الضفة الغربية ـ NPA
يأتي تصاعد القصف الإسرائيلي في سوريا مؤخراً، ليكون الموضوع الرئيس المطروح على طاولة البحث في الاجتماع الأمني الثلاثي المرتقب في القدس خلال الشهر الجاري، حيث سيجمع الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل.
القمة الأمنية الثلاثية تُنَظّم بدعوة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث سيحضرها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، وسكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات، وذلك في مقر “الأمن القومي” في القدس، ولكن أياً من تل أبيب أو واشنطن اللتين أعلنتا عن هذه القمة في بيانين منفصلين لم يشيرا إلى التاريخ المحدد لانعقادها هذا الشهر.
المحلل السياسي الإسرائيلي ايلي نيسان قال لـ”نورث برس” إن تل أبيب وواشنطن ستخبران روسيا خلال الاجتماع المذكور، أنه “أولاً وأخيراً لن يكون هناك إعادة إعمار في سوريا ولن تنعم بالاستقرار والهدوء طالما لم يغادر الإيرانيون وحلفاؤهم من هناك”.
وبدوره، يعتبر المختص بالشأن الإسرائيلي نظير مجلي في حديث لـ”نورث برس” أن هذا الاجتماع يأتي في سياق استمرار التنسيق الأمريكي-الإسرائيلي- الروسي، بما يتعلق بالوقائع الجارية في سوريا، مشيراً إلى أن هذا اللقاء هو بمثابة ركن أساسي لتسوية الأوضاع السورية، خاصة وأن تل أبيب تزعم أن ثمة نشاطاً إيرانياً متزايداً في سوريا قد عاد إلى الصدارة مجدداً، وهو ما يفسر أيضاً كثافة عمليات القصف الإسرائيلية مؤخراً.
ووفق مجلي، فإن لدى إسرائيل خرائط تشير إلى اقتراب التحركات الإيرانية مرة أخرى من الحدود المؤقتة لوقف إطلاق النار في قلب الجولان المحتل، وأن هذه الأنشطة يمكن أن تفضي إلى عمليات عسكرية ضد إسرائيل. وقامت الأخيرة تحت هذه الحجة بتوجيه عدة ضربات في الفترة الحالية لهذه القوى في سوريا عبر القصف المدفعي والغارات الجوية.
ولهذا، تضع إسرائيل هذا الموضوع بمركز اهتمامها مسنودة بموقف أمريكي للضغط على روسيا؛ كي تتجاوب أكثر مع المطالب الإسرائيلية.
وتقول مصادر سياسية لـ”نورث برس” إن روسيا هي مَن يسيطر على سوريا اليوم، وتساند القيادة السورية على أن تحافظ على شيء من الاستقلالية لمواجهة النفوذ الإيراني الذي أزعج دمشق في بعض المراحل وجرى الحديث عن اشتباكات مسلحة بين القوات السورية والعناصر الإيرانية.
ومن هذا المنطلق، تعتقد الدوائر الاستراتيجية في إسرائيل أن الوجود الروسي يعزز “الاستقلال السوري” في وجه ايران.
ولأنّ روسيا تحاول أن تدير عملية توازن في المنطقة، فإن إسرائيل تسعى لمطالبة روسيا أن تحفظ لها حصة ما بالمنطقة. وهذه الحصة الإسرائيلية تقضي ببقاء السيطرة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل أولاً، وثانياً تريد تل أبيب أن تبتعد العناصر الإيرانية والميليشيات التي تدور في فلكها، عن الحدود مع إسرائيل بمسافة ثمانين إلى 100 كيلومتر.
إذاً، نتحدث عن الحفاظ على المصالح الإسرائيلية في سوريا ولكن موسكو تعتبرها “محدودة”، وروسيا توافق بشكل أو بآخر على هامش المناورة الإسرائيلية في سوريا من منطلق ما تعتبرها “رؤيتها التوازنية” بين الأطراف جميعها؛ ذلك أن روسيا تريد أيضاً أن تمنع طرد إيران من سوريا تماماً في هذا الوقت، بموازاة توافقها على إبعادها عن “حدود إسرائيل”، فموسكو لا تريد استعجال طرد إيران من سوريا، ولكنها تفكر بذلك جدياً على المدى البعيد، وفق قراءة الكاتب الصحافي المقيم في إسرائيل نظير مجلي.
ويضيف مجلي أن الإسرائيليين والأمريكيين يحاولون التأثير على الدور الروسي “التوازني” في سوريا من أجل الحصول على المزيد من المكاسب؛ خاصة وأن هناك محوراً بات يقلق الأطراف الثلاثة (واشنطن وموسكو وتل أبيب)، ألا وهو التركي- الإيراني الذي يشهد تطوراً في العلاقات معاً، كما تعتقد إسرائيل، وهذا هو أحد المواضيع الرئيسية الذي تبحثه قمة القدس الأمنية ضمن هذا التنسيق الثلاثي.
من جهته، يقول رئيس المركز الثقافي الروسي-العربي في سانت بطرسبرغ مسلم شعيتو لـ”نورث برس” إن موسكو من باب تحاشيها للاصطدام مع إسرائيل وأمريكيا، كان لا بد من تنسيقها العسكري المستمر مع القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، وكذلك مع الجيش الإسرائيلي. ووصف شعيتو ما أسماها “الغطرسة الإسرائيلية” في سوريا وكأن تل أبيب “الولد المدلل” لكل من روسيا والولايات المتحدة.
ويوضح شعيتو أن قمة القدس الأمنية ستتطرق إلى ما تم الالتزام به من إسرائيل في جنوب سوريا، بحيث ستطلب روسيا من الدولة العبرية أن توقف نشاطها وتسللها في الجنوب ولا سيما “دعم المجموعات المسلحة”. كما وستبحث القمة مسألة عدم الاحتكاك بين القوات الروسية والأمريكية في شمال شرق سوريا.
وستسعى روسيا خلال القمة الأمنية أن تقنع أمريكيا وإسرائيل بأن ما يجري في سوريا أصبح في نهايته، وأن قوات الحكومة السورية ستسيطر بشكل كامل على سوريا وأن المطلوب هو تعامل الأطراف جميعها بطريقة مختلفة حتى لا تنعكس ممارساتها سلباً على المنطقة بأكملها، وفق ما يقوله شعيتو لـ”نورث برس”.
والواقع، أن القمة الأمنية الثلاثية في القدس، تعكس صيغة “الثالوث الحاكم” لمنطقة الشرق الأوسط والذي تكرس في السنوات الأخيرة، كما يقول مراقبون، فيما يعتبرون أن ثمة تنافساً سنياً-سنياً، أي بين السعودية وتركيا على حكم الضلع السّني.
وتنعقد قمة القدس الأمنية، في ظل اتهامات إسرائيلية لإيران بأن الأخيرة تستعيض عن سوريا بأراض في العراق وتكريس نفوذ لها هناك، ويبدو أن هذه المسألة أيضاً ستكون حاضرة في القمة المشار إليها. وعلمت “نورث برس” أن الولايات المتحدة الأمريكية سلمت مؤخراً خرائط للدولة اللبنانية عن أنشطة عسكرية لإيران وحزب الله في لبنان، متمثلة بمصانع صواريخ وغيرها.