موهبة في مقتبل العمر من حسكة تعزف بألوان ولغات مختلفة

قامشلي – نورث برس

لم تصبح “خيميائية” حتى الآن، غير أنها ترغب في أن تكونها، وكأنما ثمة علاقة مختبئة ما بين الصيدلة والموسيقى.

هي لا تبرر هذه العلاقة، ولا توصفها، فـ”لاميتا إيشوع” (16 عاماً)، من مدينة حسكة شمال شرقي سوريا، تغني بأربع لغات: السريانية، والأرمنية، وكذلك الإنكليزية، وتعطي بالاً كبيراً للطرب العربي.

للبنت قصة، تخلو من أي بعد تراجيدي في بلاد كل ما فيها تراجيديا، بلاد حرب ونزوح وانغلاق للأمل.

أعلنت لاميتا موهبتها في الغناء مبكراً، بل مبكراً جداً، فقد بدأت قصتها حينما كانت تنام على سماع الأغاني الطربية التي كانت تضعها والدتها في آلة التسجيل. كانت والدتها مولعةً بأسمهان وفيروز وجيل الروّاد.

يُبكيها النشاز

لم تكن الطفلة تبكي من ضيق حذائها، ولا تطلّباً للعبة، فقد لاحظ والديها بأنها تبكي حين يقع المطرب في النشاز، أو في الخروج على اللحن، وكان أن التقط والدها تلك الموهبة المختزنة بطفلته.

في سنتها السادسة، كانت لاميتا تجلس أمام آلتها الموسيقية، وتنظر إلى والدتها مبتسمة وكأنها تستمد القوة منها.

وتستذكر بفرح كيف صعدت مسرح المركز الثقافي في مدينة حسكة، وغنّت في حفل تخرجها من الروضة.

تقول لنورث برس: “موهبتي ربانية، زُرعت بداخلي، فمنذ صغري أحببت الموسيقا، وسعيت لتعلمها وتطوير موهبتي.”

والدة لاميتا تمتلك أيضاً صوتاً جميلاً، تجلس إلى جانب ابنتها وتغني معها بصوت خفيض لتتأكد أنها تسير على النغمة الصحيحة.

ثنائي يشكل “دويتو” إن شئت، غير أنه ليس ثمة فرحاً يساوي فرح الأم بابنتها.

في السادسة من عمرها، ذهبت لاميتا لتعلم العزف، بعد رؤيتها أحد أقارب والدتها، يعزف على آلة الأورغ.

“كنت أشاهده وهو يحرك أصابعه، ويعزف ألحاناً متنوعة، فرحت أقلده، وأحياناً كنت أحرك أصابعي وأنا نائمة، ما جعل والدتي تخاف عليّ.”

بعد عامين، قام والدها بشراء أورغ لها، وتسجيلها بأحد المعاهد الموسيقية، لكن الحرب السورية وسوء الوضع الأمني في المدينة حالا دون أن تكمل ابنة الثمانية أعوام آنذاك تدريبها.

وعبر الدورات الموسيقية الخاصة في المدرسة، كانت لاميتا قد تعرفت على الموجّه الموسيقي، إلياس يطرون، الذي أعجب بصوتها.

وبعد استئذان أهلها، راح “يطرون” يقدّم لها دورات موسيقية في المنزل، لكنها لم تكتفِ بما تعلمته على يد أستاذها، فحاولت الاعتماد على الإنترنت.

“لم أستطع إكمال دورات تعليم العزف بسبب خوف أهلي من إرسالي للدورات والمعاهد، فكنت ألجأ للمقاطع على الإنترنت وأقوم بتطبيقها.”

لغات مختلفة

لم تكتفِ الفتاة بغناء اللون الطربي فحسب، بل تعددت الأنواع واللغات، فكان الأصل السرياني لوالدها وارتيادها للكنيسة السريانية عاملان ساعداها على أداء الأغاني والتراتيل الدينية بالسريانية، كما علمتها والدتها الأرمنية لغتها، فأجادت الأغاني الأرمنية وتراثها.

ولا تستطيع لاميتا الابتعاد عن أورغها الخاص، حيث تقضي معظم وقتها في العزف والغناء، ومحاولة تعلّم اللغات، فإلى جانب السريانية والأرمنية والعربية، تعلّمت الغناء بالإنكليزية.

“بعد إتقاني الغناء بأربع لغات، حاولت الغناء باللغات الهندية والإسبانية والإيطالية وبشكل خاص أغاني أندريا بوتشيلي.”

أغنيتان

تستعد لاميتا حالياً لتقديم الشهادة الثانوية، فتهرب من ضغط الدراسة نحو الموسيقا.

وتقول: “الموسيقا ملجأي، أريد أن أدرس وأحصل على الشهادة الثانوية وأسجل في كلية الصيدلة، لكن الموسيقا تبقى ملجأي وعالمي الخاص.”

وتعتمد لاميتا اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال صوتها للعالم، من خلال المقاطع التي تقوم بتحميلها، وساعدها الأمر بتعرف بعض الكتّاب والملحنين ومؤسسات فنية عليها والإعجاب بصوتها.

تمكنت ابنة الستة عشر ربيعاً من إصدار أغنيتين خاصتين بها حتى الآن، الأولى في أوائل تموز/يوليو الماضي، والثانية في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي.

أغنيتها الأولى “حالة” باللغة العربية، من كلمات الكاتب السرياني إلياس بكرجي وتلحين وتوزيع فادي سيمون، أما الثانية فكانت”حلم طفل” باللغتين السريانية والعربية، بالتعاون مع لجنة الرها الفنية وهي مؤسسة تعنى بالفلكلور السرياني وتتبع للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في قامشلي.

لا تفضّل “لاميتا” التخصص بنوع غناء معين، “أحب التنوع من كلاسيكي وطربي وتراتيل وغيرها.”

لكنها كغيرها من الشباب الموهوب في سوريا تواجه صعوبات تتعلق بعدم وجود أكاديميات فنية لتعليم الغناء والعزف في منطقتها.

وبسبب الظروف الحالية لم تتلقَ التدريب المطلوب، “كل تدريبي لا يتعدى فعلياً 3  أعوام متفرقة كحد أقصى، فأنا اعتمد على نفسي وعلى الانترنت.”

ويقول ملحّنها “سيمون” إن صوتها لا يجوز له أن يبقى مخبئاً بين صفحات الإنترنت، بل يستحق العديد من الفرص لينطلق نحو مسافات أوسع،

“تمتلك لاميتا مزايا كثيرة كجمال الصوت وخامته المدهشة. ستتاح لها الفرص الكثيرة وتكتسب الخبرة اللازمة.”

ويرى سيمون أن لاميتا ستصل لأماكن مهمة وسيتردد اسمها على الساحة الفنية في الجزيرة وفي سوريا، بسبب التشجيع المستمر الذي تتلقاه من عائلتها، وبسبب التنوع في المحتوى الذي تقدمه.

ويقول مروان شلمي، مدير أستوديو الأحلام للإنتاج الموسيقي، إن”لاميتا إيشوع من الأصوات المهمة والواعدة حالياً في منطقة الجزيرة فهي تمتلك خامة مميزة ومصقولة.”

وتقول الفتاة إنها بانتظار إنهاء دراستها الثانوية لأنها تريد أن تصبح صيدلانية، لكنها “لن تبعدني عن الموسيقى.”

إعداد: ريم شمعون – تحرير: عبدالله شيخو