جامعي من ذوي الاحتياجات الخاصة.. حرمته الحرب دراسته لكنها لم تمنعه من مهنة أحبها
الشدادي – باسم الشويخ – نورث برس
توفيت والدته بعد ولادته بعدة أشهر، وغير خطأ طبي مسار حياته عندما كان في الخامسة ليتحول بشار الدخيل من طفل فقد حنان والدته إلى آخر من ذوي الاحتياجات الخاصة، ليس له سوى جدة مسنة تعين والده على رعايته التي تحتاج اهتماما خاصاً.
"من رحم الألم يولد الأمل وفي مستنقع الموت يزهر ربيع حياةٍ جديدة"، هكذا يتحدث بشار الدخيل البالغ من العمر(25عاماً) من سكان ريف مدينة الشدادي جنوب مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، وهو يحاول اختصار تجربته كشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويتذكر حالته الصحية التي ساءت بعد ظهور كتلة دهنية في ظهره، لكن الطبيب أخطأ في استئصالها ما تسبب في إنهاء طفولته مبكراً وهو لم يتجاوز ربيعه الخامس.
يقول الدخيل، "توفيت والدتي بعد ولادتي بعدة أشهر، فأشرف على تربيتي والدي وجدتي المسنة التي كانت بالكاد تقوى على حملي".
ويعيش بشار في عائلة متوسطة الحال مادياً، مؤلفة من خمسة شبان وفتاة، يعيلهم والدهم ذو الـ/50/ عاماً، الذي يمتهن أعمال البناء.
بملامح يبدو عليها التأثير يتذكر بشار شريط السنوات الماضية وتلك اللحظة الفاصلة في حياته: "حدث ما لم يكن بالحسبان الطبيب المختص أخطأ خطأً فادحاً بحقي، حين قطع الأعصاب في ظهري، ما تسبب ببطء في النمو بأطرافي و ظهور كتل مماثلة في قدميَّ".
وفي السابعة من عمره كان بشار على موعد لوداع جدته التي تولت رعايته نيابة عن أمه الراحلة، لتبدأ مرحلة جديدة من المصاعب والتحديات وسط فقدانه لشخص كان يرى في تجاعيد وجهها كل الحياة، ذلك أنها عوضته ما فقده من حنان الأم.
"كنت طفلاً صغيراً ولكن بلغ بي الحزن درجات كبيرة، فبيتنا بات بلا روح بعد وفاة جدتي التي عهدناها بيننا".
وصل الدخيل إلى سن المراهقة وهو أمام الكثير من التحديات التي تواجهه، الدراسة، العمل، الاندماج مع محيطه والتواصل معهم على الرغم من أن حالته الصحية تسببت له "بأذىً نفسي بالغ".
درس بعدها المراحل الابتدائية والإعدادية في مدينة الشدادي، لكنه اضطر إلى إكمال الثانوية في دمشق بعد أن قررت عائلته السفر إليها بسبب الأوضاع المعيشية، للعمل في إحدى المزارع.
هناك عانى من التنمر والسخرية من أقرانه من الطلاب في المدرسة بسبب وضعه الصحي الخاص، كما إنه كان يواجه صعوبات في الوصول إلى المدرسة لكونه كان يستعين بعكازة أو بكرسي متحرك.
يتحدث الدخيل كيف قرر مواجهة التحديات وإقرار مصيره رغم مصاعب الحياة التي تحيط به من كل جانب، "جلستُ مع نفسي كثيراً وكنت أجد أن مواجهة الحياة وتحدياتها يبقى اسمى من الاستسلام، ولعل أكثر ما شجعني هم أصدقائي الذين أحيوا في داخلي بارقة الأمل التي كنت قد فقدتها على مدى سنوات طويلة بسبب النكسات المتواصلة التي عايشتها".
ويقول: "تابعت تعليمي حتى حصلت على الشهادة الثانوية ومن ثم وصلت المرحلة الجامعية لأدخل كلية الحقوق بجامعة دمشق".
لكن خلال سنوات الحرب السورية وتردي الأوضاع الأمنية في العاصمة دمشق، عادت عائلته إلى مدينة الشدادي، ليتابع مسيرته في مواجهة مصاعب الحياة بممارسة مهنة صيانة المسجلات وأجهزة الراديو، فخضع لعدة دورات تعليمية حتى اتقن صيانة الأجهزة الالكترونية إضافة إلى الهواتف النقالة، ليبدأ العمل بها في محله الخاص الذي افتتحه مؤخراً.
" أعمل كأي شاب شغوف في هذه الحياة، ولم يزدني وضعي الخاص وحالتي الصحية إلا إصراراً وتصميماً استمد منها الدافع كي أبدأ صفحة مشرقة في حياتي".
يعتمد الشاب الآن على ما يدره دكانه من مال، ليؤمن مصروفه الشخصي ويساعد عائلته، كما إنها المهنة التي أحبها وعاد إليها بعد انقطاعه عن دراسته وهو لا يزال في السنة الثالثة من دراسته بجامعة دمشق، نتيجة الأوضاع الأمنية والحرب التي تعيشها البلاد.
يرى بشار أن المرء منذ ذوي الاحتياجات الخاصة يتوجب أن "يستمد من حالته دافعاً وقوةً لكي يضيف إلى شخصيته وكيانه، ولا يدعها تثنيه عن تحقيق أحلامه، فالحياة صعبة وتتطلب رجلاً شجاعاً يواجهها وليس إلى من يراقب أيام عمره مستسلماً وهي تمضي وتمر دون حراك منه".