ألمانيا ـ فرهاد حمي ـ NPA
لم تحجب عبارات دافئة من قبيل “الشراكة التاريخية العريقة” بين الطرفين من ظهور أجواء فاترة صاحبت زيارة وزير الخارجية الأمريكية قبل أيام إلى برلين، إذ يُنعت بومبيو من قبل الدائرة السياسية الألمانية بأنه “من المتشددين” وخصوصاً بأنه ألغى زيارته قبل ثلاثة أسابيع إلى برلين بصورة مفاجئة، الواقعة التي وُصفت حينها من قبل صحيفة” سوده دي تساتونغ” بأنها ” فعل لا يمكن تبريره”، في الوقت الذي حاول وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس في المؤتمر الصحفي أن يتحاشى مشادات كلامية أمام وسائل الإعلام، تشي بوجود خلافات عميقة بين الطرفين.
وتزامنت زيارة بومبيو الأولى إلى ألمانيا بذكرى سقوط جدار برلين، حيث أبدى الوزير الأمريكي تعاطفه مع الذكرى التاريخية المعروفة بكلمات مقتضبة، غير أنه سرعان ما قفز إلى قلب المشاكل الملحة التي تعترض إدارة ترامب مع حليفتها التاريخية.
ألمانيا تؤدي دور الوسيط
كان الملف الإيراني في صدارة النقاشات الدائرة بين الطرفين، إذ قدمت ألمانيا نفسها بتأدية دور الوساطة لتخفيف التوتر القائم بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران، نظراً أن نجاح صفقة الملف النووي لا يزال في قائمة أولويات حكومة برلين.
كما سلط وزير الخارجية الألماني الضوء على التفاهم المشترك بين الطرفين حيال منع طهران من امتلال السلاح النووي، غير أنه عاد وشدد بقوله” لا نخفي سراً، لدينا طرق مختلفة في متابعة هذا المسار”. في حين كان بومبيو يشدد على دور العقوبات على إيران، وضرورة التزام الشركاء بحزمة العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، وفي الوقت الذي استبعد بومبيو المواد الطبية مثل الأدوية والسلع الغذائية من حزمة العقوبات الأمريكية.
نقطة خلاف بين واشنطن وبرلين
إن كانت هذه المقاربة تقدم متنفساً لبرلين بصورة ظاهرية، لكنها تشكل نقطة خلاف حادة بين الطرفين في الوقت عينه، إذ أن ألمانيا تسعى مع فرنسا وبريطانيا إلى فتح قناة مالية لدفع خاص مع الجانب الإيراني بغية تجنب تأثير الدولار على التبادل التجاري لتحقيق منفعة اقتصادية متواضعة كما تقول المصادر الألمانية، في حين تعتبر أمريكا بأن إنشاء هذه القناة المالية بمثابة الالتفاف على العقوبات الأمريكية، كما أن شركات الأعمال الأوروبية التي تنشط في أمريكا هي أيضاً غير متحمسة أن تشارك بلدانها في هذه القناة الجديدة.
ومن غير المؤكد أن ألمانيا ستتخلى عن طهران تحت الضغوطات الأمريكية، غير أن ألمانيا قد تقدم بدائل أخرى كي تخفف من” الغضب الأمريكي”.
بدائل أمريكية
من بين البدائل الدبلوماسية المطروحة أمام الحكومة الألمانية كان الملف السوري، وتحديداً في سياق التناغم مع الاستراتيجية الأمريكية بوجوب تقليص دور القوات الإيرانية العاملة في سوريا، وأهمية تعزيز الحوار السياسي، وإمكانية مشاركة القوات الألمانية في إنشاء المنطقة العازلة. هذه الأخيرة لم تتضح معالمها في المؤتمر الصحفي الذي عقد بين الطرفين، بيد أنّ التقرير الذي نشرته مجلة دير شبيغل الأسبوع الماضي، قبيل هذه الزيارة كشفت عن استعداد ألمانيا بالتعاون والتنسيق مع الجانب الأمريكي في إنشاء المنطقة الآمنة في شمال شرقي سوريا بغرض تفادي نزاعات محتملة بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة التركية. ومن المرجح أن الحكومة الألمانية ستستثمر هذه الورقة بغرض تحقيق نوع من التوزان مع أمريكا في باقي الملفات.
برلين تستفز واشنطن
برلين، التي تعيش في توتر كبير مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب إعلان إدارة ترامب فرض الرسوم الجمركية على الصناعة الألمانية في أمريكا، تسعى في الوقت نفسه إلى تحريك بعض القضايا الحساسة التي تثير واشنطن، حيث تصر حكومة ميركل في إنشاء أنبوب الغاز مع روسيا بمنأى عن إرادة واشنطن، كما أن مماطلة برلين في زيادة ميزانيتها الدفاعية تجاه مستحقات الناتو تزيد من هواجس الدائرة السياسية الأمريكية حيال برلين.
في المقابل، تأمل واشنطن على المدى القريب من برلين أن تعارض أنشطة” الفساد والتجسس الصيني” عبر استبعاد شركة هوواي الصينية من تدشين شبكة G5 للهواتف المحمولة، إذ شدد بومبيو أمام المستشارة الألمانية بنبرة تحمل التهديد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تبادل المعلومات المخابراتية مع ألمانيا في حال سماحها لمجموعة هوواي في تشييد البنية التحتية للاتصالات.
وتبعاً للخبراء فإن ملفات مثل سوريا وإيران قد شهدت نقاشات مثمرة وإيجابية بين البلدين، بيد أن الهوة لا تزال واسعة بينهما في القضايا التجارية والأمنية والعلاقات الخارجية.