عائلة من منبج.. عاد الأب بعد هجرته ليبيع أثاث منزله وملابس مستعملة

منبج- صدام الحسن- نورث برس

 

بالقرب من الساحة العامة وسط مدينة منبج، شمالي سوريا، يجلس عبد الله العلي (40 عاماً)، على الرصيف وأمامه ملابس وأحذية مستعملة يعرضها للبيع لإعالة أفراد عائلته، في ظل التدهور المعيشي والظروف الاقتصادية الصعبة.

 

ويسكن "العلي" الآن مع زوجته وأطفاله السبعة في قرية "أبو قلقل" بريف منبج في منزل يتألف من غرفة سكن وحيدة ومطبخ وحمام، ويفتقد معظم الأثاث والأدوات المنزلية الضرورية.

 

وشهدت الأسواق داخل سوريا ركوداً اقتصادياً ملحوظاً وارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع والبضائع، ما أثر بشكلٍ كبير على القدرة الشرائية للسكان في ظل انهيار الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية مع تطبيق قانون "قيصر".

 

"حصلت على نصف أجرتي"

 

وكان "العلي"، قبل الحرب السورية، يعمل في دكانه الخاص بالحلاقة الرجالية في مدينة منبج لمدة /22/ عاماً، وكانت أوضاعه المادية جيدة، على حد قوله.

 

لكن مع بدء الأزمة السورية وتحول الحراك السلمي إلى صراع مسلح، خرجت مدينة منبج عن سيطرة الحكومة السورية في العام 2013 وسيطرت عليها فصائل المعارضة التي كانت تسمى حينها بـ"الجيش الحر"، لتسود حالة أمنية سيئة فيها ويضطر العلي إلى بيع محله والمغادرة إلى لبنان للعمل.

 

يقول: "لم تعد المدينة بعد سيطرة الجيش الحر عليها كما ألفناها، انتشرت حالات السرقة والقتل فيها، فقررت المغادرة إلى لبنان من أجل العمل".

 

ووصل "العلي" إلى لبنان وعمل فيها مدة ست سنوات عامل أعمال حرة بأجرة يومية، لكن خروجه من مدينته منبج بسبب الحرب السورية لم تشفع له فلاقى العديد من الصعاب في البلد الجديد.

 

 

يقول العلي: "حالي كحال بافي اللاجئين السوريين في لبنان، تعرضت للتنمر والسخرية والمعاملة السيئة بحجة أننا قطعنا أرزاق اللبنانيين، في الكثير من المرات لم أتمكن من الحصول على أجرتي أو كنت أحصل على نصفها فقط".

 

باع أغراض منزله

 

وبعد ست سنوات وبعد المضايقات التي تعرض لها وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية في لبنان، قرر العودة إلى مدينته عله يجد عملاَ فيها ويحصل على مردود مادي يساعد على إعالة أسرته.

 

أراد "العلي" أن يفتتح محل حلاقة من جديد لكنه لم يملك رأس مال يكفي ذلك وهو لم يجلب معه إلا القليل، فقد كان يرسله ما يجنيه من عمله في لبنان لأسرته التي كانت تحتاج لمصاريف معيشية.

 

بعد مكوثه قرابة شهرين في المنزل وعجزه عن إيجاد عمل، بدأ العلي ببيع أغراض وأثاث منزله كغرفة الضيوف والسجادات وألعاب وأحذية أطفاله واستدان مبلغاً مالياً، كي يبدأ بالعمل على بسطة لبيع الأغراض المستعملة في سوق المدينة.

 

"بعت أغراض المنزل بقرابة الـ/300/ ألف ليرة سورية واستدنت مبلغ آخر حوالي الـ/600/كي أبدأ العمل لتأمين لقمة العيش".

 

وكانت مهنة ومحال بيع الأثاث والألبسة والأحذية المستعملة قد انتشرت في معظم المناطق السورية منذ بداية الحرب في البلاد بسبب التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي رافق اندلاع الاشتباكات وحالات النزوح الداخلي.

 

وكانت وكالة الغذاء التابعة للأمم المتحدة قد حذرت، الشهر الفائت، من أن اليأس المتزايد في سوريا قد يؤدي إلى نزوح جماعي آخر، "ما لم ترسل الدول المانحة المزيد من الأموال للتخفيف من الجوع".

 

"مساعدات للمسجلين فقط"

 

أما المنظمات الخيرية في منبج، فيقتصر توزيعها للمساعدات الغذائية على العوائل المسجلة عندها سابقاً، ولا تستطيع تقديم الدعم للعوائل التي تحتاج إلى مساعدة وغير مسجلة لديها، بسبب اقتصار التمويل على الحالات القديمة فقط، وفق القائمين على تلك المنظمات.

 

وكان مجلس الأمن الدولي قد سمح، السبت الماضي، بإدخال المساعدات إلى سوريا عبر معبر تركي وحيد، في حين لا يزال معبر تل كوجر/ اليعربية الذي كانت تستخدمه الأمم المتحدة لإيصال المساعدات لشمال شرقي سوريا مغلقاً بسبب الفيتو الروسي على إعادة فتحه.

 

ويقطع الرجل الأربعيني، بشكل يومي منذ شهر، نحو /20/ كيلومتراً من قريته "أبو قلقل" إلى مدينة منبج ليقضي نهاره عند بسطته التي يبيع عليها أدوات منزلية وأحذية وألبسة مستعملة اشتراها من السكان والقرى المجاورة، بعد مرور حوالي شهرين على عرض أغراض منزله وبيعها.

 

يجلس "العلي" أمام بسطته متأملاً حاله وما وصل إليه بسبب الحرب السورية، وينظر إلى المارة على أرصفة الطرقات علهم يشترون شيئاً من عنده يتمكن بثمنها من تقديم شيء لأسرته.

 

يقول: "لدي طفل بعمر عشرة أشهر بحاجة إلى حليب وحفاضات ولا أستطيع تأمينها، أوضاعي المادية صعبة واضطرت لاستدانة مبلغ مالي كي أصرف على أسرتي ولا أعرف كي سأسدد ديوني".

 

ويضيف أن البسطة تدر عليه حوالي /60/ ألف ليرة شهرياً، وهو مبلغ "لا يكفي لإعالة شخص واحد لا أسرة كاملة"، على حد قوله.