منزل أسمهان الأطرش في السويداء يبقى “ثكنة للعسكر” رغم طلبات رسمية ودعاوى قانونية
السويداء – نورث برس
لا يزال منزل الفنانة الشهير أسمهان الأطرش في السويداء، جنوبي سوريا، مقراً لعناصر فصيل “الدفاع الوطني” التابع للحكومة السورية، رغم الطلبات الرسمية والدعوات القضائية للعائلة وفنانين ومنظمات من المدينة.
ولم تفلح كل المساعي التي بذلها مهتمون بالتراث الفني للسويداء وعائلة الأطرش، رغم كثرتها، في استعادة المنزل من يد الجهات العسكرية وتحويله لمعلم ثقافي وفني.
موقع تراثي وفني
ويرى مهتمون بالتراث أن من الضروري المحافظة على المنزل الذي هو موقع تراثي وفني لمطربة من أهم مطربات الشرق العربي، فقد أغنت المكتبة الموسيقية العربية بنتاجها وصوتها الطربي النادر.

ويعود بناء المنزل إلى زمن الانتداب الفرنسي في العام ١٩٤١، وقد صمم آنذاك بطريقة الطراز الغربي، إذ أشرفت على تصميمه أسمهان وزوجها حسن الأطرش الذي كان حينها محافظاً السويداء.
ويقع ضمن منطقة تدعى الحي الفرنسي القديم، وتجاوره بيوت تراثية قديمة.
ويمتد منزل أسمهان على مساحة تبلغ /1.5/ دونم، ويتألف من طابقين من القرميد وفسحة سماوية وحديقة خضراء، ويتميز بإطلالة فريدة على ساحة الشهداء ودوار “السبع”، بحسب مديرية السياحة في السويداء.
“ثكنة عسكرية”
وقال ماجد الأطرش (٦٢عاماً)، وهو محام وموثق تاريخي لتراث آل الأطرش، إن “من غير المقبول اجتماعياً وفنياً أن تقوم الحكومة السورية بتحويل منزل أسمهان الأطرش العريق إلى ثكنة ومقر عسكري”.
وأضاف لنورث برس: “تم استملاك منزل أسمهان بقرار رئاسي عام ١٩٧٤ ليصبح تابعاً لوزارة السياحة ،ومنذ ذلك الحين لم تحرك الحكومة السورية به ساكنا فجعلته مركزاً عسكرياً وأمنياً تعاقبت عليه مسميات عدة”.
وكان المنزل قد أصبح مقراً للأمن العسكري بين عامي ٢٠٠٥ و ٢٠٠٧، ومقراً للجيش الشعبي حتى العام ٢٠١٤، ثم حُوّل لمقر لقوات “الدفاع الوطني” التابعة للحكومة السورية.
وذكر “الأطرش” أن عائلة الفنانة أسمهان ونقابة الفنانين في مدينة السويداء تقدمتا عدة مرات بطلبات إلى الجهات الحكومية في المحافظة لإنهاء تواجد العسكر في أروقة المنزل وساحته.
وتضمنت تلك الطلبات دعوات لترميم المنزل وإعادة إحياء ذكرى صاحبته، ليكون متحفاً لمقتنياته ومركزاً تراثياً وفنياً ومعلماً سياحياً يتوافد إليه كل من يرغب بالتعرف على تاريخ أسمهان وفريد الأطرش، لكن دون جدوى.
“سياسة ممنهجة”
وقال بسمان دويعر (٥٥عاماً)، وهو مؤلف موسيقي وملحن من مدينة السويداء، إن منزل أسمهان الأطرش لا يسر الناظر إليه هذه الأيام.
“المظاهر المسلحة تعم المكان، والمحارس الأمنية أمامه تدمي القلوب، وباحته الخلفية ملأى بمناشر الغسيل لثياب الجنود وعناصر الدفاع الوطني ،وجدرانه متسخة إلى درجة السواد جراء أدخنة الأليات العسكرية”.
ويرى “دويعر” في الأمر “استهتار بأبناء محافظة السويداء وازدراء لأهم معلم فني وتراثي في المدينة”.
ويضيف لنورث برس إن تحويل المنزل التراثي لمقر عسكري جاء ضمن “سياسة ممنهجة للحكومة السورية على مدار خمسة عقود من الزمن، لفرض سياسة القائد الواحد والحزب الواحد والنجم الواحد، ومحو كل ابداع فني أو تراث شعبي يلتف حوله الناس”.
“لا مكان أفضل للعسكر”
وقال يعرب العربيد، مدير السياحة في محافظة السويداء، إن عدة كتب رسمية تم توجيهها إلى الجهات الأمنية والعسكرية الحكومية التي تشغل منزل أسمهان لإخلائه وإعادة ترميمه كمتحف.
“إلا أننا لم نتلقَّ أي إجابة بموعد لإخلاء المنزل حتى الآن”.
وأضاف: ” الإجابات كانت تأتينا دائما على لسان قادة فصيل الدفاع الوطني بالتمهل حالياً، كون الفصيل لن يجد مكاناً افضل من هذا الموقع، مبرراً الأمر بأن منزل أسمهان يقع ضمن مربع أمني يضم أهم المواقع العسكرية”.
“مهلة لثلاث سنوات”
وفي ظل عدم الاستجابة لطلبات العائلة ونقابة الفنانين ومديرية السياحة، دعت منظمات مدنية في محافظة السويداء الى تحريك ملف منزل أسمهان قضائياً والضغط على الجهات الحكومية الأمنية والعسكرية لإخلاء المنزل.
فقامت “جذور سوريا الثقافية”، وهي منظمة مدنية تأسست عام ٢٠١٣، بإرسال رسالة ضمت أكثر من ثلاثة آلاف توقيع إلى وزارة الثقافة بدمشق عام ٢٠١٦.
بينما دعت منظمة “دار البلد للثقافة والكتاب”، والتي تأسست عام ٢٠١٢، بدعوة نخبة من المثقفين في محافظة السويداء لتشكيل وفد توجه إلى محافظ السويداء آنذاك علي منصورة.
وكلف عدد من المحامين من قبل منظمات مدنية في السويداء برفع دعوى إدارية في تموز/ يونيو ٢٠١٨ عبر القضاء الإداري، لكن الطرف الآخر (الدفاع الوطني) لم يحضر جلسات المرافعة، بحسب أحد المحامين المكلفين.
وتلا ذلك قرار من وزارة العدل بدمشق في أيلول/سبتمبر العام الماضي بإعطاء مهلة قانونية للجهة الشاغلة مدتها ثلاث سنوات حتى يتم إيجاد مقر آخر للدفاع الوطني.
ورغم أن المحامين المكلفين بملف منزل أسمهان قاموا بالطعن بالقرار “لعدم قانونيته من الناحية القضائية والإجرائية”، إلا أن كل تلك الجهود لم تنقذ المنزل حتى الآن.