القاهرة تحشد قواها السياسية والدبلوماسية والعسكرية لمواجهة التهديد تركيا
القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس
وجهت القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية عدداً من الرسائل في إطار استعداداتها القصوى لأي تهديد تركي لمحور (سرت-الجفرة) في ليبيا، وهو الخط الأحمر الذي حدده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، محذراً من مغبة تجاوزه من جانب تركيا.
وتضمنت تلك الرسائل تأكيداً على الاستعداد المصري الواسع لأي مواجهة محتملة على الساحة الليبية حال أقدمت تركيا على تجاوز ذلك الخط، في ضوء التحشيد الذي تقوم به خلال الأيام الماضية على حدود التماس مع سرت.
الحشد التركي
وجعل الحشد التركي الذي يؤشر على اقتراب المواجهة، القاهرة في حالة استنفار سياسي ودبلوماسي وعسكري أيضاً، تمثل ذلك من خلال عددٍ من الإجراءات التي اتخذتها القاهرة، بداية من المناورة العسكرية (حسم 2020) على الحدود الغربية المصرية بالقرب من الحدود مع ليبيا، والتي قدّمت فيها القوات البحرية والجوية والقوات الخاصة المصرية رسائل واضحة تعكس حالة التأهب العسكري وجاهزية القوات للردع.
وتزامن ذلك مع نشاط سياسي ودبلوماسي واصلت القاهرة انخراطها فيه لتأمين ودعم موقفها في الملف الليبي، كان آخر محطاته الخميس الماضي بلقاء جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بقادة القبائل الليبية، والذين جددوا التأكيد على دعمهم لموقف القوات المسلحة المصرية ودعمها في مواجهة أي عدوان تركي على محور (سرت-الجفرة)، في الوقت الذي جدد الرئيس السيسي تأكيداته على تأهب الجيش المصري، ودخوله ليبيا (بطلب من الشعب الليبي) وأن خروجه منها سيكون بـ "أمر" من الشعب أيضاً، كما قال.
وجاء ذلك بُعيد أيام قليلة من إعلان البرلمان الليبي عن تفويض القوات المسلحة المصرية للتدخل في ليبيا لردع الميلشيات المدعومة من تركيا. وسط رفع حالة الاستنفار والتأهب القصوى على الحدود الغربية المصرية، بموازاة تصعيد وتحشيدٍ واسع تقوم به تركيا أيضاً يُنذر بحسب مراقبين، بمواجهة وشيكة، لاسيما بعد الخسائر التي لحقت بتركيا جراء تدمير منظومة الدفاع الجوي في قاعدة الوطية من خلال ضربات لـ "طيران مجهول" قبل أسبوعين.
ورغم ذلك التصعيد والحشد المتبادل، إلا أن مراقبين يعتقدون بأن "المناوشات الحالية قد لا تقود إلى اشتعال مواجهة فعلية، وقد تأتي في إطار التصعيد والضغوطات للحصول على أكبر قدر من المكاسب في العملية السياسية، وقد تنشب مناوشات عملية لكن جميع الأطراف يدركون خطورة المواجهة وكلفتها، وبالتالي سوف يُعاد إحياء العملية السياسية مع تصاعد تلك التهديدات".
ويستند أصحاب ذلك الاتجاه إلى شواهد مختلفة، تدفع بالمسار السياسي، منها إعلان رئيس البرلمان الليبي، المستشار عقيلة صالح، عن لقاء قريب بين الفرقاء الليبيين لاستعادة المسار السياسي، بعد اتصالات جمعته ومجلس الدولة، فضلاً عن الاتصالات الأمريكية والروسية مع تركيا.
المسار السياسي
وحول هذا، قال السياسي الليبي، محمد العباني: "أعتقد بأن المسار السياسي هو أقرب للحل"، لافتاً إلى أن هناك تواصلاً يتم بين أطراف الأزمة في ليبيا من أجل حلحلة الأزمة.
وأشار العباني إلى أنه "فعلاً هناك تواصل بين الفرقاء، من أجل تقريب وجهات النظر"، لافتاً إلى أن رئيس البرلمان الليبي المستشار عقيلة صالح "متجاوب مع الحل السلمي".
وطبقاً لمعلومات رصدتها "نورث برس" من خلال مصادر إعلامية ميدانية ليبية، فإن "هناك تحشيد تركي واسع على خطوط التماس مع سرت".
وذكرت المصادر أن "هناك تحشيد كبير في منطقة بوقرين بالدبابات والآليات العسكرية، وهناك إشارات لهجوم بري أو جوي.. لكن حتى الآن ما يتم هو تحشيد تركي، ولم تحدث أي مناوشات بعد".
ولفتت المصادر إلى أن "حجم التحشد يوحي بقرب العملية والاشتباكات في غرب سرت، بشكل كبير".
عوامل واضحة
وقال المفكر السياسي المصري، الدكتور عبد المنعم سعيد، إنه بموازاة الجهود الدولية المبذولة من أجل "تجنب الحرب في ليبيا"، فإن هناك عوامل واضحة تؤدي بدورها إلى إشعال تلك الحرب، لاسيما في ظل الحشد التركي الأخير، على اعتبار أن أنقرة لا تريد أن تخرج مهزومة من ليبيا، بموازاة تأكيد مصري على عدم السماح لتركيا بتجاوز الخط الأحمر (سرت-الجفرة) وتفويض البرلمان الليبي للقوات المسلحة المصرية للتدخل لمواجهة تركيا.
ومن ثمّ، وفق السعيد، فإن هناك سيناريوهين رئيسيين؛ السيناريو الأول هو سيناريو المواجهة الوشيكة، والثاني مرتبط بسيناريو العودة للمسار السياسي استناداً للقرارات الدولية ومخرجات مؤتمر برلين وإعلان القاهرة، على أن يبدأ وقف إطلاق النار ويُستكمل المسار السياسي بباقي المحطات الرئيسية، "الرؤية ستتضح سريعاً بخصوص أي السيناريوهين يتحققان في ظل تسارع وتيرة الاستعدادات والحشد وكذلك الاتصالات والجهود الدولية".
ويأتي ذلك، فيما تتواصل الجهود الدبلوماسية المصرية للدفع بالحل السياسي، وهو ما عبّرت عنه اتصالات الخارجية مع الأطراف الفاعلة، من بينها اتصال وزير خارجية مصر، سامح شكري، بنهاية الأسبوع، مع نظيره الإيطالي، إضافة إلى اتصالات مع مسؤولين أوربيين آخرين. وذلك في إطار الحشد الدولي في مواجهة تركيا، من خلال اضطلاع المجتمع الدولي بدوره في حفظ وحماية السلم والأمن الدوليين.