية.”
لكن الوزارة كانت تمنع تعليم اللغات الأم الآشورية والكردية في مدارس تل تمر وريفها كسائر المدارس الأخرى.
وقال “إيليا”، وهو يقف أمام لوح مدرسي: “نأتي إلى هنا للتعلم، إنه أمر إيجابي بعد هذا العمر أن نتعلم مجدداً لغتنا الأم واللغة العربية التي لم نتعلمها في الصغر.”
وعدم معرفة الكتابة والقراء قد يشمل حتى أولئك الذين تعلموا الحديث بالعربية المحكية من خلال التعايش مع المكونات الأخرى والتواصل خلال عملهم في الزراعة والتجارة.
وأشار المسن الأشوري، الذي يعمل مزارعاً وينحدر من قرية تل كيفجي بريف تل تمر، إلى أنه قطع شوطاً كبيراً في تعلم الأحرف العربية وبات بإمكانه فهم جزء كبير من الكتابات التي تظهر أمامه.
وأرجع “إيليا” سبب عدم تعلمه في الماضي، إلى إهمال منه رغم محاولات أهله الحثيثة بارتياد المدرسة كما أقرانه الطلاب.
ويقطع “إيليا” اليوم مسافة عشرة كيلومترات لحضور الدروس في البلدة، “بهدف تحدي الأمية التي رافقتني طوال سنوات حياتي.”
يقول أيضاً: “لم تكن لدي الرغبة بالدراسة سابقاً، لكن أنا نادم كثيراً بعد هذا العمر، وأحتاج اليوم لمعرفة ما هو مكتوب في الكتب أو أي مصنف أو ورقة ترد إلي.”
“ندمنا على الماضي”
وطوال الأزمة السورية تعرضت منطقة تل تمر للعديد من الهجمات، نتيجة الفراغ الأمني الذي خلفه الحكومة السورية، بدءاً من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام الآن)، مروراً بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ووصولاً إلى هجمات الجيش التركي الذي وصل إلى مشارف البلدة أواخر عام 2019.
وتسببت هجمات تركيا والفصائل الموالية لها بنزوح حوالي 90% من الآشوريين إلى الخارج، وخاصة الشباب.
وكانت الظروف الاقتصادية وطبيعة الحياة الريفية للكثير من عائلات الجزيرة السورية في العقود السابقة، إلى جانب ضعف الخدمات والطرق والمواصلات، قد تسببت ببقاء العديد من أطفال الأرياف خارج المدارس.
وقال عبد الأحد نويا (55 عاماً)، وهو من سكان بلدة تل تمر، إنه كان يعمل في صغره بدل ارتياد المدرسة.
وأضاف “نويا”، الذي يتبع منذ نحو شهر ونصف دروس محو الأمية في البلدة، أن هدفه هو التعلم والقراءة “لأتمكن من تسير أعمالي واحتياجاتي اليومية.”
صعوبات تعلم
ورغم أن المتعلمين الكبار يبدون حماسة لاستكمال تعليمهم بعد ندمهم على تفويت ذلك في الماضي، إلا أنهم يواجهون بعض الصعوبة في التعلم وحاجة المسنين منهم خاصة للمزيد من الوقت مع بطء تعلمهم.
وقال “نويا”: “بصراحة نلاقي صعوبة في الحفظ والفهم، فالشخص المسن ليس كحال الطفل في القدرة على تحقيق النتائج.”
وذكر قائمون على برنامج محو الأمية، أن بعض الأشخاص كانوا يروون في العودة إلى مقاعد الدراسة مجدداً أمراً محرجاً، وأن هذا الخجل يشكل عائقاً أمام إرادة البعض.
وقال روبرت إيشو، وهو أحد المعلمين المتطوعين، إن هدفهم هو نشر التوعية وتسيير الأمور اليومية والحياتية للمتلقين الذين قضوا طفولتهم وشبابهم بعيدين عن مقاعد الدراسة.
وأشار إلى أن الفرصة ما تزال متاحة أمام الجميع للتعلم، “وتبدو الأمور جيدة، بعد انضمام المزيد من الأشخاص كل أسبوع.”
وأضاف أن هناك صعوبات يواجهونها في إعطاء الدروس “خاصة بالنسبة للذين لم يدرسوا نهائياً، لأن الشخص المسن لديه قدرة استيعاب محدودة وليس كمن الطفل، لكن نحن نعمل على هذا الجانب ورفع نسبة قدرة الاستيعاب قدر المستطاع.”
ورأى أن “قطار الحياة لم يفت بعد، بل على العكس تماماً فنحن في مرحلة على الجميع أن يكون واعياً لمعرفة ما يجري حوله.”