دمشق – نورث برس
عبّر شعراء ومثقفون من العاصمة دمشق عن استيائهم بسبب حال نهر بردى الذي أصابه التلوث وشحت مياهه بعد أن كان شعراء عصور سابقة يتغنون بجماله وعذوبة مياهه.
وأصبح نهر بردى شحيح المياه ومال لونه مياهه للأخضر بسبب الملوِّثات، وتنتشر الرائحة الكريهة على بعد عشرات الأمتار من مجراه.
وتتذكر إيمان الموصلي، وهي شاعرة من دمشق، نقاء النهر أيام طفولتها، وأنها جمعت حصاه في درج خزانتها وكأنها أحجار كريمة وملأت من مائه الزلال مئات أباريق الشاي.
وأضافت: “وكم سمعت صوت جدي وهو يقرأ له القرآن ويدعو: اللهم احفظ لنا هذه النعمة.”
ثم تساءلت “الموصلي” بمرارة: “بردى هو ذاكرة دمشق وهو الحافظ لياسمينها، كيف يتحوّل لنهر مجاري بسبب إهمالنا السافر والتفريط الأعمى؟ كيف أسدّ أنفي اليوم في حضرته وقد كنت في الأمس أفتح قلبي كلما لمحته.”
ورأت الشاعرة أن مسؤولية حال بردى تقع على عاتق الجميع سكاناً وجهات مسؤولة، “فالكل مُلام، الجهات العاطلة عن الوطن والشعب المنشغل عن الوطن.”
وزادت: “عار علينا ونحن نعيش في أعرق مدينة على الأرض أن نستبيح عفة الياسمين ونذبح شريانها الأبهر.”
ولعل ما قاله الشاعر العربي جرير “لا ورد للقوم إذا لم يعرفوا بردى” هو أقدم ما قيل في نهر بردى من شعر، ليتغنى بعده شعراء كثر ببردى، أشهرهم محمد مهدي الجواهري ونزار قباني وسعيد عقل، حتى صار رمزاً ثقافياً للعاصمة دمشق.
وتقول أبحاث أن “بردى” اسم آرامي ومعناه البارد، وقد دعاه أسطفان البيزنطي منذ القرن الخامس للميلاد بنهر برونيس، وسماه البيزنطيون “خريزوارس” أي نهر الذهب.
أما فردوس النجار، وهي شاعرة من دمشق، فقد تذكرت النهر قبل سنوات قريبة، “كان فيها منهل جميل للشاعرية وكانت كل دمشق تتغنى باسمه، والسوريون يقصدونه ليبادلوه الحب والفرح والجمال.”
وفي أيام إقامة معرض دمشق الدولي على ضفته، كان المغرمون بجمال سوريا يتقاطرون من الدول العربية ليلتقوا على ضفافه، ويتفيؤون بحَوره وصفصافه وياسمينه، على حدِّ قول “النجار”.
وأضافت أنها لا ترغب أن تسأل من المسؤول عن إهمال ونظافة هذا المعلم الحيوي.
وقالت إنها لا تريد أن تصدق إلا أن دمشق سيدة العواصم وأم الدنيا وأم الحَلا، و”أن سوريا هي أم الفقير وأم الجائع وسيدة الأرض.”
وعُرِفت بساتين دمشق بأنها كانت مئة ألف و/21/ بستاناً تُسقى بماء واحد من أرض الزبداني ومن وادي بردى، حسب “تاريخ دمشق الكبير” لابن عساكر.
وتنحدر عينٌ من أوَّل الوادي لترفدها مياه عين الفيجة و”ينبعث نهر واحد يُسمّى بردى، ثم يتفرق سبعة أفرع، هي يزيد والمزاوي والديراني وتورا والقنوات وبانياس وبردى.”
ويتابع بردى سيره نحو ساحة المرجة (الشهداء) حيث ترفده بعض الينابيع على طرفي مجراه، وينقسم إلى مجموعة فروع لتروي أرض الغوطة الوسطى والشرقية.

وقال جمال المصري، وهو مهندس معماري متقاعد، إن ازدياد عدد سكان دمشق سببّ استهلاكاً كبيراً للمياه من مياه عين الفيجة والآبار الجوفية على ضفتيه والتي بلغت /6,500/ بئر.
وأضاف أن رمي مخلّفات المطاعم والمعامل والمسالخ إضافة إلى مياه المجاري التي تصبّ فيه “جعلت بردى يفقد قدرته على التنقية الذاتية.”
وقال أيهم حوري، وهو شاعر من دمشق، إن المقارنة بين حال النهر الآن وسابقاً “هي صفعةٌ على وجه كلّ من اعتنقَ الجمالَ عقيدة.”
وأضاف أنه لا يمكن للمرء اليوم رؤية جمال بردى سوى في صوت فيروز، ولا جمال الياسمين إلا في قصائد نزار قباني، “ذلك في عاصمةٍ يُغتَصبُ كلّ جميلٍ فيها ليس آخره نهرها وياسمينها.”