القامشلي – نورث برس
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الثلاثاء الماضي، تقريراً جاء فيه: “القوات التركية في سوريا تحمي خمسة ملايين شخص”، في مناطق شمال غربي سوريا.
ومنذ بدء الغزو التركي لمنطقة عفرين عام 2018، أصبحت مسألة انتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي بالنسبة للقوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها أمراً اعتيادياً، بحسب منظمات حقوقية.
انتهاكات لا تحصى
وورد في سياق تقرير الصحيفة أن “سيطرة الأتراك على منطقة عفرين لاقت ترحيباً واسعاً من قبل العديد من السوريين الذين فروا من حكومة الأسد”، وأن “السوريين في ظل حكم الأتراك سعداء حتى الآن.”
وتطرق التقرير وبإيجاز شديد إلى “اتهامات لتركيا بانتهاكها لحقوق الإنسان.”
وأن على معظم منظمات الإغاثة الدولية هناك التنسيق مع مجموعات مثل “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة مصنفة على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة، من أجل الدخول إلى المنطقة وممارسة نشاطاتها.
وأوردت الصحيفة الأميركية ذلك رغم أن عفرين تعتبر بالنسبة لمئات الآلاف من أبنائها وبناتها، بعد السيطرة التركية، بمثابة جحيم على الأرض لا ملاذاً آمناً.
ومنذ بداية الغزو التركي، تقوم مجموعات محلية مثل “منظمة حقوق الإنسان – عفرين”، المكونة من ناشطين وباحثين نزحوا من عفرين واستقروا في ريف حلب الشمالي إلى جانب منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” ولجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، بتوثيق الانتهاكات المتكررة من قبل القوات التركية ووكلائها في المنطقة.
ومن المستحيل حصر جميع الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التركية وموالوها خلال ثلاث سنوات من الاجتياح، بحسب تقارير لتلك المنظمات.
ومع ذلك، تم توثيق انتهاكات مثل “السرقة وحرق الأراضي الزراعية وتدمير وسرقة وبيع المحاصيل الزراعية والأشجار وتدمير المواقع التاريخية والدينية أو استخدامها كقواعد عسكرية وتحريم تعليم اللغة الأم وفرض اللغة التركية عوضاً عنها.”
إضافةً إلى “تغيير أسماء الأماكن إلى التركية أو العربية والاختطاف والاحتجاز التعسفي والتهجير القسري للمدنيين من منازلهم والزواج القسري والاعتداء والابتزاز والتعذيب والاغتصاب والقتل،” بحسب ما وثقته منظمات حقوقية.
وقامت القوات التركية بنقل مواطنين سوريين معتقلين ومحتجزين لديها من سوريا إلى السجون التركية لمحاكمتهم وسجنهم، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي بموجب اتفاقية جنيف.
الصحافة والسياسة
وتعتبر الصحفية الأميركية، ليندسي سنيل، التي قامت بتغطية العديد من الأحداث في الشرق الأوسط، تصرفات تركيا مقبولة من قبل وسائل الإعلام الغربية السائدة، حيث أن تركيا حليف للولايات المتحدة وعضو في حلف الناتو.
وقالت “سنيل”، لنورث برس، إن القضية “أبعد من عفرين”، حيث قامت وسائل الإعلام هذه بتغطية النزاع الذي دار العام الماضي في إقليم كاراباخ ذي الأغلبية الأرمينية، بين أرمينيا وأذربيجان المدعومة من تركيا، وتعتقد أن “الأمر ذاته ينطبق على عفرين.”
وأشارت إلى أنه “وحتى بعد ظهور العشرات من مقاطع الفيديو الخاصة بجرائم الحرب، كان لأذربيجان نصيب الأسد منها، ونشرت منظمة العفو الدولية تقريراً أولياً سريعاً نسبت فيه جرائم الحرب للأرمن أكثر منها لأذربيجان.”
وذكرت الصحفيةأن “التقرير لاقى تأييد المسؤولين المرتبطين بالحكومة الأذربيجانية كدليل على جريمة أرمينيا الكبرى.” وتقوم “وسائل الإعلام التركية بتناول تقرير نيويورك تايمز عن عفرين بالطريقة نفسها.”
وأضافت أنه “بعيداً عن توجه وسائل الإعلام في تجاهلها أو إخفائها انتهاكات تركيا في عفرين، فإن التوجه إلى تقديم تركيا كمدافع عن السوريين ضد الأسد، ما هو إلا ترويج لرواية كاذبة.”
وقالت “سنيل” أيضاً أن “تركيا انسحبت من عدة نقاط مراقبة لها في شمال غرب سوريا، كان من المفترض أن تكون بمثابة رادع لتقدم قوات الأسد.”
وأبدى العديد من سكان شمال غربي سوريا، الذين قابلتهم نورث برس في آب/أغسطس من العام الماضي، شكوكهم في قيام تركيا بحمايتهم.
وقال أحد النازحين من منطقة جبل الزاوية في إدلب، لنورث برس، إن “سكان المنطقة والمعارضة لم يستفيدوا من دخول تركيا إلى المنطقة. على العكس من ذلك، كل الاتفاقات التي أبرمتها تركيا كانت ضدهم … تركيا تهتم فقط بمصالحها وليس أكثر.”
لا يسمح للصحفيين
ويكشف تقرير نيويورك تايمز أيضاً عن كيفية حصول الصحفيين، الذين نادراً ما ينجحون في الوصول إلى المنطقة، على صيغة مخففة اللهجة عن الواقع هناك.
ويشير التقرير إلى “قيام مسؤولين أتراك مؤخراً بمرافقة صحفيين في زيارة نادرة إلى عفرين […] حيث كان الأتراك حريصين على إظهار إنجازاتهم فيما يتعلق بالبنية التحتية والتعليم والخدمات الصحية.”
وفي تصريح، لنورث برس، حول واقع الإعلام في عفرين، قال الرئيس المشارك لاتحاد الإعلام الحر في شمال وشرق سوريا، بانكين سيدو: “من الواضح أنه لا يمكن للصحفيين العمل في المناطق التي تحتلها تركيا وفصائل المعارضة المسلحة.”
وأضاف “سيدو”، أن “الصحفيين أو أشباه الصحفيين والنشطاء الإعلاميين الذين يعملون في هذه المناطق، ينتمون إلى الفصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا.”
إنهم “يعملون لصالح تلك الفصائل ويعززون من وجودها وتشجيع أفكارها المتطرفة هناك”، بحسب ما قاله “سيدو”.
وأشار إلى أنه “لا يمكننا اعتبارهم صحفيين أو نشطاء إعلاميين. إنهم مجرد أدوات لترويج الاحتلال والإرهاب هناك.”
ولا ينبغي لأحد أن يشعر بالدهشة أن تركيا تقوم بتقييد التغطية الإعلامية ضمن منطقة عفرين التي اجتاحتها، فهي تمتلك حتى في الداخل التركي سجلاً حافلاً من اعتقال الصحفيين واحتجازهم.
فقد ذكرت منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته عام 2016، أن ثلث العاملين في مجال الإعلام في العالم معتقلون في تركيا، وأنه تم إغلاق 180 وسيلة إعلامية، بعد محاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016.
ونوهت ليندسي سنيل، في مقابلتها مع لنورث برس، أن “تركيا سريعة في طرد الصحفيين الأجانب الذين يقومون بتغطية الوقائع بطريقة تتعارض مع رغباتها، وتجعل الوصول إلى الإعلام أمراً صعباً في المستقبل.”
وأضافت أن “الأمر كله يتعلق بإمكانية الوصول. فإذا لعِبْتَ لُعبَةَ تركيا، يمكنك الذهاب إلى هذه الأجزاء المحتلة من سوريا. وبإمكانك تصوير نفسك كبطل والذهاب إلى هذه المنطقة الخطرة، بهذا الأسلوب النادر.”