بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون الجميلة في العاصمة الفرنسية باريس، عام 1999، وعودته إلى مدينته السويداء جنوبي البلاد في العام التالي، كان فادي قطيش (44 عاماً)، يحمل في جعبته الكثير من الفن والآمال، لكنه اصطدم بواقع “مرير” أفسد ما كان يصبوا إليه.
وبالرغم من معاناة “قطيش” من صعوبات شديدة في النطق إلى جانب مشاكل في حركة أطرافه السفلية، إلا أنه تحدى كل ذلك ومضى قدماً في رحلة لطلب الفن ليعود بخبرات واسعة في مجال الفن التشكيلي.
“عدت إلى سوريا لرغبتي في تقديم خبرتي الأكاديمية لأبناء محافظتي السويداء، ورفضت كل العروض التي قدمت لي في فرنسا.”
وبدأت قصته مع الفن عندما كان في التاسعة من عمره وشارك بمعرض في العاصمة البريطانية لندن، بعد ترشيحه من الأكاديمية الملكية من السفارة البريطانية بدمشق آنذاك.
وانتزع “قطيش” خلال مشاركته في المعرض الملكي جائزة المركز الثقافي البريطاني عن فئة أصغر الموهوبين.
لكن “أهم وأكثر المعارض قرباً إلى قلبه” حيث حقق فيها “نجاحات لا تنسى” كانت مشاركته بمعرض متحف اللوفر عام 1996 حين كان طالباً في السنة الأولى بالمعهد، ومشاركته في معرض بيكاسو بفرنسا عام 1999.
كما شارك بمعرض في العاصمة الإسبانية مدريد بـ(25) عملاً فنياً متنوعاً بين “الرمزية التشكيلية والواقعية الفنية”، وحصد جائزة أفضل المشاركين من حيث التنوع الفني.
صفعة الواقع “المرير”
حين عاد إلى بلده تلقى الرجل دعماً من بعض الفنانين الأكاديميين السوريين، ويقول إن هؤلاء وقفوا إلى جانبه كالفنان التشكيلي “فاتح المدرس، والأكاديمي حيدر يازجي، والأستاذ أنور رحمة.”
الخطوة الأولى التي أقدم عليها “قطيش” لدى استقراره في مدينة السويداء، كانت افتتاحه مرسماً يستقبل فيه طلاب كلية الفنون الجميلة وهواة الرسم من مختلف توجهاتهم الفنية.
ولكنه في مقابل هذا الدعم ومشروع المرسم، “تفاجأ بواقع مرير ومحبط” لم يكن يتصور وجوده أو أن تؤول إليه الأمور كما هو واقع الحال الآن من “ترد اقتصادي، وفقر متفشي.”
“هذا الواقع جعل الشباب ممن يملكون المواهب أمام تقبل حقيقة اندثار مواهبهم، ليتوجهوا إلى أعمال أخرى بحثاً عن لقمة العيش.”
يقول “قطيش”: “القطاعات الحكومية والثقافية في السويداء لا تقدم أي دعم إلى أي موهبة تبرز في مجال فنون الرسم بأنواعه التشكيلي والواقعي.”
وأشار إلى أنه تم “محاربتي من الوسط الفني التشكيلي في سوريا، خاصة عندما حاولت مع مجموعة من الداعمين والممولين إحداث معهد خاص للفنون التشكيلية في السويداء.”
ويرى أن السويداء بحاجة إلى فن تشكيلي “حقيقي” وليس كما هو موجود الآن من “تزييف وتحريف لأهم المدارس التشكيلية العالمية.”
هذا الواقع جعله يفكر جدياً بالهجرة خاصة بعد أن تلقى خلال الفترة الماضية عروضاً من ثلاثة دول أوروبية. يقول: “التفكير بالهجرة بدأ بعد أن شعرت أن سنيناً من عمري ضاعت دون إثمار في سوريا.”
خلال وجوده في البلد منذ العام 2000 لم يشارك في أي معرض فني لأن “معظم المعارض لا تراعي العمل الأكاديمي والمدارس الفنية العالمية المعروفة. فن الرسم لا يقبل التشويه.”
صفعة ابنة بيكاسو
يقول فادي قطيش إن الفنون التشكيلية مختلفة في فرنسا ومتطورة وتواكب كل ما هو جديد وخلاق في عالم الرسم، بالإضافة إلى الدعم اللامحدود المقدم لأصحاب المواهب المميزة، خلافاً لما هو موجود عندنا.
أثناء وصوله لفرنسا عام 1995 مع مجموعة من الطلبة حول العالم، كانت السيدة “مايا ” ابنة الرسام العالمي الشهير بيكاسو في استقبالهم، وكانت تبلغ من العمر آنذاك نحو 64 عاماً.
سألته “مايا” عبر المترجم، هل أنت مستعد لتكون فناناً تشكيلياً مميزاً في فرنسا، بعد تخرجك؟
فأجاب “قطيش”: “إعاقتي ستمنعني من مجاراة أقراني من الطلبة والفنانين.”
“فما كان منها سوى أن صفعتني في وجهي، وأنا في دهشة من أمري، وقالت لي: الإعاقة التي تتحدث عنها ليست في الجسد وإنما في التفكير.”
وقال: “ثم بدأت مايا بالحديث عن الإرادة والتصميم والشغف، وكيف بإمكانها خلق فنان مبدع، ثم احتضنتني بدفء وحب. أنت الآن في بيتك وما عليك سوى المثابرة.”
ومنذ سنوات يحاول “قطيش” تعليم الهواة وطلبة كلية الفنون وغيرهم في مرسمه الذي فتحه على نفقته الخاصة.
والآن يتلقى نحو ثلاثين طالباً من كلية الفنون الجميلة التدريب، بالإضافة لـ”22″ طالباً من كلية الهندسة المعمارية، عدا عن مجموعات من هواة الفن والرسم من فئات عمرية مختلفة.
أيمن أبو عسلي (60 عاماً) هاو رسم ويتلقى التدريب في المرسم منذ عامين، يقول إنه تلقى الأسس الأكاديمية “الصحيحة” في الرسم وخاصة كيفية التعامل مع الألوان الزيتية.
وخلال التدريبات أنجز “أبو عسلي” عدة لوحات “بفضل عطاء الفنان فادي اللامحدود في تقديم كل ما يملك من مخزون ومعارف أكاديمية تلقاها في فرنسا قل نظيرها في المحافظة.”
ومثله مثل أبو عسلي يتلقى التدريب، زيد حمزة (20 عاماً)، وهو طالب سنة ثانية في كلية الفنون الجميلة في السويداء قسم التصوير والرسم بالفحم.
يقول “حمزة”: “بالرغم من أني في السنة الثانية في الكلية، لم أتعلم ما هي نسب ومعايير الخلطات من الألوان المستخدمة في الرسم المائي والزيتي، سوى على يدي الفنان فادي.”
لكن مهما يكن وبالمختصر، فقد كانت صفعتين تلقاها الفنان فادي قطيش، الأولى كانت سلماً للنجاح، بينما أتت الثانية محطمة لآمال لطالما سعى لتكون واقعاً.