“يُحشرون فيها كـالخراف”.. كيف أصبح مطار القامشلي ممراً لانتشار كورونا؟

القامشلي – نورث برس

كان جوان محمد (49 عاماً)، وهو طبيب جرّاح، وسط نحو /400/ شخص على متن طائرة الشحن (يوشن) التي أقلعت مساء الثامن والعشرين من حزيران/يونيو الماضي من العاصمة دمشق وهبطت في مطار القامشلي الدولي.

لكن لم تكد تمضي /48/ ساعة على وصول الطبيب إلى منزله وسط المدينة حتى بدأت تظهر عليه أعراض الإصابة بكورونا، ليتبيّن بعد إجراء الفحوصات إصابته بالفيروس وليخضع للحجر المنزلي حتى تماثله للشفاء بعد صراع مرير مع المرض دام نحو أسبوعين.

يُحشرون فيها كـ”الخراف”

أسبوعياً، يستقبل مطار القامشلي ست رحلات عبر طائرات “يوشن” بالإضافة إلى رحلتين لـ”السورية للطيران” ورحلتين لشركة “أجنحة الشام”، بمعدل /3500/ شخص يدخلون المدينة ومختلف مناطق شمال شرقي سوريا قادمين من دمشق على متن هذه الطائرات، بحسب موظف في مطار القامشلي اشترط عدم ذكر اسمه.

ويُعتبر مطار القامشلي المنفذ شبه الوحيد لسكان شمال شرقي سوريا إلى دمشق لتوقف الرحلات البرية خلال السنوات الماضية نتيجة الحرب وإغلاق الطرق، ومعظم من يقصد العاصمة هم من المرضى بالإضافة إلى طلاب الجامعات.

و”يوشن” هي طائرة شحن عسكرية تقلع من دمشق بشكل يومي عدا يوم الجمعة وتهبط في القامشلي وبالعكس، ونتيجة لعدم استيعاب عدد رحلات الطيران المدني لعدد المسافرين من وإلى العاصمة، تم اعتماد طائرة الشحن هذه لنقل المدنيين.

وتبدو الطائرة من الداخل كمستودع كبير ولا تحتوي على مقاعد للجلوس سوى على أطرافها وعادة ما يشغل هذه المقاعد ضباط وعناصر يتبعون الفروع الأمنية في المربع الأمني بمدينة القامشلي والفوج (154) التابع للجيش السوري جنوبها، بينما “يُحشر الركاب المدنيون كالخراف” في الوسط، وفق شهادات أشخاص استقلوها مراراً.

ومؤخراً، تداول رواد لمواقع التواصل الاجتماعي صوراً قالوا إنها لركاب مدنيين على متن طائرة “يوشن”، وأظهرت عشرات الأشخاص يقفون داخل ما يشبه مستودعاً كبيراً.

صورة توضح الازدحام الحاصل ضمن طائرة يوشن ودون إجراءات احترازية من فيروس كورونا – متداول

وقال الطبيب جوان محمد: “قبل ركوب الطائرة، تجمّع نحو /400/ شخص في صالة مغلقة بمطار دمشق وسط درجات الحرارة المرتفعة، ما أجبرنا على خلع الكمامات والقفازات الطبية”.

وأضاف: “مئة بالمئة، حملتُ الفيروس هناك”.  

اتهامات لـ”النظام”

في الآونة الأخيرة، وبعد ازدياد حالات الإصابة بفيروس كورونا في مناطق شمال شرقي سوريا، كَثُرَ الحديث حول اتهام حكومة دمشق بـ”تقصد” عدم فحص المسافرين وعدم القيام بإجراءات الوقاية اللازمة خلال الرحلات الجوية الخارجة من مطار دمشق إلى القامشلي.

وفي هذا السياق، قال مصدر حكومي من مطار القامشلي، لـ “نورث برس”، إن رحلات الشركة السورية للطيران كانت متوقفة لنحو عام كامل، بينما توقفت رحلات شركة أجنحة الشام في آذار/مارس وحتى أواسط حزيران/يونيو الماضي، في حين بقيت رحلات طائرة “يوشن” مستمرة في نقل المدنيين، لكن جميع الرحلات استؤنفت بعد أن شهدت دمشق انفجاراً في عدد الإصابات.

وتظهر بيانات وزارة الصحة التابعة لحكومة دمشق، والتي يتم تحديثها بشكل دوري على موقعها الرسمي، تزامن ازدياد عدد الرحلات بين دمشق والقامشلي مع ازدياد واضح في حالات الإصابة بفيروس كورونا في سوريا بشكل عام وفي العاصمة دمشق بشكل خاص.

بيانات وزارة الصحة التابعة لحكومة دمشق تظهر تزامن ازدياد عدد الرحلات بين دمشق والقامشلي مع ازدياد واضح في حالات الإصابة بفيروس كورونا في العاصمة دمشق- من الموقع الرسمي للوزارة

ورغم عدم نشرها سابقاً أي أخبار عن حركة الطيران بين القامشلي ودمشق، قامت وكالة الأنباء الحكومية “سانا”، في /27/ حزيران/يونيو الماضي وقبيل عطلة عيد الأضحى بثلاثة أيام، بنشر خبر حول نية وزارة النقل “تسيير ثلاث رحلات جوية داخلية على متن السورية للطيران من دمشق إلى القامشلي بمناسبة عطلة عيد الأضحى المبارك لأجل خدمة أهالي المنطقة الشرقية والشمالية”.

وبالفعل، هبطت بمطار القامشلي في (28-29-30) من الشهر ذاته ثلاث طائرات مدنية كان على متنها مئات الركاب الذين قَدِموا من دمشق بالإضافة إلى رحلات طائرة “يوشن” اليومية.

وقال بيار محمد، وهو طالب في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق وأحد ركاب الطائرة المدنية التي أقلعت من العاصمة في /29/ حزيران/يونيو، إن الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا كانت “شبه معدومة” في مطار دمشق وسط “ازدحام لافت” نتيجة توافد عدد كبير من المسافرين.

وأضاف في اتصال هاتفي لنورث برس: “قاموا بقياس درجة الحرارة، لكنه إجراء غير كاف، (..). لو كنت حاملاً للفيروس فإنه كان سينتقل إلى جميع المسافرين على متن الطائرة”.

وقال: “مثل الكثيرين من زملائي، انتظرت لأكثر من ساعة حتى تمكنت من الحصول على تذكرة سفر، نتيجة الازدحام الخانق في صالات المطار”.

وبحسب بيانات الرحلة، فإن الطائرة التي استقلها “بيار”، كان على متنها من /140/ إلى /170/ شخصاً.

بيانات الطائرة المتوجهة من دمشق إلى القامشلي بتاريخ 29 حزيران يونيو

“أين ذهب البقية”؟

خلال حظر التجول السابق الذي فرضته الإدارة الذاتية في آذار/مارس ونيسان/أبريل الماضيين، كَثُرَ الحديث عن محاولات بعض المسافرين “التهرّب” من إجراءات الفحص والخضوع للحجر الصحي التي كانت تجريها فرق طبية على طريق المطار وقبل دخول المسافرين إلى مدينة القامشلي.

لكن وعلى الرغم من ذلك تعرضت هيئة الصحة لانتقادات من قبل نشطاء محليين بسبب ما وصفوه بـ”التراخي في الإجراءات على طريق المطار”، خصوصاً بعد انتهاء الفترة الأولى للحظر أواخر نسيان/أبريل الماضي.

ونتيجة لـ”ضعف الإجراءات”، قام بيار محمد ومن تلقاء نفسه بالتزام الحجر المنزلي لأن “الحكومة السورية والإدارة الذاتية لا تقومان بحجر الوافدين من دمشق، رغم أن الإدارة وخلال حظر التجول السابق كانت تقوم بالحجر /14/ يوماً على الوافدين، إلا أن الحكومة لم تقم بذلك أبداً”.

وتعليقاً على هذه المسألة، قال الطبيب جوان محمد: “من أصل /400/ شخص، لم يخضع سوى /20/ شخصاً للفحص الطبي على طريق المطار”، وتساءل: “أين ذهب البقية؟”

وقالت روجين أحمد، وهي المتحدثة باسم لجنة الصحة التابعة للإدارة الذاتية في القامشلي، إن “العاملين في المطار والتابعين للحكومة السورية هم أنفسهم من يقومون بتهريب المسافرين مقابل مبالغ مالية”.

وأضافت: “خلال الفترة الماضية قامت الأسايش باعتقال بعض المهربين من موظفي المطار”.

ولم تعلق قوى الأمن الداخلي (الأسايش) على هذا الموضوع حتى الآن.

وفي وقت سابق، أعلنت لجنة الصحة أن “تهرب المسافرين من الحجر وضيق مراكز الحجر الصحي حال دون إخضاع المسافرين للحجر، (…). نطلب من المسافرين الالتزام بالحجر المنزلي”.

حالات موثقة

بالرغم من وجود حالة من التنسيق بين بعض مؤسسات الإدارة الذاتية التي تبسط سيطرتها على عموم مناطق شمال شرقي سوريا وبين قوات الحكومة السورية التي يقتصر وجودها على المربع الأمني في القامشلي ومطارها، إلا أن الأخيرة تمنع بشكل كلي دخول الفرق الطبية التابعة للإدارة الذاتية إلى المطار طبقاً للمتحدثة باسم لجنة الصحة، روجين أحمد.

وثيقة رسمية حصلت عليها نورث برس تظهر الفحص البدائي لمصاب بفيروس كورونا قادم من دمشق إلى القامشلي

وتظهر الوثيقة الأولى وصول المصاب في الـ/12/ من تموز/يونيو الماضي، بينما تظهر الوثيقة الثانية نتيجة فحص PCR للشخص نفسه والتي تثبت حمله للفيروس، بعد أن خضع لإجراء الفحوصات لدى لجان هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية.

وثيقة رسمية تظهر إصابة مسافر من دمشق إلى القامشلي بفيروس كورونا

وأعلنت الإدارة الذاتية في الـ/23/ من تموز/يونيو الفائت تسجيل /4/ حالات إصابة بالفيروس، ليبدأ المنحى التصاعدي للإصابات والتي بلغت (171) إصابة، في حين يتوقع مسؤولون في هيئة الصحة “انفجاراً” في عدد الإصابات أواخر هذا الشهر.

إعداد: هوشنك حسن – تحرير: حمزة همكي