عقبات أمام استعادة مصدر الدخل.. قصة مهجر من عفرين من ذوي الاحتياجات الخاصة
ريف حلب الشمالي- دجلة خليل- نورث برس
مر أكثر من شهر ونصف على توقف بشير علي، أحد مهجري مدينة عفرين، عن عمله في بازارات قرى ريف حلب الشمالي، فقد أجبره حظر التجول المفروض من قبل الإدارة الذاتية للوقاية من كورونا على البقاء في المنزل.
بشير، البالغ من العمر/50/ عاماً، والذي يعاني منذ صغره من عجز في تحريك أطرافه السفلية نتيجة إصابته بشلل الأطفال، كان يعمل على بسطة صغيرة بعد تهجيره من عفرين إلى ريف حلب الشمالي عام 2018 عقب سيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة التابعة له على المنطقة، لتكون هذه البسطة مصدر رزقه الوحيد هنا.
وكمعظم العاملين في تلك الأسواق، توقف عمله الآن، "قبل فرض حظر التجول، كنت أتدبر أموري بصعوبة، لكن مخاطر انتشار فيروس كورونا أوقفت عملي فتدهورت أحوالي المعيشية".
وكان بشير يعتمد على دراجته الصغيرة، والتي تمكن من إخراجها معه أثناء تهجيره من عفرين، في الذهاب إلى بازارين في قرية "الأحداث وبابنس"، ليبيع بضائع بسطته البسيطة من قداحات وأمشاط وجوارب والتي لم يكن ثمنها يتجاوز /20/ ألف ليرة سورية ، "كانت دراجتي هي قدمي في عفرين وهنا أيضاً".
معيل وحيد
وتتكون عائلة بشير بالإضافة لزوجته من أربعة بنات كن يذهبن للمدرسة قبل فرض حظر التجول، " أنا مصر على إتمام بناتي تعليمهن، لا سيما أنني لم أستطع الالتحاق بالمدرسة بسبب الشلل وأوضاعي المادية".
ويعاني الأب أوضاعاً معيشية صعبة، فهو المعيل الوحيد لعائلته، بالإضافة إلى أن حالته الصحية تمنعه من توسيع عمله أو ممارسة أعمال أخرى، "كنت أذهب لأبيع بضاعتي إلى سوقين قريبين مني، فحالتي الجسدية لا تسمح لي بالذهاب لمسافات بعيدة، ولم أستطع توسيع البسطة لعدم قدرتي على حملها ونقلها بمفردي".
ومع توقف عمله، صار يصرف من ماله الذي ادخره، إلا أن تمديد فترة حظر التجول لثلاث مرات لم يبق معه ما ينفقه على أسرته، " "بالرغم من عملي البسيط ودخلي المحدود إلا أنني كنت أتدبر قوتي اليومي، ولكن الآن ومنذ بدء حظر التجوال ومنع التجمعات وإلغاء الأسواق منذ حوالي شهر ونصف، باتت الأحوال المعيشية لعائلتي صعبة".
عقبة الغلاء
ويأمل بشير أن تنتهي الجائحة ليعود إلى بسطته ويسترزق منها، فهو بعدما ترك منزله ومحله الصغير في السوق الشعبي وسط مدينة عفرين، لا يملك مصدراً أخر للعيش سوى تلك البسطة.
لكنه يواجه مشكلة في العودة لعمله مع تخفيف إجراءات إغلاق الأسواق بسبب الارتفاع الكبير في أسعار البضاعة التي كان يبيعها، ولأنه صرف كل مدخراته نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار.
" قبل فرض حظر التجول كنت أشتري بضاعة البسطة بـ/20/ ألف ليرة، ولكن الآن إن أردت أن أفتتح البسطة مجدداً فأحتاج لأكثر من /100/ ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يصعب علي تأمينه".
وشهدت قرى وبلدات ريف حلب الشمالي، كسائر أرجاء البلاد ارتفاعاً في الأسعار مع تدهور قيمة الليرة أمام الدولار خلال فترة حظر التجول، الأمر الذي خلف معاناة إضافية لمحدودي الدخل.
حسرة
ويتذكر بشير أيامه في عفرين وكيف كان يقضي الوقت مع جيرانه من الباعة، فيقول بحسرة، " كنا لا نشعر بالوقت، فقد كان جميع البائعين وأصحاب المحال في السوق الشعبي كالعائلة الواحدة، كنا نتقاسم الأحاديث ونحن نحتسي الشاي أمام محالنا".
ويضيف، بعد صمت لبضعة ثوان، " الآن أتنقل بالبسطة في بازارات القرى ولا أعرف أحد من البائعين، يتغير صاحب البسطة بجانبي في كل مرة، كم أحن إلى الأيام التي كنت أقضيها في عفرين".
وكان بشير قد خرج مع أفراد عائلته في الـ/16/ عشر من آذار/ مارس 2018، من مدينته سالكاً جبل "الأحلام" في ناحية شيراوا جنوب عفرين متجهاً إلى ريف حلب الشمالي، تاركاً خلفه ما كان يملك، واصفاً لحظات تهجيره من عفرين بـ" العصيبة والصعبة".
"خرجت من عفرين بوساطة دراجتي، بينما خرجت زوجتي وأطفالي سيراً على الأقدام، لكن الطريق كان طويلاً، في تلك اللحظة شعرت بالضعف لأنني لم أستطع تقديم شيء لهم، كانت ليلة عصيبة قضيتها على الطريق، كانت الأمطار تهطل وأفراد أسرتي أنهكهم التعب والبرد".
يقول إن دراجته لم تكن تتسع لأفراد عائلته، فاضطر ولصعوبة الطريق إلى أن يحمل إحدى بناته معه على دراجته فيقوم بإيصاله إلى مكان محدد, ويعود أدراجه لينقل أخرى، "هكذا حتى تمكنا من الوصول إلى ريف حلب الشمالي".
التفجير
وكان بشير يملك محلاً صغيراً في السوق الشعبي وسط مدينته عفرين، كان يعتمد عليه كمصدر لكسب قوت عائلته قبل سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها على المدينة منذ أكثر من عامين ووضع يدها على أملاك السكان ولا سيما المهجرين.
وكما الآن، كان يبيع في محله بالسوق الشعبي بمدينة عفرين إكسسوارات وجوارب وأمشاطاً، "اخترت هذا العمل لأنه يتوافق مع قدراتي الجسدية فالبضاعة خفيفة الوزن، ولا تحتاج إلى جهد في ترتيبها ونقلها".
وكان بشير يأمل العودة إلى محله في السوق الشعبي في عفرين يوماً ما، إلا أن التفجير الذي شهدته مدينته قبل أيام، دمر محله، "ولم يبق منه شيئاً"، على حد تعبيره.
وشهدت مدينة عفرين في /28/ نيسان/ أبريل الفائت تفجيراً ضخماً نتيجة انفجار سيارة مفخخة في ذروة ساعة الازدحام أمام السوق الشعبي بشارع راجو وسط المدينة، راح ضحيتها /61/ شخصاً، ونحو /70/ جريحاً بينهم /11/ طفلاً، إضافة إلى أضرار مادية كبيرة.
يرى بشير الآن أن أموره وأوضاعه لن تتحسن إلا بعودته إلى عفرين، وقد قام بكتابة اسم مدينته وتاريخ خروجه منها على جدار المنزل الذي يقطنه في قرية تل سوسن في ريف حلب الشمالي، "قمت بكتابة تاريخ خروجي من عفرين على جدار البيت وأضفت اسم عفرين لأن هذا اليوم كان مأساوياً وبداية لمعاناة جديدة أضيفت إلى ما أعانيه".