الاستفزازات التركية في قبرص تدفع بروكسل لمناقشة عقوبات ضد أنقرة
NPA
تتواصل وتيرة الحرب الكلامية بين تركيا من جهة، واليونان وقبرص من جهة ثانية، جراء تصاعد التوترات في شرقي بحر المتوسط بسبب احتياطات الطاقة البحرية، إذ حثت كل من اليونان وقبرص، الاتحاد الأوروبي على اتخاذ تدابير عقابية ضد تصرفات تركيا، في حين تمسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمواصلة تقنيب بلاده عن الغاز في القبرص الشمالية.
وكشفت أنقرة عن رغبتها في توسيع نشاطها لاستكشاف موارد الغاز المحتملة في المنطقة، حيث أشار وزير الطاقة التركي فاتح دونمير خلال تصريح إعلامي في اليابان أن عملية التنقيب عن الغاز ستبدأ في أوائل تموز/ يوليو القادم، بموجب تصريح تم استلامه من قبل جمهورية القبرص الشمالية، وتزامناً مع إطلاق تركيا سفينة حفر جديدة تحت مسمى “الفاتح” صوب المياه القبرصية.
وزادت التحركات التركية الأخيرة من المخاوف لدى الجانب اليوناني والقبرصي، حيث ناشد رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس الاتحاد الأوروبي “أن يدين دون تحفظ الإجراءات غير القانونية التي تتخذها تركيا” وذلك عقب محادثة هاتفية مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك. كما شدد رئيس الوزراء اليوناني بأنه يتعين على المجلس الأوروبي أن يفحص تدابير محددة ضد المتورطين في هذه الأنشطة غير قانونية إذ ما أصرت تركيا على انتهاك القانون الدولي، في حين هددت جمهورية القبرص اليونانية بدورها في استخدام الفيتو ضد محادثات توسيع الاتحاد الأوروبي مع تركيا، إذا ما فشلت الكتلة في اتخاذ إجراءات عقابية ضد أنقرة.
وكشفت المصادر الدبلوماسية في لوكسمبورغ حسب ما نقلته “وكالة الانباء القبرصية”، أنه من المتوقع أن تعبر حكومات الاتحاد الأوروبي عن “قلقها البالغ” بشأن أنشطة الحفر التركية في شرق البحر المتوسط وذلك في الاجتماع الذي سيعقد اليوم بغرض تناول هذا الملف، وتعهدت “بالرد بشكل مناسب بالتضامن التام مع جمهورية قبرص” واشارت إلى أن “تركيا تواصل الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي”. وستكرر دول الاتحاد الأوروبي الـ 28 أن مفاوضات الانضمام قد توقفت وأنه “لا توجد فصول أخرى يتم النظر فيها للفتح أو الإغلاق هذا الملف”، كما ستحذر من أنه لن يتم القيام بأي عمل اضافي من أجل تحديث الاتحاد الجمركي الأوروبي مع تركيا.
وقد اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موقفا حازماً على نحو متزايد بشأن قضية يعتقد أنه سيلعبها بشكل جيد في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من حالة حرجة وتتعرض سلطته للمساءلة بشكل متزايد في أعقاب تراجع نفوذه عقب انتخابات البلدية الأخيرة، وعلى الرغم من علامات السخط في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى حيال سلوك تركيا في شرقي بحر المتوسط، حذر أردوغان شركات النفط الأجنبية المشاركة في ما أصبح سباقًا شاملاً للاستفادة من الهيدروكربونات تحت الماء.
وتحاول تركيا منذ العام الماضي عرقلة مشاريع الطاقة التي تقوم بها الشركات الغربية في قبرص، حيث سبق أن أقدمت على إرسال قوارب حربية لمنع شركات الطاقة الإيطالية من إجراء عمليات الحفر بتكليف من الحكومة القبرصية اليونانية، وتخلت على إثرها الشركة الإيطالية عن عمليات التنقيب، في خطوة وصفت حينها بأنها تدفع الصراع نحو حافة الهاوية، غير أن تركيا عادت مجدداً يوم أمس، معلنة بأنها تحضر إرسال سفينة ثانية إلى المناطق المتنازعة بذريعة التنقيب عن الغاز في مياه تعتبر خاضعة لسيادة قبارصة الاتراك.
ومن المتوقع أن بروكسل التي تشعر بالقلق المتزايد، لن تبقى صامتة حيال التصرفات التركية الأخيرة في شرقي بحر المتوسط وخاصة في الاجتماع الذي سيعقد يوم غد الخميس، حيث حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية الأسبوع الماضي بأن الاتحاد الأوروبي لن يظهر أي ضعف في هذا الموضوع، في الوقت الذي تكثف القيادات الأمنية والدبلوماسية الأوروبية زياراتها إلى جمهورية قبرص اليونانية، لتأكيد وقوفهم معها في أزمتها ضد تركيا.
وكشفت الزيارات العسكرية المتبادلة بين اليونان وقبرص مؤخراً، أن السبل الدبلوماسية والعقوبات المحتملة لن تكون خيارات وحيدة على الطاولة في مواجهة الخطر التركي، حيث علق الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس في هذا السياق أنه من الحكمة أن يجتمع المجلس الوطني للشؤون الخارجية والدفاع بين البلدين قبيل اجتماع مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ والمجلس الأوروبي يومي 20 و 21 حزيران / يونيو.
وكانت تركيا قد أصدرت إشعاراً بحرياً، أعلنت فيه عن عزمها بدء التنقيب قبالة سواحل قبرص حتى الثالث من أيلول / سبتمبر. وتمركزت سفينة الحفر التركية “فاتح” على بعد 40 ميلاً بحرياً تقريباً إلى الغرب من شبه جزيرة أكاماس و 83 ميلاً بحرياً من السواحل التركية، وتعتقد حكومة قبرص اليونانية بأن تلك المنطقة تقع داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري لجمهورية قبرص اليونانية.