عاملات دمشقيات: دخول نساء لميادين عمل جديدة ضرورة معيشية

دمشق – نورث برس

تقول نساء طرقن أبواب مهن جديدة في العاصمة السورية دمشق إن أعمالهن، التي تجاوزت عادات اجتماعية، لا تعبر عن نيل حقوق ولا تغير حال المرأة مع قيود اجتماعية.

وتعتقد هؤلاء أن عملهن جاء لتحدي الصعوبات المعيشية والضغوطات النفسية خلال عقد من الحرب وتداعياتها وأزماتها، ليحققن نسبة قبول اجتماعي رغم أن الميدان لا يخلو تماماً من إساءة وإيذاء.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، اعتاد سكان العاصمة على رؤية نساء يعملن سائقات لسيارات أجرة، وأخريات يعملن في مهن كانت تعتبر حكراً على الرجال كالديكور والطلاء والعقارات.

لكن أسواق دمشق وسواها من المناطق السورية، لا سيما الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، تواجه هذه الأيام موجة جديدة للغلاء مع انهيار جديد لقيمة الليرة السورية ووسط استمرار أزمات نقص الخبز والمحروقات.

وسجلت أسواق الصرف في العاصمة، الأربعاء، تسجيل أربعة آلاف ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد، وهو ما يعني أن قيمة الراتب الشهري الحكومي (حوالي 60 ألف ليرة) قد انخفض إلى 15 دولاراً.

“فكرة بالمصادفة”

وتعتمد أمل عيسى، وهي امرأة تعيش مع ابنها البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، في معيشتها حالياً  على عملها في تأجير العقارات والذي بدأته منذ ثلاث سنوات.

وقالت، لنورث برس، إنها بدأت العمل “مصادفة” حين تمكنت من العثور على مستأجر لشقة فارغة بالقرب من منزلها، “ثم خطر لي أن بإمكاني القيام بهذا العمل والكسب منه.”

وبدأت المرأة بالبحث عن بيوت معروضة للإيجار ووضعت إعلانات لها على حسابها في موقع فيسبوك لتنجح خلال مدة قصيرة في تخفيف صعوبات معيشتها وابنها.

 وأضافت “عيسى”: “الآن أجلس في منزلي طوال اليوم، أتلقى اتصالات وأقوم بأخرى لينتهي يومي بتأجير ثلاث شقق على الأقل والحصول على عمولتها.”

وتعتقد المرأة أن بإمكانها تحقيق طموحها في افتتاح مكتب عقاري وممارسة مهنتها في حيها في العاصمة، “دون الخشية من خسارة أو عقبات كبيرة.”

وتعتمد نساء أخريات، فقدن معيلي عائلاتهن بسبب الحرب والهجرة ولم تتمكنّ من العمل، على ما يرسله أبناؤهن أو أقاربهن خارج البلاد من تحويلات مالية صغيرة بالعملة الأجنبية وتتحول إلى مبلغ بالليرة السورية.

ضغوطات اقتصادية

واعتادت فتيات ونساء في سوريا لعقود طويلة العمل ضمن مهن محددة تتوافق مع العادات الاجتماعية وتقاليد العائلات المحافظة، إلا أن ظروف الحرب وحاجة كافة الأفراد للعمل، جعلتهنَّ يتخطَّين ذلك ويمارسن مهناً جديدة.

وقبل أشهر، افتتحت مرام السعدو، وهي فتاة عشرينية من سكان حي الطبالة، مع صديقتين لها محلاً تجارياً صغيراً بهدف الحصول على مورد دخل لتأمين احتياجاتهن الأساسية.

“كنا وصديقاتي نبحث عن مشروع صغير نستطيع جني الربح منه، وبعد تفكير افتتحنا مشروعنا الصغير .”

وأضافت: “نحن جميعاً نعيش ضغطاً نفسياً واقتصادياً غير مسبوق.”

ولا تخفي “السعدو” تعرضها مع رفيقاتها في البداية لـ”نظرات استغراب” من السكان والمارة، “لكنهم تقبَّلوا وجودنا بعدها وأصبح لدينا زبائن دائمون.”

وترى الفتاة أن طروف الحرب وتداعياتها جعلت التغيير أسهل والناس متساهلين مع بعضهم البعض، “وما عاد من الممكن أن نحاسب بعضنا أخلاقياً وفقاً لعادات قديمة ونتجاهل حاجتنا للعيش وتدبر أمور حياتنا.”

“مواقف إيذاء”

ولا تعتبر نساء عاملات هذا التغيير في حياتهن معبراً عن كسب المرأة لحقوق فالسبب الأساسي هو الحاجة إلى هذا التغيير ضمن الظروف المعاشة، رغم أن نساء كثيرات أصبحن يجدن أنفسهنَّ مساويات للرجل وقادرات على القيام بأعمال كنّ يحسبنها كبيرة وصعبة.

وفي هذه الأثناء تقضي علا محمود (27 عاماً)، عشر ساعات يومياً في عملها بمقهى وسط دمشق، “بعد عدة محاولات لإيجاد عمل في السنوات الماضية.”

“رفضت عائلتي في البداية هذا العمل، لكنني كنت مصرّة عليه بسبب دخله جيد.”

وأضافت: “أتحدر من بيئة محافظة، لازَمني شعوري بأنني مقيدة وغير حرة في أفعالي لوقت طويل، ولكن في الوقت ذاته، كانت لدي رغبة في أن أكون على قدر مسؤولية التغيير في حياتي للحصول على عمل أعيش منه وأساعد عائلتي.”

وتعيش “محمود” في حي الدويلعة مع مع أختين وأخ أصغر منها بالإضافة لوالدتها، ولم تتمكن من استكمال تعليمها بسبب ظروف الحرب وتغيير إقامة عائلتها بين مدينتي حمص ودمشق.

وتقول الفتاة إن موضوع تقبل عمل النساء قد تغير في العقد الأخير، “بعد الحرب أصبح عمل فتاة في مقهى أمراً طبيعياً بل حتى محبباً من قِبل زبائن يرون أن وجود فتاة في المكان يريحهم.”

وتعتقد علا أنها نجحت في تجاوز “مواقف سيئة ومؤذية من قبل زبائن، بينهم مسؤولون، واستطعت أن أضع حداً لكل ذلك وأستمر في عملي.”

إعداد: شذى سعيد – تحرير: حكيم أحمد