القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
في خطٍ متوازٍ مع تقدمات القوات الحكومية السورية ميدانياً في إدلب (شمال سوريا)، والتي تعتبر المعقل الأخيرة لقوات المعارضة المسلحة، توقَّع استراتيجيون مصريون أن يُحكِم الجيش السوري سيطرته على كامل تراب سوريا في غضون فترة طالت أو قصرت لكنها باتت "محسومة" عملياً من وجهة نظرهم، لاسيما في ظل الدعم الروسي المُقدم للقوات الحكومية، والذي أهَّلَها طيلة الفترات الماضية لتتمكن من تقليص مساحة سيطرة المعارضة المسلحة والمضي قدماً في إحراز انتصارات متتالية في آخر معاقل المعارضة، آخرها ما حدث في خان شيخون.
لكنّ العقبة الوحيدة، في تصور المحللين الاستراتيجيين المصريين، تظل مرتبطة بالدور التركي، لاسيما عقب اتفاق واشنطن وأنقرة مؤخراً على "المنطقة الآمنة"، وفي ظل اللغط الدائر حول تلك المنطقة وحدودها وعمقها، بناءً على التصور الذي تطرحه تركيا في ذلك الصدد.
مسألة إدلب السورية تُكتب فصولها النهائية في تصور مدير إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، اللواء سمير فرج، الذي يشدد لـ"نورث برس" على أن مسألة حسم الأمور في إدلب صارت "شبه مُنتهية لصالح النظام السوري مدعوماً بروسيا، سواء تم ذلك في فترة طويلة أم قصيرة، لكن النتيجة في جميع الأحوال واحدة لصالح الحكومة السورية التي أبدت عزمها على السيطرة الميدانية، بينما تظل الإشكالية فيما يمثله الدور التركي من عامل معرقل واضح شمالي سوريا، واستهدافهم للكرد السوريين بشكل أساسي."
وشدد فرج على أن رغبة تركيا في السيطرة على الشمال السوري تظل معرقلاً لإنهاء الأزمة، وستظل الملف العالق، وعلى الرغم من الاتفاق الذي تم بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية حول "المنطقة الآمنة" لكن ذلك لا يحسم المشكلة، وهو اتفاق هشّ، على أساسِ أن هنالك العديد من الخلافات البينية، وفي التوجّهات والموقف من كرد سوريا.
وفيما يعتقد البعض أنه بإنهاء أزمة ملف إدلب تنتهي الأزمة السورية أو الفصل الأكثر سخونة فيها، لصالح الحكومة السورية، إلا أن المحللين رأوا أن المسألة لا تتوقف عند حد إنهاء المعارضة المسلحة، فثمة جولات أخرى مع "الحسابات الدولية المختلفة" وأطماع قوى بعينها ومشاريعها، مثل تركيا.
لكن حتماً تلك الانتصارات التي تحققها القوات الحكومية تدفع بواقع تفاوضي مغاير وتفاهمات مختلفة، طبقاً للمحلل العسكري والاستراتيجي المصري اللواء طلعت مسلم، والذي لفت إلى أن التطورات والانتصارات الأخيرة تصب في صالح الحكومة السورية، وتدفع بإنهاء المعارضة المسلحة في آخر معاقلها عملياً، لكن الأمر على الصعيد السياسي يُمهد لحتمية تفاهمات جديدة بالملف السوري، في ضوء الواقع الجديد، الذي تعكسه تلك الانتصارات والتقدمات الأخيرة في إدلب.
ويضيف مسلم في حديثه ل"نورث برس "أن" تَدخل الحكومة السورية تلك التفاهمات بمنطق "المنتصر" الذي يسيطر على الأرض، وهو ما يقوي موقفها التفاوضي والعسكري، حال إتمام السيطرة على إدلب، سواء في فترة طويلة أو قصيرة."
والمحك الرئيسي مرتبط بمدى رغبة الأطراف الأخرى (أطراف دولية) في حسم الأزمة وكتابة فصل النهاية، طبقاً لما يؤكده المحلل العسكري والاستراتيجي المصري اللواء نصر سالم، والذي شدد على أن ثمة مصالح متداخلة ومتضاربة بين قوى إقليمية ودولية، وحدد ثلاثي (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا) بشكل خاص، لاسيما أن بينهما مصالح وتفاهمات خاصة على رغم الخلافات في مواقف بعينها وتفاصيل بالملف السوري عموماً "فالولايات المتحدة التي تدعم الكرد لا تريد في الوقت نفسه خسارة تركيا، وروسيا التي تدعم الحكومة السورية تُبقي الباب مفتوحاً للتواصل مع الأتراك"، وبالتالي "سوف يتحدد شكل حسم الأزمة بناءً على تفاهمات الأطراف الدولية حول الملف السوري" حسب سالم.
ويذهب المحلل والخبير الاستراتيجي اللواء جمال مظلوم، لأبعد من ذلك، بالإشارة إلى أن الانتصارات التي حققتها القوات الحكومية السورية "قد تدفع تركيا لتعديل موقفها والتخلي عن مشروعها شمال سوريا" في ظل حتمية حدوث ذلك مع التطورات الجديدة على الأرض، وكذلك التطورات السياسية، والأزمات المتلاحقة التي تلاحق أنقرة.