أنشأ صفحة على “فيسبوك” ليشجع أقرانه من ذوي الاحتياجات على تحقيق أهدافهم
ديرك – سولنار محمد – نورث برس
بكامل أناقته يجلس دلوفان أوسي (20 عاماً)، على الأريكة في منزله ببلدة كركي لكي الملاصقة لبلدة رميلان النفطية شمال شرقي سوريا، ويفتح صفحته العامة على "فيسبوك" لينشر جملاً تحفيزية وأمثلة عن حالات من ذوي الاحتياجات الخاصة نجحت في الحياة، وهو الهدف من إنشائه هذه الصفحة.
يعيش أوسي في عائلة تتألف من ستة أفراد (أب وأم وأخوَين وأخت) ولم يقف وضعه الصحي عائقاً أمام إصراره على الدراسة فأكمل المرحلة الابتدائية والإعدادية ليصل إلى الشهادة الثانوية ويتقدم إلى الامتحان النهائي "بكل إصرار" على النجاح إلا أنه لم يتمكن من المتابعة بسبب تدهور وضعه الصحي.
ويعاني الشاب من "قيلة سحائية نخاعية" وهي كتلة في الظهر تتسبب بشلل في الأطراف السفلية وترافقه منذ ولادته، ما اضطر أهله لاحقاً إلى إجراء عمليتين جراحيتين له كي يتمكن من الدراسة وممارسة حياته.
بسبب وضعه الصحي لم يستطع إتمام الدراسة هذه السنة وعندما فُرض حظر التجول في البلدة كغيرها من المدن والبلدات كإجراء احترازي لمواجهة وباء كورونا، فكر أوسي أن يفعل شيئاً يملأ به وقت الفراغ ويطور نفسه، فقرر إنشاء صفحة عامة على موقع "فيسبوك" لينشر فيها ما يقدم الدعم المعنوي والتحفيزي لأقرانه والترويج للحالات من الاحتياجات الخاصة والتي نجحت في الحياة.
"طرحت الفكرة على عائلتي وأساتذتي ووافقوا عليها كما قدموا لي الدعم والمساندة، (..) أودّ أن أوصل رسالة لذوي "الهمم" (الاحتياجات الخاصة) وعوائلهم بأنهم قادرون على فعل ما يرغبون به وأن لديهم قدرات كبيرة وأن يخرجوا من القوقعة أو السجن الذي هم فيه، أن يخرجوا إلى المجتمع ويقدموا أفكارهم ومقترحاتهم ويطوروا أنفسهم".
نهاية الشهر الفائت نشر أوسي صورة لشخصين أحدهما على كرسي متحرك وآخر يمشي على قدميه، وكُتب تحتها باللهجة العامية "كلنا زي بعض" في إشارة إلى أنه "كلنا سواسية والحاجة ليست إعاقة".
ويطالب الشاب عبر فيديوهات يقوم بنشرها من أقرانه أن يقوموا بدورهم بنشر مقاطع من حياتهم أو فيديوهات يتحدثوا فيها عن حالاتهم وصعوباتهم وماذا يجب أن يفعلوا كي يتغلبوا عليها.
ويقوم عن طريق هاتفه المحمول بتصوير نفسه أثناء تسجيل الفيديو إلا أنه يعاني أحياناً من تكرار الفيديو عدة مرات قبل أن يقوم بنشره على صفحته فيستعين ببعض المقربين أحياناً أخرى.
وأعطى أوسي مثالاً عن أشخاص كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة وأصبحوا من المشاهير العالميين وأبدعوا في مجالات عدة كالعالم الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ والشاعر طه حسين وغيرهما(..) "أريد أن أحفز ذوي "الهمم "كي يطوروا أنفسهم وألا تقف إعاقتهم حاجزاً أمام طموحاتهم، عندما تتواجد الإرادة والمساندة فلا شيء يستطيع أن يقف أمام أي طموح مهما كان صعباً".
وتحظى صفحته على "فيسبوك" بمتابعة وتفاعلات يصفها أوسي بالإيجابية بنسبة كبيرة، ويقول إنه تعرض لبعض الانتقادات لعدم تحدثه بلغته الكردية إلا أنه يؤكد على حبه للغته لكنه يستخدم العربية للوصول إلى نسبة كبيرة من الأشخاص.
وتحدثت والدته عطاف محمود (53 عاماً) بكثير من الفخر بابنها فهي التي قدمت ولازالت تقدم له المساندة والحب في سبيل تحقيق ما يصبوا له ولدها لتطوير مواهبه وقدراته.
وطالبت والدة دلوفان العوائل التي لديها أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أن يهتموا بهم وألا يضعوهم في "زاوية المهملات" وأن يبقى الشخص ذوي الاحتياجات الخاصة على تواصل مستمر مع المحيط الخارجي (..) "فربما يمتلكون قدرات يفتقدها أي إنسان آخر".
أما والده شلال أوسي (63 عاماً) وهو طبيب عام فقد ساعده على مراقبة وضعه منذ الصغر، "يعاني دلوفان من قيلة سحائية نخاعية وهي كتلة في الظهر تتسبب بشلل في الأطراف السفلية(..) أجرينا عمليتين له واحدة في الظهر وأخرى في الرأس حيث تم تركيب جهاز لتصريف السوائل الزائدة من دماغه".
وأضاف أنهم يدعمون أوسي ويساندونه ولن يتركوه فهو بمثابة "هدف" لهم كي يطوروه أكثر مطالباً العوائل المماثلة ألا يتركوا أبنائهم لما اسماه بالـ "القدر".
ويرى الشاب أن نشاطه على صفحته خطوة أولى كي يثبت أن "الإعاقة" ليست عائقاً لما يريده الإنسان وأنه لن يقف عند هذا الحد.
يجلس دلوفان أوسي على كرسيه ويتجه نحو شرفة المنزل، ويتأمل حركة المارة بابتسامة مفعمة بالحياة، ويقول: "غياب الإرادة والطموح هي الإعاقة الفعلية وليست الحالة الجسدية".