حينما أشعلت مخابرات دمشق “الفتنة” في السويداء (3)

السويداء – نورث برس

بعد اغتيال مؤسس “رجال الكرامة” الشيخ وحيد البلعوس تلقت الحركة صدمةً كبيرةً، خاصةً أن عدداً من قيادات الصف الأول لقوا مصرعهم في العملية التي اتُهم بتدبيرها “النظام”.

كما أن إصابة الشيخ رأفت البلعوس في العملية تركت أثراً سلبياً على أفراد الحركة، إذ لم يمكنه وضعه الصحي من مواكبة المستجدات.

ومع مرض الشيخ رأفت ومحاولته لمدة عام ونصف تقريباً لملمة جراح الحركة، كان لا بد من إجراء تعديل في قيادة الحركة، فكان الشيخ يحيى الحجار “هو المؤهل” لهذا المنصب.

ووقع الاختيار على “الحجار” لما كان يتميز به من علاقة وطيدة مع الشيخ المؤسس، كما أنه كان يقود “بيرقاً كبيراً” في الريف الجنوبي لمحافظة السويداء.

في السادس من شباط/فبراير للعام 2017، صدر بيان عن مجلس قيادة حركة رجال الكرامة، بتسمية الشيخ “أبو حسن يحيى الحجار” قائداً للحركة في محافظة السويداء.

دعا الشيخ أبو يوسف رأفت البلعوس، إلى اجتماع طارئ لمجلس قيادة الحركة في بلدة المزرعة، وتم تعيين الشيخ “الحجار” قائداً بدلاً عن الشيخ رأفت.

وجاء في البيان: “بسبب حساسية إصابة الشيخ رأفت البلعوس وتراجع صحته طلب الشيخ (رأفت)، والذي لقبه البيان بـ”سيف الكرامة” طلب “انعقاد مجلس قيادة رجال الكرامة، اتخذ فيه قرار تكليف الشيخ الحجار بمتابعة مهمة قيادة الحركة”.

وقال البيان إنه كان “لسيف الكرامة الشيخ أبو يوسف رأفت البلعوس أثر كبير في تخطي المصائب والظروف الصعبة التي مرت برجال الكرامة بعد تفجير أيلول، وكان لرجاله سنداً ومشجعاً لمواجهة كافة الضغوطات والمعوقات التي واجهتهم”.

وأضاف: “مرجعية قيادة رجال الكرامة، ستبقى مضافة الشهيد الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس وسيف الكرامة “أبو يوسف رأفت البلعوس”.

لم تكن مهمة الشيخ يحيى الحجار سهلة في قيادة حركة رجال الكرامة، فمؤسس الحركة الشيخ وحيد البلعوس، كان يتمتع بكاريزما قيادية عالية لا يتمتع بها الحجار، وكانت المرحلة التي استلم فيها الحجار مختلفة بكل المقاييس.

في هذه المرحلة تزايد منسوب الانفلات الأمني في محافظة السويداء، الأمر الذي شكّل تحدياً كبيراً أمام الحركة، بالإضافة إلى تحديات أخرى لا تقل أهميةً.

دخول القوات الروسية للأراضي السورية أصبح أمراً واقعاً، وكذلك تعاطي أجهزة المخابرات السورية تغير عن قبل، عبر استخدام “عملائهم” داخل المحافظة ابتعاداً عن المواجهة المباشرة.

بدأ الحجار بدعوة جميع البيارق التابعة لحركة رجال الكرامة، بهدف توحيد الصفوف، خاصةً بعد خروج العديد من تلك البيارق بعد رحيل البلعوس، وامتعاض بعضها على تسليم الشيخ الحجار قيادة الحركة.

يُضاف إلى ما سبق، ذهاب بعض البيارق وقادتها باتجاه منفصل عن سياسة الحركة، حيث “انحرفوا نحو العمل في التهريب بحثاً عن مصادر مالية لهم.”

كل ذلك جعل العبء كبيراً على الحجار، وفرض عليه اتباع سياسة هادئة وجامعة، فتقرب من مشيخة العقل وبات على تواصل وتنسيق معها، وأعلن أن لا هدف لهم يخص “النظام السوري”، مؤكداً على أنهم مع الدولة ومؤسساتها.

بالمقابل أعلن الحجار أنه لن يقبل باقتحام البيوت لاعتقال أصحاب الرأي، أو ملاحقة المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية. الأمر الذي دعا “النظام” لاتباع سياسة مختلفة معه أيضاً.

 أرسلت حكومة دمشق من يفاوض الحجار ليتفقوا معه على أنهم مستعدون لسماع مطالبه حين يريد في أي حدث يخص المحافظة، من دون الحاجة إلى تطور الأمر إلى مواجهة أو استعراض قوة.

في منتصف العام 2018 وفي اجتماع في مبنى المحافظة ضم عدداً من مشايخ العقل والوجهاء وممثلين عن السلطة بالإضافة إلى مبعوثين روس، اعتبر الروس أن حركة رجال الكرامة “حركة إرهابية.”

هذا التوصيف أثار حفيظة رجال الدين والوجهاء، “فرفضوا الأمر جملةً وتفصيلاً” وقالوا إنه لا وجود للإرهابيين في السويداء “هناك بعض الخارجين عن القانون من المجرمين الجنائيين، أما حركة رجال الكرامة فهي جمعٌ من أبناء السويداء الذين يتسلحون للدفاع عن المحافظة بوجه أي اعتداء خارجي، أو لضبط أي فلتان أمني قد يحصل في الداخل”.

الرد على كلام الروس جعلهم يعيدون النظر بقرارهم، والذي جاء بإيهام من السلطة ودفعٍ منها، ليأتي مبعوثون روس لاحقاً ويلتقوا بالحجار ويعلنوا له أنهم تراجعوا عن تصنيفهم السابق.

خلال اللقاء، عرضوا عليه تشكيل قوة عسكرية في السويداء تضم رجال الكرامة، لكن طلبهم قوبل بالرفض، حيث أخبرهم الحجار أنه يقيم على الأرض السورية، وهذا المشروع هو خروج عن مؤسسات الدولة السورية التي يقيم فيها.

الحجار أكد أيضاً أن “الحركة لا تقبل أن تكون جزءاً من قوة بيد أحد، ولا غاية لنا سوى الحفاظ على أمن السويداء بوجه أي اعتداء خارجي أو داخلي”.

استفاقت السويداء صبيحة الخامس والعشرين من شهر تموز/يوليو 2018 على صدمة مروعة، تمثلت بهجوم “داعش” على قرى الريف الشرقي للمحافظة.

ترافق ذلك مع عدة تفجيرات نفّذها بعض العناصر المتسللين إلى قلب مدينة السويداء، واختطاف عدد من النساء والأطفال من قبل التنظيم في قرى الريف الشرقي. 

استدعى الحدث استنفاراً عاجلاً لكافة الفصائل المحلية في المحافظة، بالإضافة إلى كل من لديه سلاح فيها.

وكان من ضمن الفصائل المستنفرة والمنخرطة في القتال للتصدي لهجوم “داعش” المباغت فصيل “رجال الكرامة”.

بعد أيام على هجوم “داعش”، اتهمت حركة رجال الكرامة “النظام” بالوقوف وراء الهجوم، واعتبرت أن استعادة المختطفات لن يتم إلا بسواعد أبناء السويداء.

عقب ذلك، بدأت بالتحرك، وقامت بملاحقة عدد من المشتبه بتعاملهم مع عناصر “داعش” من عشائر البدو. أسرت عدداً منهم بهدف الضغط على “داعش” مقابل الإفراج عن المختطفات من السويداء.

لكن ما تبين لاحقاً أنه، وإن كان البعض منهم قد تعامل مع “داعش”، فإن الأخيرة لم تكن مهتمة لأمرهم بعد أسرهم، فيما طالبت عشائر من القنيطرة بإطلاق سراحهم، وعبّرت عائلات المخطوفين عن مخاوفهم من أن يفاقم أسر البدو الأمور أكثر مما يساعد في حلها.  

كل ذلك دفع حركة رجال الكرامة إلى إطلاق سراح الأسرى لديها بعد إعلانها تلقي رسائل من الروس يعلنون فيها اهتمامهم بقضية المختطفات، وأنهم سيسعون لاستعادتهم من “داعش”.

في حزيران/يونيو عام 2019 تم اعتقال الشاب مهند شهاب الدين من مكان عمله الخاص الذي يعمل فيه وحده من قبل مجموعة شبان من السويداء، تبيّن أنهم يتبعون للقوى الأمنية.

لم تعلن أية جهة أمنية مسؤوليتها عن الحادثة. لكن اعتقال شهاب الدين جاء بسبب هجومه بالكلام على من زاروا الرئيس بشار الأسد من أبناء السويداء، حيث كسروا أمامه فنجان قهوة كدلالة على ولائهم له.

شهاب الدين ردّ حينها بكسر فنجان قهوة أمام مدخل ضريح سلطان باشا الأطرش في بلدة القريا، معلناً أنه المكان الوحيد الذي يستحق أن تقُام فيه هذه الدلالة الرمزية. الأمر الذي أزعج السلطات فقامت باعتقاله.

بعد الاعتقال بأيام، أعلنت حركة رجال الكرامة مسؤولية القوى الأمنية عن ذلك، وقامت مجموعة من فصيل “الشريان الواحد” باحتجاز عدد من ضباط وعناصر القوى الأمنية، وطالبت بإطلاق سراح شهاب الدين مقابل إعادتهم.

لكن تدخل عدة وجهاء ووساطات دفع المجموعة لإطلاق سراح الضباط بعد تلقيهم وعداً باقتراب الإفراج عن شهاب الدين، وتم الإفراج عنه حقاً، لكن بعد مرور أربعة أشهر.

وفي حزيران/يونيو عام 2020 وإثر خروج مظاهرات مناهضة للسلطة في السويداء، نادت بإسقاط “النظام” ورحيل الرئيس الأسد، قامت القوى الأمنية باعتقال 11 شاباً من بين المتظاهرين، فطالب السكان “رجال الكرامة” التدخل للإفراج عنهم.

لكن بياناً أطلقته الحركة جاء مغايراً للتوقعات، أعلنت فيه أنها “بعيدة عن الاصطفافات والانقسامات السياسية التي لم تجلب سوى الويلات” وقالت إنها مع حرية التعبير لكنها ليست مع عودة الانقسام والشرخ في الشارع.

وأضاف البيان أن الحركة ضد الاعتقال التعسفي بحق من يعبر عن رأي أو فكر سياسي، لكنها لم تقل إنها ستتحرك لإخراج المعتقلين حسبما توقع البعض منها، داعيةً للتهدئة وتحلّي الجميع بالمسؤولية.

بعد أيام على بيان الحركة، سلّم “النظام” ثلاثة معتقلين لحركة رجال الكرامة، كما تلقّت الحركة وعداً بالإفراج عن الباقين، وظهر أنها تعمل لأجل المعتقلين، لكن بطرق بعيدة عن استعراض القوة.

 إلا أن تأخر “النظام” بالوفاء بوعده دفع الحركة لاستنفار عناصرها في شوارع المحافظة دون فعل ما هو أكثر، الأمر الذي أرادت به إيصال رسالة “للنظام” الذي قام بالإفراج عن باقي المعتقلين في اليوم التالي.

ساهم “رجال الكرامة” في معركتي القريا في العام 2020. وكان الهدف منهما كما تقول مصادر الحركة “إبعاد قوات الفيلق الخامس عن أراضي بلدة القريا”.

وارتقى خلال المعركتين عددٌ من عناصر الحركة بالإضافة لجرحى. ولا زالت الحركة تقدم نفسها باعتبارها حامية للسويداء وأمنها بوجه أي هجوم خارجي، أو تعدي داخلي حسبما أعلنت مراراً.

وتقول إنها “تسعى أيضاً للإبقاء على أبناء السويداء في محافظتهم وحمايتهم من السوق إلى الخدمة العسكرية.”

أما أحدث المهمات التي أخذتها الحركة على عاتقها فهي “الوقوف في وجه تجنيد أبناء السويداء للذهاب إلى ليبيا عن طريق روسيا.”

وتقول الحركة إنها عبر كل مهامها ومسؤولياتها السابقة والحالية، لا تتدخل إلا فيما يخص أمن وأمان المحافظة وسلامة أهلها من أية أذية قد تلحق بهم نتيجة الحرب الدائرة في البلاد.

لكن من جهته ينظر “النظام” إلى الحركة، بعين الريبة، محاولاً تقليص شعبيتها بالإشاعات تارةً، أو بمحاولة اختراقها أو دفعها نحو قضايا تورطها في خساراتٍ جانبية وفق مصادر تحدثت لنورث برس.

وبالرغم من ذلك، لا يتردد “النظام” بالتفاوض معها حين تقتضي الحاجة، خاصة أنها فرضت نفسها كقوة مؤثرة في المحافظة، وباتت أكبر من مجموعة أفراد يمكن التعامل معهم أو “كسرهم بسهولة.”

إعداد: خالد معروف – تحرير: سامي شحرور