عمالة الأطفال في إدلب بعد عقد من الحرب.. ساعات طويلة وأجور زهيدة
إدلب – نورث برس
تشهد محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، تصاعداً في عمالة الأطفال التي باتت تهدد مستقبل الآلاف منهم في ظل تردي الأوضاع المعيشية التي تعيشها المحافظة منذ سنوات.
وتتنوع الأعمال التي يعمل بها الأطفال في إدلب إلا أن معظمها شاقة تتركز في المجال الصناعي كصيانة السيارات والحدادة والنجارة وأعمال البناء والمحلات الغذائية وبيع المواد على البسطات.
عنف وأجور زهيدة
وقال محمد حلاج، وهو مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، إن ظاهرة عمالة الأطفال كانت موجودة قبل الأزمة السورية، لكن ازدادت وتيرتها منذ العام 2011.
وتعود الأسباب وفقاً لـ”حلاج” إلى “انخفاض مستوى الدخل لرب الأسرة، خاصة في العوائل الكبيرة وقلة الوعي والعوز.”
وأشار مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى أن متوسط الدخل الشهري للأطفال الذين يعملون لا يتجاوز عشرة دولارات أميركية شهرياً ، “ولا أعتقد أن أحداً من أرباب الأعمال يعطي أكثر من هكذا رقم.”
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن 6.1 مليون طفل بحاجة إلى المساعدة “وهي زيادة بنسبة 20 في المائة عن العام الماضي، وتمثل هذه النسبة 90 بالمئة من الأطفال السوريين.”
ويعيش “أربعة من بين خمسة أشخاص من السوريين تحت خط الفقر، ما يدفع بالأطفال إلى اتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة مثل التوجه إلى عمالة الأطفال وزواج الأطفال والتجنيد للقتال، وذلك لمساعدة أفراد عائلاتهم في سد الرمق.” بحسب اليونيسف.
وذكر “حلاج” أن مناطق المخيمات بشكل عام على الحدود مع دول الجوار تأتي في المرتبة الأولى لانتشار هذه الظاهرة، حيث هناك مناطق صناعية تستقطب القسم الأكبر من الأطفال “بأجور زهيدة لا تتناسب مع الجهد العضلي والتعب البدني الذي يبذله الطفل.”
“حملات توعية ضعيفة”
ولا تلقى الحملات التوعوية وحملات إعادة الأطفال للمدارس التي تقوم بها المنظمات العاملة في المنطقة، “اهتماماً من قبل السكان، وهي حملات ضعيفة جداً”، بحسب “حلاج.”
ولا يخفي “حلاج” تعرض الأطفال للعنف من أرباب عملهم، “فهي موجودة دائماً وأبداً، حيث نرى أن الطفل الذي يرتكب غلطة بسيطة أثناء عمله، يتعرض للضرب من قبل صاحب العمل.”
ويعزو وليد الموسى (42 عاماً)، وهو من نازحي ريف حماة بمخيمات أطمة، سبب إرسال طفله البالغ من العمر 15 عاماً، للعمل في إحدى محال تصليح الدراجات النارية “لعدم وجود مستقبل للتعليم في المنطقة.”
وقال النازح لنورث برس إن الشهادات الصادرة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة في إدلب غير معترف بها، كما أن وضع التعليم في المخيمات “سيء للغاية”.
وفي هذه الأثناء، يضطر نصر الأسود (14عاماً)، وهو طفل نازح من ريف حمص الشمالي يعيش في مدينة الدانا شمال إدلب، للخروج صباح كل يوم سيراً على الأقدام إلى محل تصليح السيارات في المنطقة الصناعية بمدينة الدانا.
ويتقاضى “الأسود ” مقابل عمله أجراً مادياً لا يتجاوز خمس ليراتٍ تركية يومياً (ما يعادل 3.200 ليرة سورية).
ومنذ ثلاث سنوات، اضطر الطفل بعد نزوح عائلته ووفاة والده لترك مقاعد الدراسة ليتفرغ للعمل، “كنت متفوقاً في الدراسة، لكن سوء الوضع المادي الذي تعيشه والدتي وإخوتي الثلاثة أجبرني على العمل.”
وعمل “الأسود” بمهنٍ عدة شاقة، حيث عمل لنحو عام في ورشة للحدادة بمدينة الدانا، إلا أن صاحب الورشة كان في كثيراً من الأحيان لا يعطيه أجرته التي كانت حينها 500 ليرة سورية يومياً، “ما اضطرني لترك العمل لديه والبحث عن عمل آخر.”
ساعات عمل طويلة
وبعد عشر سنوات من الحرب، يعاني مليونا شخص سوري من الفقر الشديد، بينما يسعى أكثر من 12 مليون إنسان جاهدين داخل البلاد لتأمين طعامهم، وفق بيانات نشرها برنامج الأغذية العالمي مؤخراً.
ويعمل الطفل قيس الملحم (13عاماً)، وهو نازح من مدينة صوران شمال حماة، بشكل يومي منذ الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الخامسة مساءاً في تحميل وتنزيل البضائع من السيارات في متجر لبيع المواد الغذائية.
ويتقاضى “الملحم”، الذي ترك دراسته قبل نحو عامين، أجراً أسبوعياً مقداره 20 ليرة تركية، ويعتبره “قليلاً جداً” مقارنةً بعمله الشاق.
لكنه مجبر على العمل في المحل نظراً لعدم توفر فرص عمل أخر، على حد قوله.
ويقف أحمد الحسين (16عاماً)، وهو نازح من شمالي حماة يسكن مع عائلته في إحدى المخيمات بالقرب من مدينة الدانا، صباح كل يوم مع عربته النقالة أمام باب إحدى المدارس لبيع الفول، غير قادر على إخفاء حسرته على إكمال دراسته.
وقال: “أحزن كثيراً عندما أرى الأطفال يلعبون في باحة المدرسة وعند خروجهم منها، أحزن على حالتي التي وصلتُ إليها.”
وأشار الطفل إلى أنه مجبر على العمل لتحصيل ثمن الدواء لوالده الخمسيني المريض، إذ أنه الطفل الأكبر، “أعمل لمساعدة أمي في المصروف التي تعمل في مشغل للخياطة لتأمين طعام إخوتي وثمن دواء أبي”.