سياسيون في السويداء: لا استجابة مجتمعية واسعة لمفهوم الحماية الذاتية رغم عجز الحكومة
السويداء – نورث برس
يرى سياسيون وأكاديميون في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، أن الدعوات لأشكال “حماية ذاتية” أو إدارة لا مركزية لا تلقى بعد استجابة واسعة من المجتمع المحلي، مع أن كثيراً من أبناء المنطقة باتوا يميزون بين الحلول الإدارية ومشاريع الانفصال.
ويرى هؤلاء أن ترويج الحكومة لربط الإدارة الذاتية بمفهوم الانفصال يؤدي لقتل الحلول الداعية للاستقرار دون العودة لمرحلة ما قبل العام 2011.
وقال السياسي والباحث الأكاديمي مهيب صالحة لنورث برس إن فكرة “الحكم الذاتي” لم تعد تشكل جزءاً من “المحرمات الوطنية” لدى نسبة من أبناء السويداء رغم ما تحمله من حساسيات ومفاهيم انفصالية لدى البعض الاخر.
وأعاد ذلك إلى عدم إدراك كثير من سكان السويداء ذي الغالبية الدرزية أن الإدارة الذاتية لا تعني بالضرورة الجغرافية الانفصال عن الإطار السوري.
“بل على العكس هي مرتبطة بمفهوم اللامركزية الإدارية في إطار سوريا الموحدة والذي يحتاج إلى حوار عميق ومنفتح على جميع مكونات وشعوب سوريا للوصول إلى صيغة وفاقية تراعي مصالح واحتياجات الجميع.”
وشهدت السويداء سابقاً دعوات أطلقتها حركات شبابية تدعو إلى إجراء تعديلات على الحالة الإدارية في المحافظة وتطبيق نموذج الإدارة اللامركزية كحال “حركة البناء والتشبيك المجتمعي.”
وتدعو تلك الحركات إلى تكريس اللامركزية دستورياً في المحافظات السورية مع احتفاظ الحكومة بالحقائب السيادية كالدفاع والخارجية والداخلية.
ورغم الوقائع التي تشير أن المركزية الإدارية في طريقة الحكم داخل سوريا لم تعد تجدي نفعاً في وضع حلول للمشكلات الاقتصادية والسياسية في السويداء ولمستقبل سوريا عموماً، لكن كثيراً من وجهاء وشخصيات السويداء يتوجسون من تسميات الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي.
وتروج الحكومة في دمشق أن طروحات الإدارة اللامركزية للأقاليم هي مشاريع انفصالية، بينما يحتاج الحل وفق “صالحة” الإقدام نحو عقد اجتماعي جديد ينبثق من رحمه دستور سوري معاصر أسوة بباقي الدول التي انتهجت سياسة إدارة الأقاليم من قبل سكانها المحليين في إطار الدولة الواحدة ولم تتعرض للتقسيم أو التفتيت.
وأضاف الباحث أن “مقتل الحلول في الخروج من إطار الحكم المركزي غير العادل في توزيع الثروات وإحداث التنمية المستدامة، تكمن في الإشكالية المرتبطة بمفهوم الإدارة الذاتية وتداعياتها المتلازمة في العقل الجمعي الثقافي في السويداء مع مقولة الدعوة إلى الانفصال.”
ويعتقد “صالحة” أن من الإجحاف اتهام الكرد السوريين في الشمال جزافاً بالسعي للانفصال بسبب تجربتهم في الحكم الذاتي.
ويقول: “من لا يقرأ الأدبيات الكردية الداعية لتجربة ديمقراطية سورية تعم البلاد وضمن مفهوم سوريا الموحدة، لا يستطيع أن يتفهم هواجس المكونات السورية من العودة إلى ما قبل 2011.”
ويعتبر الباحث السوري أن شكل الإدارة الذاتية هو “حق مشروع، ولكن ضمن سياق التشبيك مع جميع أطياف وزخارف السوريين.”
ويحصر القانون رقم /15/ للعام 1971، الخاص بالإدارة المحلية، صلاحيات اتّخاذ القرارات النهائية في المجالس المحلية بيد المحافظ الذي يُعيَّن بمرسوم رئاسي.
وكانت المشاركة في الانتخابات المحلية لعام 2018 بالسويداء ضعيفة، بحسب مصادر محلية، لغياب الثقة في قدرة المؤسسات الحكومية على تقديم خدماتها للسكان.
ويرى نشطاء من السويداء، جنوبي سوريا أن تعامل الحكومة السورية مع الوقائع طيلة السنوات التسع الماضية وفق منطقها القديم يمنع أي كسر لجمود مسارات الحل السياسي في البلاد.
وقال “رامز ممدوح”، وهو اسم مستعار لكاتب ومحلل سياسي معروف في محافظة السويداء طلب عدم الإفصاح عن هويته لأسباب أمنية، إن “غياب سلطة حكومة دمشق وبمختلف أجهزتها عن إحلال الأمن المجتمعي والاقتصادي، جعل الكثير من النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية تبحث عن بديل لإدارة شؤون المحافظ أمنياً.”
وأضاف لنورث برس أن من الضروري “إحداث حماية ذاتية للمنطقة من فتك العصابات والمجموعات المسلحة والعابثين بالتركيبة المجتمعية الأصيلة لدى مجتمع السويداء.”
ويعتقد “ممدوح” أنه لا يمكن التعويل على حكومة تدعي شرعية سلطتها على البلاد ولا تقوم بواجباتها كدولة في تعزيز الأمان واجتراح حلول اقتصادية تخرج السكان من حالة العوز بعد عشر سنوات من الحرب.
وأضاف أن فكرة “الحماية الذاتية ” لا تعني الانفصال كما يروج لها البعض، بل “هي ضرورة ملحة في إعادة ضبط حالة الشرذمة لدى الأجهزة الأمنية الحكومية والمتحالفة في بعض الأحيان مع الرجعية المجتمعية المتمثلة ببعض الوجهاء.”