دمشق (نورث برس) – تؤثر الدراما التلفزيونية في القيم والذوق العام، عادة، وتُستخدم جمل أبطالها في أحاديث الناس في الواقع، لكن بشرط أن تعبر عن هموم مجتمعها وتطلعات أفراده، وهو ما تعرض مؤخراً لانتقادات واسعة من نقاد ومتابعين لأعمال الدراما السورية.
وكحال كثير من كلمات أبطال المسلسلات السورية التي نجحت سابقاً، أصبحت عبارة الممثل فادي صبيح في مسلسل “الولادة من الخاصرة”، (لا تخشَ شيئاً)، على ألسنة الناس، في حين سمّى البعض أطفالهم حديثي الولادة بأسماء أبطال المسلسلات.
وبلغ التأثير حد استخدام بعض الأبطال في الدراما الناجحة في عمليات الترويج السلعي والسياحي، وأحياناً في تسويق مفردات خطاب سياسي ما، أو توجّه حكومي معين.
لكن هل تستطيع الدراما في الوقت الحاضر الوصول لهذا المستوى من التأثير إذا لم تحافظ على علاقة وطيدة بالهموم التي يعيشها المشاهد؟ وهل تستطيع إذا ما ابتعدت عن التعبير عن مجتمعها والحالة الحياتية الحقيقية أن تحافظ على مكانتها؟
وقال بديع صنيج، وهو صحفي وناقد، لـ”نورث برس”، إن موقفين متباينين يبرزان لدى نقاد وكتّاب ومخرجّي الدراما.
وأضاف: “هناك فريق يرى أنّ الدراما تائهة وبعيدة عن هموم المشاهد، وبذلك فقدت تأثيرها وهويتها، ولم تستطع أن ترتقي لذائقة المشاهد التي ارتقت لمتابعته النتاجات العالمية عبر منصات الإنترنت.
وأشار إلى أن أصحاب هذا الرأي “يرجعون أسباب هذه الكارثة إلى حلول المستكتب الدرامي مكان السيناريست المحترف، والتاجر مكان المنتج الفني، والمؤدي مكان الممثل، والوريث مكان المخرج”.
وتابع أن “فريقاً آخر يرى أن هناك أنواعاً من الدراما أهم من الدراما الاجتماعية، وتسبقها بالمتابعة كدراما الحروب والأكشن، ويرون أن ارتباط الدراما بالواقع ليس ضمن الاسئلة التي تحدد مدى جودتها”.
ورأى “صنيج” أنّ الدراما السورية عُرِفَت بأنها مرآة للواقع، وتُعالِج قضايا المجتمع والاقتصاد والسياسة، وتناولت في السنوات الأخيرة الحرب بشكلٍ مباشر أو كخلفيّةٍ للأحداث، إلى جانب موضوع انعكاس الخراب النفسي والاجتماعي، لا سيما المُتعلّق بالأسرة السورية.
لكنه قال أيضاً إنّ الدراما في المواسم الأخيرة، ابتعدت عن الواقع المُعاصِر، مقابل التركيز على الفانتازيا والتاريخ وتعويم الهوية الدرامية، “وهذا الانفصال عن الواقع، أعلن موت الدراما السورية سريرياً بعد سنوات من المجد”.
أمّا لؤي سلمان، وهو ناقد وشاعر، فقد تأسف لأنّ الدراما السورية في المواسم الأخيرة كانت بعيدة عن ملامسة أوجاع المجتمع وحاجاته، وقال لـ”نورث برس”: “أستثني بعض الأعمال الاجتماعية المتعلقة بالهجرة، لكن باقي الأعمال لم تخرج عن الطابع التوجيهي للقيم الكبيرة ومعانيها”.
وتابع أنّ المواطن وهمومه وحاجاته اليومية ظلّوا خارج كل الحسابات الدرامية، فالكل يعمل على مبدأ المطلوب في السوق، وخاصة سوق الخليج والمحطات اللبنانية، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب من مشاكل الجمهور.
ولفت إلى أن الجمهور يحلم بعمل ينقد السلطات الدينية والسياسية، وقد لامس “عندما تشيخ الذئاب” هذه المساحة، وكان استثناءً يؤكد القاعدة، وخطوة جريئة بتاريخ الدراما السورية التي أعمالها تقترب من هذه المساحات بخجل كمسلسل “ما ملكت ايمانكم”.
ورأى أنّ الدراما السورية ستتجه إلى منصات الإنترنت، وأن ساعات العرض التلفزيونية ستتحول إلى دقائق معدودة، باستثناء الأعمال غير الناضجة التي تنتجها المؤسسات الحكومية، والخماسيات المبتكرة التي هدفها تشغيل اليد العاملة من دون أن يكون الهدف النهضة بالدراما.
من جانبها رأت الناقدة والصحفية فداء حوراني أنّ ظروف الحرب أحدثت خلخلة بقيم وأفكار المجتمع، فأصبحت كل المحرّمات موضع نقاش ومساءلة وتحليل وربما تشكيك.
وقالت لـ”نورث برس”: إنّ الدراما لم ترق إلى طرح قضايا الحرب وما نجم عنها من زوايا تفصيلية، بل تم التعاطي معها كصورة للمشهد العام، وكان هذا التعاطي سطحياً، ما عدا أمثلة قليلة مثل مسلسلي “خربة وقلم حمرة”.
وتابعت أنّ الأول تناول المشهد بطريقة رمزية مبطّنة، لكنّها عميقة، فيما تناول الأخير قضايا وجودية تتعلق بمسلمات إيمانية واجتماعية وسياسية ومتعلقة بالهوية ووضعتها موضع تحليل.
وأشارت “حوراني” إلى أنّ مسلسل “الندم” تناول المشهد السوري من الماضي إلى الحاضر بعمق وجرأة وبفنيات عالية متعلقة بالبناء الدرامي والحلول الإخراجية.
وشددت على أنّ “سبب تدني المستوى في عشرات المسلسلات، يعود إلى ضعف الإنتاج والتسويق، والانقسام في الفريق الفني والتقني، وهجرة الكثير من الكوادر خارج الحدود”.
وقالت الناقدة “حوراني” أيضاً إن الدراما السورية ” في حالة احتضار، لكن قد يكون الوقوف عند الأسباب أمراً هاماً، فالحياة بتطورها المتسارع أنتجت شكلاً آخر لطريقة عرض المسلسلات وموضوعاتها، عالمياً وعربياً، وهي منصات المشاهدة”.
وأضافت أن هذه المنصات تحتّم تقديم أعمال ذات طابع ترفيهي مليء بالتشويق، بحبكات محكمة وقصة واضحة وعدد حلقات محدود وأجزاء مفتوحة، وهنا لا يمكن التنبؤ بشكل الدراما السورية التي من المفترض أن تحاول مواكبة السوق.