في تأجيل انتخابات الرئاسة الأمريكية

مرح البقاعي

 

في تغريدة نشرها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على حساب "توتير" الخاص به، وأثارت جدلاً واسعاً في خضم العواصف السياسية والاقتصادية والصحية التي تضرب بقوة الحياة اليومية للمواطن في الولايات المتحدة من جهة، والماكينة السياسية والهيئات الانتخابية مع اقتراب معركة الاقتراع على منصب الرئاسة للعام 2020 من جهة أخرى، قال: "في حال اعتماد الاقتراع بالبريد، فإن انتخابات  2020 ستكون الانتخابات الأكثر تزويراً وافتقاراً للدقة في التاريخ، ستكون إحراجاً كبيراً للولايات المتحدة" وتساءل خاتماً التغريدة: "هل نؤجل الانتخابات حتى يستطيع الناس التصويت بشكل آمن؟"

 

تساؤل الرئيس -الذي لا أعتقد أنه بريء على أي حال- أثار سجالاً واسعاً في الشارع الأمريكي والإعلام المحلي والدولي حتى وصل إلى كواليس الكونغرس ومجلس الشيوخ، حيث اندلع ناراً في الهشيم بين رافضي فكرة تأجيل الانتخابات من الجمهوريين قبل الديمقراطيين. أما أنصار ترامب من المدافعين عن مسيرة حملته الانتخابية والقائمين على تحسين صورته قبيل الانتخابات بعد التقدّم الذي أحرزه منافسه جو بايدن عليه في استطلاعات الرأي العام، فيرون أن الرئيس يخشى على سير العملية الانتخابية من العطب أو التزوير الذي يمكن أن يحدث من خلال آلية التصويت عبر البريد الورقي، وأنه يطرح فكرة نابعةً من تخوفه من الفوضى التي يمكن أن تحدث في حال تأخر إعلان النتائج لأسابيع أو أشهر استيفاءً للزمن اللازم لإحصاء الأصوات عبر البريد.

 

فهل يمكن أن يلجأ ترامب لتأجيل الانتخابات الرئاسية للعام 2020، والمقررة وفقاً للدستور الأمريكي في يوم الثلاثاء الأول من تشرين الثاني / نوفمبر، والتي تجري كل أربع سنوات؟ بل هل يحق له قانونياً التدخّل في نظام الانتخابات وإجراءاتها، ولو جاءت في أعتى حالات الطوارئ كما هو الأمر الآن في الظروف التي فرضتها جائحة كوفيد 19؟

 

دستورياً، الكونغرس وحده صاحب قرار تحديد موعد وآلية الانتخابات، وإذا ما قام الرئيس بإعلان حالة الطوارئ قبيل موعدها المحدد في الثالث من نوفمبر القادم، فسيكون عليه الرجوع إلى مجلسي النواب والشيوخ من أجل الحصول على إجماع بالأغلبية المطلقة على أي تغيير في سير العملية الانتخابية  مهما صَغُر شأنه.

 

أما التصويت عبر البريد ، والذي اقترحه فريق جو بايدن الانتخابي قبل شهر؛ فقد راعى الديمقراطيون في هذا الشأن أمرين، الأول هو استمرار الجائحة بالتفشي بشكل كبير في الولايات دون السيطرة عليها أو إيجاد اللقاح أوالدواء الفاعل لمكافحتها حتى اللحظة، ومن جهة ثانية فقد أخذوا بالتقدّم الواسع الخطى الذي يحققه بايدن في القبول الشعبي به مقابل منافسه ترامب الذي فقد الكثير من شعبيته وأنصاره نظراً لتعامله مع الجائحة التي أودت حتى كتابة هذه السطور بحياة ما يزيد على 150 ألف مواطن أمريكي، وأدّت إلى تراجع الاقتصاد الأمريكي بنسبة 9.5% خلال عدة أشهر فقط من بدء انتشار الجائحة في شهر أبريل/ نيسان حتى اليوم، وهو تراجع فصلي قياسي لم تشهده أمريكا منذ 70 عاماً؛ هذا ناهيك عن الخلافات العميقة داخل أروقة الحكم على كل شاردة وواردة منذ اليوم الأول لوصول ترامب إلى البيت الأبيض في العام 2016.

 

منذ العام 1845 لم يتغيّر موعد الانتخابات الأمريكية التي يتم تحديدها بموجب القانون الفيدرالي الذي يقرّه الدستور الأمريكي، حيث يتطلب تغيير الموعد تغييراً في القانون الفيدرالي، وهذا يعني وضع تشريع من الكونغرس يوقعه الرئيس، لكنه قد يلقى رفضاً من القضاء.

 

وعلى الرغم من ذلك، يعتقد ترامب أن الجائحة هي حدث استثنائي غير مسبوق، وأن "التصويت عبر البريد يمكن أن يكون أسهل طريق لدول أجنبية تريد التأثير في سياق الانتخابات والتدخل بها" كما قال في أحد مؤتمراته الصحافية، وكان بالطبع يغمز إلى الحرب التي شنّها الديمقراطيون عليه وأحالوه إلى المساءلة لعزله بسبب اعتقاد راسخ لديهم بأن روسيا قد تدخّلت في حملته الانتخابية وساعدته في الوصول إلى الرئاسة.

 

لا نعرف بعد إذا كان الرئيس ترامب سيحوّل الحَجَرَ الصغير الذي ألقاه في بركة مياه راكدة -كما فعل حين أطلق تغريدته عن تأجيل الانتخابات- إلى طلب رسمي للتأجيل يتقدّم به إلى الكونغرس إذا ما أعلن حالة الطوارئ تماشياً مع تواصل ارتفاع الخط البياني للوفيات نتيجة الجائحة؛ لكن ما نعرفه عن شخصية ترامب أنه لا يطلق "التغريدات" جزافاً مهما كانت جدليّة ومثيرة للضوضاء السياسية.

 

وهنا يبقى الترقّب سيد الموقف في ظل حالة الفوضى غير البناءة التي يعيشها العالم، كما تعيشها أمريكا، وهي تتصدّر إحصاءات الإصابات بكوفيد الخبيث.