كيف كانوا يعيشون قبل عقود.. متحف شخصي يروي نمط الحياة في منطقة القامشلي
القامشلي – ريم شمعون/ شربل حنو – نورث برس
عندما بدأ أندراوس شابو مرافقة والده قبل نحو ثلاثة عقود، في رحلاته المتكررة بمنطقة القامشلي شمال شرقي سوريا، بهدف جمع قطع تراثية وأدوات زراعية قديمة، كان بالكاد قد بلغ أشده.
فمنذ ذلك الحين بدأ الشاب الصغير، بمشاطرة والده محبة التراث الذي اعتبراه هوية لا يمكن التخلي عنها، وحمل على عاتقه الاستمرار في حماية التحف رغم تعرض مدينته القامشلي وحيه وسط المدينة لعدة تفجيرات خلال سنوات الحرب في سوريا، تسببت بزعزعة الاستقرار لفترات متفاوتة، إلا أن مسألة "ضمان سلامة كنوز معرضه" كانت ولا تزال هماً يشغله.
عندما توفي والده "يوسف ملكي شابو" قبل /10/ أعوام، كان على أندراوس إكمال المهمة وحفظ ما جمعه والده من قطع طيلة تلك السنوات والتي كانت تبلغ نحو /100/ قطعة.
"كنت أخرجُ للقرى كما كان يفعل والدي وأبحث عن أدوات قديمة لا يحتاجها صاحبها، وآلات تراثية أخرى كنت أقوم بدفع النقود من أجل الحصول عليها، حتى استطعت بمفردي جمع ما يقارب /150/ قطعة".
كان شابو يقوم مع والده بتعليق القطع على الجدران في المخبز الذي يعملان فيه، وبعد وفاة والده وازدياد الزوار الذين كانوا يحضرون ليشاهدوا التحف المعلقة، قام بنقلها إلى قبو منزله ليكون معرضاً يضم ما جمعاه خلال تلك السنوات.
يسير شابو بين قطعه الموزّعة في غرفتين في القبو بتنسيق ينبع عن مدى اهتمامه بكل قطعة منها، فالجدار المقابل لباب الغرفة الأولى عُلّقت عليه أدوات الطعام القديمة، ويحاول أن يشرح لنا تفاصيل عن بعض القطع
بين الغرفتين وُضعت أدوات الحصاد القديمة وكاميرته التي يعتز بها، كونها كانت من الأمور المميزة في الستينيات، إلى جانب طاولة صغيرة عليها عملات نقدية مستخدمة منذ أكثر من \80\ عاماً
واعتاد الرجل الذي ناهز الستين عاماً أن يتفقد مقتنيات معرضه بشكل يومي في الغرفتين الصغيرتين اللتين تتسرب إليهما مياه الأمطار، وتنتشر الرطوبة في جدرانها. ويقول "كان والدي يسكن في القرية ويعرف كل الأمور المتعلقة بثقافات سكان القرى المجاورة والأدوات التي كانوا يستخدمونها، فعمل على جمع قسم منها بهدف المحافظة على تراثها".
ورغم أنه كان يجهل غالباً قيمة القطع والأدوات التي كان والده ينشغل بجمعها، لكن فضول أندراوس تجاه هذه المقتنيات جعله يسأل والده ويستفسر عنها باستمرار.
"بعض هذه القطع كان يستعملها أجدادنا وآباؤنا في حياتهم اليومية، من بينها هذه الجلود التي تشبه الأحذية كان يستعملها سريان تركيا قبل مجازر السيفو، وهذا المحراث كانوا يستعملونه في زراعة الأراضي قبل مئة عام".
إلى جانب هوايته في جمع القطع التراثية، اكتسب شابو مهنة الخباز ويدير حالياً المخبز الذي ورثه عن والده، على شارع الوحدة وسط القامشلي التي يفضل شابو وصفها بـ"مدينة التعايش".
وأثناء دوامه اليومي في المخبز يلقي شابو نظرة على معرضه متأملاً قطعه، ويقول إنه لا يعرف لمن يسلّم هذه الأمانة فرغم أن له عائلة مكونة من أربعة أبناء وابنتين، إلا أنهم غادروا البلاد، ومن بقي منهم لا يملكون الاهتمام ذاته.
"لدي ابنة متزوجة ولديها عائلتها الخاصة، وابن في القامشلي يأتي مع أصدقائه ليشاهدوا القطع الموجودة في المعرض، لكنه ليس ضمن أولوياته".