حينما تصبح لغتك تهمة.. قصة مدرس كردي تعرض للتعذيب في السجون التركية

ريف حلب الشمالي- دجلة خليل- نورث برس

 

كلما حمل جميل خوجه، (27 عاماً) الذي ينحدر من قرية "كاخرة" التابعة لناحية معبطلي في منطقة عفرين، كتاباً ليقرأه أو أوراقاً ليعد درساً، تذكر ما شاهدته عيناه وما تعرض له والده قبل عامين على يد عناصر الفصائل التابعة لتركيا، فهو إن حاول نسيان ما مر به، تذكره آثار التعذيب على جسده، لكنه رغم كل ذلك يمضي قدماً في بعض العطاء والنجاح مما تطاله قدراته وإمكاناته.

 

يقول: " بعد مرور عامين على اعتقالي، لا أزال أعاني من آثار التعذيب، لدي تمزق في أربطة الركبتين، لا أستطيع الرؤية جيداً، بالإضافة إلى تدهور حالتي النفسية والصحية عموماً، حيث أعاني آلاماً متكررة في المعدة والرأس، وأينما التفت أتذكر ما تعرضت له".

 

إصرار رغم كل شيء

 

بعد أن وصل خوجه إلى مناطق ريف حلب الشمالي، حيث تقطن بقية أفراد عائلته عاد معلماً للغته الأم، بالإضافة لإعطاء محاضرات وندوات تربوية وتعليمية للمعلمين، وممارسة هوايته في كتابة مقالات وخواطر وأشعار، "سأجمع جميع إنتاجاتي الأدبية في كتاب، كما قمت بتأليف وتلحين ثلاثة أغاني سيقوم بعض فنانين من المركز الثقافي في ريف حلب الشمالي بتسجيلها في الفترة القادمة".

 

 وكان قد قام في بداية فرض حظر التجول الكلي بإجراء عملية زرع عدسة لإحدى عينيه، وبعد تحسن ضئيل فيها قام بإنشاء مجموعة تعليمية على تطبيق "واتس آب" وأخرى على موقع "فيس بوك"، لتعليم قواعد اللغة الكردية.

 

يشير خوجه إلى أن قرابة /200/ شخص انضموا لمجموعته، "أقوم بتعليم القواعد الكردية، وأساسيات تعليم اللغة الكردية ومحاضرات عن تاريخ الأدب الكردي، حيث أحاول إيصال المعلومات عبر تسجيلات صوتية".

 

"حرقوا مكتبتي"

 

بدأت قصة جميل خوجه حين سيطرت القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها على قريته  "كاخرة" في آذار/ مارس عام 2018، ليضطر يومها إلى إحراق مكتبته التي كانت تضم أكثر من /200/ كتاب، خوفاً من أن تقع بيد فصائل المعارضة المسلحة التابعة لتركيا، "كان ذلك في غاية الصعوبة بالنسبة لي، كانت لحظةً عصيبة، كأنك تمحو تاريخ وجودك من الحياة".

 

لكن إحراق مكتبته التي كانت تضم كتباً للأدب الكردي والفلسفة والتاريخ، لم يحمه من الاعتقال والتعرض لأشد أنواع التعذيب والذي لا يزال يعاني من آثارها إلى اليوم، "نادوا عبر مكبرات الصوت في جامع القرية ذلك اليوم، لجمع الأهالي في ساحة القرية ولم يستثنوا النساء والكبار والعجزة، مهددين من لا يأتي للساحة بالقتل".

 

وقام فصيل "السلطان سليمان شاه" ( العمشات) التابع لتركيا باعتقال خوجه مع والده وعدد من شبان قريته يومها، دون معرفة التهم الموجهة لهم، "اقتادونا إلى قرية قرمطلق في ناحية شيخ حديد، لا أستطيع إلى الآن نسيان ما حصل، استخدموا في تعذيبنا كافة الأساليب من الضرب بالخراطيم والركل والصفع وتوجيه الإهانات والكلام البذيء، لم تكن هناك تهم واضحة موجهة لنا".

 

وبعد يومين من التعذيب المتواصل، أطلق فصيل "السلطان سليمان شاه"، سراح خوجه ووالده الذي أصيب بشلل نصفي نتيجة التعذيب والضرب المبرح، "تعرض والدي لحوالي ثلاثين ضربة على رأسه، تسببوا بإصابته بالشلل".

 

وكانت منظمة حقوق الإنسان في عفرين قد وثقت، في تقرير نشرته في /16/ كانون الثاني/ يناير الماضي، مقتل /54/ شخصاً من أهالي منطقة عفرين تحت تعذيب عناصر الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها.

 

وجدوا تهمة

 

بعد أسبوع من إطلاق سراحه، تعرض خوجه للاعتقال للمرة الثانية من قبل القوات التركية، "عاودوا اعتقالي في الساعة السابعة مساءً وسألوني عن عملي أجبتهم بأني معلم، وأثناء الاستجواب في قرية قرمطلق، انهالوا علي بالضرب بخرطوم بلاستيكي غليظ على رأسي".

 

هذه المرة أخبروني أن التهمة هي "معلم لدى الحزب"، في إشارة إلى الإدارة الذاتية سابقاً في عفرين، "استعمل عناصر الجيش التركي مهنتي في التعليم كحجة لتعذيبي، وعندما حل الليل نقلونا إلى مقر تركي حيث صورونا ونحن مربوطي الأيدي ومعصوبي الأعين".

 

أثناء اعتقاله ونتيجة التعذيب، تضررت عينا خوجه، اللتان كانتا تعانيان من نقص درجة الرؤية، أكثر من السابق، "نقلونا إلى داخل عربة وهناك سقطت نظاراتي، فقام أحدهم ودهسها برجله، وضرب عيني بمرفقه، وقتها فقدت وعيي، واستيقظت وأنا معصوب العينين داخل سيارة وكان فوقي أربعة أشخاص، لقد قاموا بتكديسنا فوق بعضنا البعض، لينهالوا على وجوهنا بضرب بلا رحمة".

 

نُقل بعدها مع عدد من الشباب الآخرين إلى داخل الأراضي التركية ليبقى هناك ليومين، "كان الضرب مستمراً في الصباح والمساء، بقينا دون طعام وعندما طلبت الماء قاموا بسكبه فوق وجهي، وحين طلبت منهم إرخاء قيدي قاموا بشده أكثر، كانت يداي مربوطتان إلى الخلف، و كلما حاولت تحريكما شعرت أن عروقي ستتقطع".

 

ويرى خوجه أن تعذيب القوات التركية له كان "أسوأ بكثير من تعذيب الفصائل، فقد كان التعذيب ممنهجاً نفسياً وجسدياً".

 

وكانت منظمة العفو الدولية قد أشارت في تقرير، في آب / أغسطس 2018، إلى أن القوات التركية تطلق العنان للجماعات المسلحة السورية لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين في مدينة عفرين، من بينها الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ومصادرة الممتلكات وأعمال النهب.

 

يضيف خوجه: "طلبوا منا أن ننطق بالشهادتين، وعندما نطقنا صاحوا مكبرين الله أكبر، كانوا يُظهرون أننا كفار وقد دخلنا تواً للإسلام".

 

بعد خروج خوجه من السجن، تعرض للتهديد من قبل فصيل "العمشات" ثم الاعتقال للمرة الثالثة، فأجبر على دفع /2000/ دولار أمريكي في سبيل تركه بشأنه.

 

ويبقى أمل للعودة

 

قرر خوجه بعد ذلك الخروج من قريته والتوجه إلى مناطق ريف حلب الشمالي، حيث يقطن مهجرو منطقته، "خرجت أنا ووالدي عن طريق أحد الفصائل التابعة لتركيا إلى مدينة إعزاز لقاء دفع /100/ ألف ليرة سورية، ومن مدينة إعزاز توجهنا إلى منبج، هناك شعرت بأنني قد ولدت من جديد، فقد ذقت الكثير من بربرية الفصائل وعناصر الجيش التركي".

 

فور وصولهما إلى مدينة منبج، أدخل والد خوجه إلى أحد المشافي لتلقي العلاج، وبقيا هناك لعدة أشهر إلى أن استعاد والده صحته، "بينما زادت حالة عيناي سوءاً فلم أكن أستطيع رؤية شيء أمامي، استخدمت نظارة طبية بعدسات خاصة لضعف النظر الشديد". 

 

ينشغل خوجه الآن بمهنة التعليم مجدداً، إلى جانب كتاباته الإبداعية، إلا أنه يأمل في العودة يوماً ما إلى منطقة عفرين وقريته التي يشتاق لها "أمنيتي هي تحريرعفرين وجميع الأراضي من المحتل التركي".