استغنى عن الريشة في لوحاته.. عمر إسحق سيرة شغف بالرسم بدأت من القامشلي قبل عقود

القامشلي – ريم شمعون – نورث برس

 

كان يبلغ السادسة من عمره عندما شاهد أخاه الأكبر يرسم لوحات جميلة ووجوها ومناظر طبيعية، كما أن والدته كانت محبة لفن التطريز، فيما أخوته الآخرون امتلكوا ملكة الرسم، هكذا نشأ عمر إسحق منذ نعومة أظفاره وسط عائلة تهوى الفن فكبر معه حبه للرسم.

 

تنقل بين مدن سورية عدة من عامودا إلى القامشلي ومن ثم إلى حلب وغادر البلاد إلى فرنسا، لكنه عاد أخيراً إلى القامشلي، ليهب كل ما تعلمه في فن الرسم وتقنياته الحديثة لأطفال مدينته وطلاب الجامعة فيها.

 

"المهنة عشق أو حاجة"

 

"المهنة لمن يعشقها أو يحتاجها" هكذا يردد "عمر" لـ"نورث برس" مثلاً يرى أنه يختصر جزء من سيرته، "أنا لم أكن في حاجتها، ذلك أن الاهتمام بالثقافة والقراءة إضافة إلى وجود ميل واضح نحو البصريات في عائلتي، مع وجود أخوة يمارسون الرسم، ووالدة تحب التطريز، لذا كبرت بين عائلة جعلتني أحب الرسم وشجعتني على ممارسته".

 

أكمل "عمر" دراسته الابتدائية في مدينة القامشلي، وبعدها بسنة واحدة انتقل مع عائلته ليستقروا في مدينة حلب بسبب ظروف العائلة المادية فنشأ وكبر فيها وبعد أن أنهى دراسته الإعدادية والثانوية اختار أن يدرس كلية فنون جميلة في دمشق كونها كانت الكلية الوحيدة للفنون في سوريا عام 1976.

 

ويتذكر "عمر" أيام دراسته في الجامعة بتأثر، "عندما كنت طالباً في كلية الفنون الجميلة في دمشق كنت متفوقاً على زملائي في رسم البروتريه (رسم الوجوه)، لذا أعلم أصدقائي في الكلية وأعطيهم أساسيات رسم الوجوه وطرق التلوين".

 

ولكن حماسه وشغفه بدأ يخفت بعد مرور سنتين على دخوله إلى كلية الفنون الجميلة، ويرجع "عمر" السبب في ذلك إلى "انشغاله في تلك الفترة بالقراءة والتقشف و الاهتمام بالفلسفة وتأمل الوجود".

 

ورغم أن رؤيته تجاه الرسم انحازت ولم يعد يرى في شخصيته مشروع رسام كبير، إلا أنه أنهى دراسته في الجامعة بتفوق.

 

الرسم دون قلم

 

بعدها غادر في العام 1988 إلى فرنسا من أجل دراسة مجال جديد في الفن والتعرف عليه أكثر بعد مرور فترة عزوف وابتعاد، "كانت فكرة الهجرة إلى أوروبا كافية لوحدها بإقناعي للعودة إلى تعلم شيء جديد عن الفن بعد تراجع اهتمامي به وبقاء جزء مني يعشقه، فكانت فترة جيدة لي للعودة والإطلاع على الفن والمدارس الفنية، وقد رسمت في فرنسا لكنني قرأت الكثير عن الفن".

 

خلال فترته التي قضاها في فرنسا عرض عليه صديق متخصص في مجال الإعلانات، التعلم على بعض البرامج الخاصة في الحاسوب، للعمل معه في مجال الإعلانات، "موافقتي على طلبه كانت من باب التسلية ذلك أنني كنت أجد فيها خطوة جديدة لم أقم بها من قبل".

 

"في البداية ظننتُ أنني سأقضي وقتاً مسلياً فقط، ولم أكن أعلم أنني سأتعلم مجالاً جديداً في الفن، بعد أن أصبحت أرسم الإعلانات والقصص المصورة للأطفال والرسومات المرافقة للكتب، لأكتشف أن الرسم الإلكتروني مجال إبداعي آخر".

 

حلب من جديد

 

لاحقا أجبرته الظروف مجدداً للعودة إلى حلب إثر ظروف عائلية بعد أربعة أعوام قضاها في تعلم الفن ودراسة تاريخه والتعرف على مدارسه.

 

وفي حلب عمل في مجال الرسم الإلكتروني لعدة دور نشر وإعلانات لشركات عدة، إلى جانب أنه تمكن من تأسيس عائلته الخاصة، لكنه اضطر إلى مغادر المدينة عام 2012 بسبب المعارك الدائرة حينها بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات الحكومة السورية. لينتقل منها إلى مدينة ديرك حيث مسقط رأس زوجته، ومن ثم إلى مدينة القامشلي التي يستقر فيها منذ خمسة أعوام.

 

ولا يزال "عمر" يتحسر والحزن يعصر ملامحه، وهو يتذكر ما تركه خلفه من أعمال ورسومات كانت تزين جدران منزله في حلب أثر نزوحها منها  .

 

"حماس" وقصص مصورة

 

في القامشلي بدأ فصلا جديدا من حياته مع تعرفه على مؤسسة سريانية تعمل على إحياء اللغة السريانية عبر الاعتماد على أغاني الاطفال وأفلام الكرتون وقصص الإنجيل، فجاءته الفرصة التي أعادته من جديد إلى ممارسة مهنته وسط مجموعة من الشباب السريان، "بعد تعرفي على مؤسسة بيث كانو التي تهتم باللغة السريانية المحكية بقسميها الشرقي والغربي، بدأت العمل معهم لنشر هذه اللغة عبر رسم القصص المصورة".

 

يقول "عمر" إنه يملك حماساً قوياً للتدريس لأنه يحب الرسم ويرى أن من واجبه أن يسهّل طريق تعلمه أمام من يهواه ويريد تعلمه". ولديه حاليا طفل وحيد يبلغ من العمر (16 عاماً)، وله ميول فنية في صناعة الأعمال اليدوية.

 

يُدرس عمر الآن مادة الرسم والظل والنور بفرع الهندسة المعمارية بجامعة قرطبة الخاصة في القامشلي، إلى جانب تعليمه للأطفال من عمر الرابعة حتى السادسة عشر مادة الرسم في مركز "العوائل" التابع لمنظمة الصليب السرياني، عدا أنه يتعاون مع بعض الشركات الخاصة من أجل تصميم الإعلانات والقصص المصورة لهم.

 

وعلى الرغم من عمره الذي بات في الثلاثة والستين إلا أنه لا يزال يرى أن لديه همة الشباب، ليهب مما تعلمه لطلابه ويقول إن "حب المرء للفن والرسم لا ينقص مع التقدم في العمر بل يزداد، كما يبقى شيئاً جميلاً ملازماً للإنسان و يهبه ثقافة عالية".