كورونا والجسد الوطنيّ الممانع

 

شورش درويش

 

رفعت منظّمة الصحة العالمية مؤشّر الخطر الناجم عن تفشّي فايروس كورونا (كوفيد-19) إلى درجة "الوباء"، وفيما باتت الدول، على اختلاف درجات تطوّرها وقوّة خدمات مؤسساتها الصحية تئن من وطأة انتشار الوباء وتتخذ التدابير الوقائية اللازمة، خرج وزير الصحّة السوري في تصريح للتلفزة الرسمية مؤكّداً ألّا حالات إصابة في سوريا حتى لحظة إدلائه بتصريحه، فوق أنّه طعّم تصريحه بعبارة خارجة عن حقيبته الوزارية، بل هو تصريح ينتمي إلى فرع الشؤون المعنوية في الجيش العربي السوري، حيث أن الجيش وفقاً للوزير "طهّر الكثير من الجراثيم الموجودة على الأراضي السوريّة".

 

يمكن ردّ هذا "الاستثناء السوريّ" فيما خصّ "انعدام الإصابات" إلى جهل الحكومة بالحالات أو لضعف التشخيص، أو إلى استهتار النظام بفايروس لا يرى بالعين المجرّدة، ذلك أنه مهما بلغت شدّة فتك فايروس كورونا بالسوريين لن يبلغ أدنى الدرجات المئوية على مقياس القتل العميم الذي شهدته البلاد خلال السنوات التسعة المنصرمة، وهو بذلك أتفه من أن توليه الحكومة السورية الاهتمام اللازم، وبذا يؤدّي الانكار الرسميّ دوره في الإبقاء على سوريا منيعة في وجه الإرهاب والمؤامرة الكونية عليها من جهة، وجسداً يتمتع بالمناعة اللازمة لئلا يدخله الفايروس الذي أرعب الكوكب وسوّر البلدان و عطّل الحيوات فيها من جهة أخرى. سوريا ليست ليبيا ومصر واليمن مطلع "الربيع العربي" بحسب النظام، وهي بالقياس ذاته ليست جزءاً من الكوكب بحسابات انتشار كورونا.

 

صحيحٌ أن الحرب والأوضاع الأمنية عطّلت حركة الملاحة الجويّة والبحرية والبرية وفصلت سوريا عن محيطها والعالم، وأن عدد الوافدين إلى سوريا يكاد يكون الأقل في دول المنطقة وأن السياح توقفوا عن زيارة سوريا ما يعني وجود أسباب منطقية تحول دون انتقال الفايروس المرتبط بتنقّلات البشر، إلّا أن جزم الحكومة بالنتائج السلبية للإصابة يشي بأن سوريا منيعة وأكبر من أن تحتاط حتى في مواجهة الوباء، خلا بعض الإجراءات كتعطيل المدارس والجامعات، إذ لا تتحدّث الحكومة عن عدد الأسرّة اللازمة ولا غرف الحجر الصحيّ ولا عن الأمور التقنيّة من أجهزة كشف متقدّمة ووحدات رصد طبّية.

 

لنفترض جدلاً أنه لم تقع إصابات بالفايروس في سوريا، لكن هل المقصود بسوريا هنا هي المساحة الإجمالية للبلاد أي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ضمناً؟ في الغالب الأعم يتحدّث النظام عن حيّز سيطرته فحسب؛ ثمّ هل يعني خلوّ سوريا من الوباء خلوّ السوريين أنفسهم من الإصابات أي السوريين اللاجئين في أرجاء العالم؟ إذ أن الدول حين تحسب إصابات مواطنيها تشمل بذلك المسافرين إلى دولٍ أخرى.

 

ولأننا في إزاء بلاد ممزّقة ومهترئة، تخطّت مقاييس الدول الفاشلة، يأتي الدور عن المناطق التي تسيطر عليها المليشيات المسلّحة، إذ لم تتخذ فيها أيضاً التدابير الوقائية اللازمة، خلا بعض بوسترات التوعية ، إذ تفتقر تلك المناطق إلى  الخدمات الصحية والمدد الطبي اللازم، فوق أنها مناطق محكومة بسلاح المليشيات وأهوائها وفسادها، ورغم وجود حكومة افتراضية يفترض أن لها وجوداً على الأرض (الحكومة السورية المؤقتة)، لكن هذه الحكومة بوزاراتها الورقيّة لا تلوي على سلطة في الداخل وأنها حال اتخاذها أي قرار فإنه سيفتقر إلى عنصر الإلزام لتطبيقه، ما يجعل الأمر اجتراراً للكلام والوعظ المجانيّ.

 

المنطقة الثالثة هي شمال شرق سوريا، وهي تحت ظل الإدارة الذاتية تمتلك مقوّمات المواجهة حال إقرارها سلسلة من إجراءات الطوارئ الطبّية عبر وقف حركة تنقّل الأفراد، من، وإلى إقليم كردستان والحد من حركة مطار القامشلي، ومنع الانتظام في تجمّعات وإلغاء الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، واتخاذ تدابير فوق عادية لمواجهة احتماليات تسلل الوباء إلى مناطق الإدارة. غير أن حدثاً واحداً بدّد إمكانية الاحتكام إلى قرارات ملزمة كهذه في زمن الوباء، ذلك أن تردّد جامعة "روجافا" في إجراء الامتحانات، أكّد على هشاشة القرارات التي يلزمها الصرامة وضرورة الامتثال لها تحت طائلة المسؤولية، رغم تراجع إدارة الجامعة بسرعة عن قرار مباشرة الامتحانات في موعدها. والخشية هنا في أن تتبرّم وتتهرّب مؤسسات أخرى في الإدارة نظراً لهامش اللامركزية التي تتيحه الإدارة لبعض مؤسساتها. في سياق الجائحة وحالة الهلع التي تلفُّ الكوكب برمّته مطلوب من الإدارة الانضمام إلى نادي المجتمعات المتحوّطة من انتشار الفايروس واتخاذ تدابير احترازية جديّة حتى وإن اضطرّت إلى فرض نظام طوارئ جزئي مخصص لحالة مواجهة الوباء.

 

في مجمل الأحوال، ومهما كابرت سوريا، أو تعامت عمّا يجري حولها، أو ظنّت أنها البلاد الوحيدة المرشّحة لئلا يصلها الفايروس، فإنها قابلة لأن يتسلّل إليها الفايروس، ولا يحتاج الأمر إلى نبوءة أو استشراف عند القول بأنه وفقاً للنظام الصحيّ السوري المتخلّف والتدابير الوقائية المكلفة، يصبح الخطر على الأفراد أكبر بما لا يقاس بالبلدان التي لا تعاني أزمات حادّة كما في سوريا.

 

ثمّة خطران يلفّان أزمة وباء كورونا العالمي، الأول هو الفوبيا الناجمة عن انتشار الوباء المتسارع وحالة الهلع الكونيّ، فيما الخطر الثاني يتمثّل بالاستهتار الحكوميّ في اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، ومن تضاعيف خطر الاستهتار ستزداد الفوبيا ويتضاعف الهلع وينتشر اليأس وهو ما قد تسبّبه أزمة كورونا بشدّة في سوريا حال استمرار الوباء في مسيرة تفشيه.