القاص والصحفي أحمد الخليل: التأخر بنشر نصوصي القصصية والشعرية سببه الوضع المادي فقط

القامشلي – نورث برس

قال أحمد الخليل وهو قاص وصحفي سوري، الجمعة، إن التأخر بنشر نصوصي القصصية والشعرية سببه الوضع المادي فقط.

والقاص والصحفي أحمد الخليل من مواليد 1966، خريج كلية الحقوق في جامعة دمشق، ومعتقل سابق من عام 1985 وحتى نهاية 1991.

وصدرت له  ثلاثة كتب (مسكون بفقدها، شعر، وساحة الإعدام)، إضافة لمجموعة قصص قصيرة، وكتاب المسرح يهزم الحرب)، ويقيم في ألمانيا.

وحول كتبه واعتقاله قال لنورث برس، “بعد خروجي من السجن عشت أياماً في منتهى القسوة، أول ما قمت به إضافة للبحث عن عمل كان إعادة تسجيلي في الجامعة بكلية الحقوق جامعة دمشق، وهذا الأمر كان عذاباً حقيقياً استمر عدة شهور.”

وعمل القاص في بعض الأعمال المؤقتة وتنقل بين عدة مهن، حيث عمل في معمل بلاستيك، وبائع دخان مهرب، ومعمل نسيج، وعامل مع متعهد بناء “كان معتقلاً معنا”، ومندوب مبيعات ثم حارس ليلي، بحسب “الخليل”.

وأضاف: “هذه الفترة كانت فترة قلق وضياع حقيقي، فالدخل كان قليلاً أغلبه يذهب كإجار للغرفة، وفي هذه الفترة وتحديداً الشهر الأول من عام 1994 نشرت نصاً أدبياً في مجلة الحرية الفلسطينية.”

وأشار إلى أن “هذه اللحظة هي الأهم في السنوات الأولى لخروجي من المعتقل، حيث كثيراً ما تمنيت العودة للسجن بسبب وضعي المأساوي، ومع نهاية عام 1996 اتجهت للعمل الصحفي عبر المكاتب الصحفية لصحف الخليج بداية.”

وعن دور العمل الصحفي في حياته قال: “قدم لي الاستقرار المهني والمتعة والغوص في دهاليز الوسط الفني والثقافي السوري، والأهم حقيقة قدم لي نوعاً من الاستقرار المادي.”

وكانت هذه المهنة قريبة لتركيبة القاص واهتماماته، “فبالأساس كان لدي توجه للكتابة كرستها خلال السنوات السبع في السجن.”

“الوضع المادي فقط”

وأثر الوضع المادي “فقط” والجري وراء لقمة العيش خلال السنوات الأولى بعد السجن، على تأخر نشر النصوص القصصية والشعرية، بحسب “الخليل”، “كنت أعتبر نشر الكتب لشخص مثلي رفاهية.”

وأضاف: “تقدمت بمجموعتي (ساحة الإعدام) لنشرها في اتحاد الكتاب العرب 1997، لكن لجنة القراءة في الاتحاد رفضتها مبررة ذلك بالإساءة للقيم الدينية والمجتمعية.”

وعن علاقته بالفنان زهير رمضان قال: انها كانت “قوية ولا أنكر أنه ساعدني كثيراً بالحصول على جواز سفر وعلى عمل في مديرية المسارح والموسيقا عام 2003 كرئيس للمكتب الصحفي، عندما كان مديراً للمسارح وله فضل كبير علي.”

وقال: “سبب الخلاف أن زهير رجل سلطوي جداً يريد من الآخرين الطاعة والرضوخ، فهو ينظر لنفسه أنه المعلم بالمعنى السوري، وبعد وشاية من أحد الزملاء في مديرية المسارح بي.”

وأضاف أنه “نقلني تعسفياً، ووضعني تحت تصرف وزير الثقافة، وأحد أهم أسباب الخلاف مناقشة حادة بعد منعه لمسرحية (الدبلوماسيون) للفنان غسان مسعود بحجة أنها تسيء للعلويين ولدمشق.”

وشدد على أن “زهير يريد مريدين وشبيحة وليس أصدقاء أو زملاء، لذلك بدأت المشاكل بيننا بعد مهرجان دمشق المسرحي (مهرجان العودة 2004) وكيف جير المهرجان لمجده الشخصي والمادي وأغدق المكافآت الكبيرة على شلته المقربة.”

وعن عدم الاهتمام بقصصه ونصوصه النثرية، قال: “أنا لا أتمتع بموهبة العلاقات العامة كبعض الأصدقاء والزملاء، وجاءت طباعة كتبي خلال الحرب السورية، وقبل سفري لألمانيا بأسبوع واحد فقط.”

وقال إنه لم “يتسنى له تنظيم حفل توقيع ونشر أخبار عن كتابي وتوزيع عدد كاف من النسخ على الصحفيين والأصدقاء.”

وأضاف: “دار النشر التي طبعت كتبي دار ضعيفة جداً بمشاركاتها بالمعارض داخل وخارج سوريا، فمجموع المقالات التي نشرت عن كتبي ثلاث أو أربع مقالات فقط.”

“قصة ساحة الإعدام”

وجاءت فكرة القصة الرئيسية “ساحة الإعدام” في مجموعته القصصية، من خلال خبر الاحتفال السنوي “بعيد الشهداء”، وفي بداية 1991 “أطلق الأصدقاء في السجن فكرة مسابقة أدبية”، بحسب القاص.

وقال: “عمل على الفكرة الصديق راتب شعبو، شاركت بالمسابقة ست قصص وفازت قصتي ساحة الإعدام بالمركز الأول، وتم تعليق النتائج على جدار المهجع مع مكافأة مالية قدرها مائة ليرة سورية.”

وأضاف أنه “كتب عليها راتب بخط يده بأنها هدية مسابقة القصة، وكان في لجنة التحكيم الفنان عبد الحكيم قطيفان، والمرحوم الصحفي رضا حداد، والمرحوم الشاعر عدنان مقداد والصديق ناصر العلي، والصديق عبد المجيد (أبو حازم) واللجنة برئاسة الصديق راتب شعبو.”

وأشار إلى أنه حين خرج من السجن “أهديت المائة ليرة لأختي العظيمة سحر التي لم تتغيب عن زيارتي في المعتقل ولو لمرة واحدة وذاقت الأهوال هي وأهلي خلال سبع سنوات عجاف.”

 “مسكون بفقدها”

وعن الأنثى في “مسكون بفقدها”، قال: “هي نصوص وجدانية يقف وراء كتابتها ضغط غياب الأنثى في السجين، حيث تنشأ علاقة خيالية ووهمية مع نساء مروا بحياة السجين، لذلك تتضخم الأنثى وتصبح أقرب لكائن خرافي لا يمكننا ملامسته.”

وقال إن “غياب المرأة جسداً وروحاً أحد أهم أسباب الاضطراب النفسي الذي يعاني منه السجين، وأعتقد لم تكن علاقتنا مع الأنثى عموماً بعد خروجنا من المعتقل متوازنة.”

وأشار إلى أن المعتقلين “يعانوا من تطرف العواطف والقسوة أحياناً، فنحن لم نتعرض فقط لتعذيب جسدي ونفسي في السجن، إنما لسحق عواطفنا خلال سنوات طوال، فأصبنا بجفاف روحي مرضي وتركيبة عاطفية في منتهى التعقيد.”

وأضاف: “هذا ما سبب لنا الألم دائماً، لأننا ندرك ونعي ما حدث لنا، ولا نستطيع العودة لوضع الإنسان الطبيعي عاطفياً ونفسياً هذا غير الحصار الاجتماعي الذي عانيناه بعد خروجنا فزادت الطين بلة وتفاقم ألمنا.”

وعن كتابه المسرحي، قال: “كتابي يهزم الحرب رصد للحركة المسرحية السورية بعد المظاهرات الأولى من آذار عام 2011 وحتى آذار 2015، هي أمنية بمساهمة المسرح بهزيمة الموت والحروب والقتل والقسوة.”

وفي بعض العروض كان الفريق المسرحي يقاتل القذائف والموت ليصل إلى المنصة، وبعضهم مات في الطريق للعرض، “فالمسرح والفنون ستبقى تكرس الفرح والجمال والحب، لتخلق نوعا من التوازن بحياتنا بين القبح والجمال.”

وعن عمل وزارة الثقافة ومديرية المسارح قال: إن الفنون ومنها المسرح بالنسبة لنظم الاستبداد تشبه اللوحة الفنية التي تزين جدار منزل جنرال حياته مليئة بالمجازر، المسرح هو عنصر تزييني في البلدان التي يحكمها الاستبداد!.

“انعدام شرط الحرية”

وشدد على أن “وزارات الثقافة العربية بالكاد تصل ميزانيتها لمستوى ميزانية أحذية زوجة الحاكم، هذا غير انعدام الشرط الضروري للفنون عامة وهو شرط الحرية.”

والأهم بالنسبة للحاكم “هو التلفزيون كجهاز دعائي يسوق للحاكم ويكرس ثقافة التسالي مع فصفصة البزر أثناء المشاهدة، بينما الفنون (مسرح، تشكيل، سينما، وفنون)، متعبة تحرك جمود العقل وتغذي الخيال وتكرس المعرفة وقيم الجمال والعدل والحب، وهذا ما لا يريده أي مستبد في العالم”، بحسب “الخليل”.

ويعيش الكاتب في ألمانيا شرطاً صعباً يتمثل باللغة، “إذ يتشتت الواحد منا بين شروط الاندماج وحنين البقاء وفي اللغة الأم، والاشتراك بالنشاطات من باب المحاولة للبقاء على قيد الحياة ككاتب.”

وأشار إلى أن “الكثير من المشاريع في أوروبا تحكمها الشللية والتذكية وخاصة المنح الأدبية، وأغلب الكتاب والفنانين يعانون في المنفى من موت الروح وجفاف المخيلة، المهن الأخرى لا تعاني كما يعاني أصحاب المهن الفنية والإبداعية.”

ولذلك، “كنت من بداية وصولي لألمانيا شخصاً واقعياً فعملت في مطبعة وموزع صحف وإعلانات، وفي دور عجزة.”

وعن علاقته بكتابة الإبداعية، قال “الخليل”: “أحب الآن أن أعيش الحياة، وأستمتع باللحظة الراهنة وأصبحت علاقتي بالكتابة علاقة مزاجية أو هامشية، وبالنسبة للصحافة أرغب حقيقة بالعمل في موقع إعلامي محترم وواضح التمويل.”

واشار القاص السوري أحمد الخليل، إلى أنه “حتى الآن لم أجد ولم يعرض علي أي موقع العمل، وهذا الأمر لا يشكل هاجساً لي، فأنا متصالح مع نفسي ومع المكان الجديد، رغم صعوبات الاندماج من لغة وثقافة وعادات.”

إعداد: بسام سفر ـ تحرير: معاذ الحمد