ألمانيا- فرهاد حمي – NPA
تصاعدت وتيرة التوتر بين جمهورية قبرص وتركيا على خلفية محاولة تركيا الحفر في المياه التي تتمتع فيها الدولة الواقعة في شرق البحر المتوسط بحقوق اقتصادية حصرية في تنقيب عن الغاز الطبيعي.
وقد شدد الرئيس القبرصي، نيكوس انستاسيادس، في تصريحات إعلامية قبيل عقد قمة قادة الاتحاد الأوروبي في مدينة سيبوه الرومانية، بإدراج هذا الملف من بين المواضيع المطروحة على جدول الأعمال في القمة التي تعقد يومي الخميس والجمعة.
تصريحات الرئيس القبرصي التي نقلتها وكالة الأنباء القبرصية، جاءت عقب لقائه بنظيره اليوناني، إبفانجيلوس أبوستولاكيس، والذي ناقشا خلاله :” الانتهاك غير المسبوق للحقوق السيادية لجمهورية قبرص، بعد غزو سفينة الحفر التركية، فاتح، المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، وانتهاك تركيا للقانون الدولي”. حسب تعبيره.
استفزازات
وتواصل تركيا استفزازاتها لكل من قبرص واليونان منذ أكتوبر الماضي، من خلال إرسال السفن للبحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة السواحل القبرصية، بدعوى أحقيتها بهذه المنطقة، حيث أعلن وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضى، بدء أعمال البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعى فى غرب قبرص، وتمركزت سفينة الحفر التركية “فاتح” التي ترافقها ثلاث سفن خدمات على بعد /40/ ميلًا بحرياً تقريباً إلى الغرب من شبه جزيرة أكاماس و/83/ ميلاً بحرياً من السواحل التركية، وتقع هذه المنطقة داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري لجمهورية قبرص، بحسب ما يقوله الجانب القبرصي.
وشكل اكتشاف الغاز الطبيعي في شرق المتوسط إلى تعزيز منتدى غاز شرق المتوسط، وهي منظمة متعددة الجنسيات مقرها القاهرة، ويطلق عليها “نادي المتوسط” وتضم قبرص ومصر واليونان وإيطاليا وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية.
ويعتبر هذا الاكتشاف للغاز الطبيعي في هذه المنطقة بمثابة عامل محفز لإمكانية إنشاء خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز إلى أوروبا. فضلاً عن أن مثل هذا التطوير يمكن أن يخلق مركزاً للطاقة من شأنه أن يحوّل الاقتصاد الإقليمي برمته، وذلك إذا اقترن بمزيد من الجهود الرامية إلى تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى السوق الأوروبية، حسب ما تقولها المصادر المتابعة.
تنديدات
إلى هذه اللحظة، نددت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وقادة الاتحاد الأوروبي، بحملة الاستفزازات التي تقوم بها الحكومة التركية في المياه الإقليمية التي تعتبر العائدة إلى جمهورية قبرص، حيث قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن أناستاسيادس “طلبت منا تمثيل مصالح قبرص عندما يكون هناك اتصال مع تركيا” غير أن الخبراء شككوا بقدرة الاتحاد الأوروبي بفرض العقويات الاقتصادية على تركيا في هذا التوقيت.
محادثات
وتجري قبرص واليونان حاليًا محادثات مع الأردن وإسرائيل ولبنان لإقامة شرق البحر المتوسط كمركز للغاز، كما تدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الجهود الرامية إلى تنويع إمدادات الغاز كوسيلة لإضعاف قبضة روسيا على الطاقة، بيد أن المساعي التركية لعرقلة هذه الجهود الرامية للتخلص من قبضة روسيا على الطاقة، ستمثل خطراً جدياً لتحسين هذه المشاريع وفق ما يقوله خبراء اقتصاديين، خصوصاً أن الحكومة التركية لا تعترف بحكومة قبرص بالطريقة التي يعترف بها بقية العالم، وهذا يعني أنها لا تعترف بأن جمهورية قبرص لديها منطقة اقتصادية خالصة، ومن المرجح أن تلجأ حكومة أردوغان إلى استخدام أساليب مخالفة للقانون الدولي حيال حيازة ملكية المياه الدولية بين الطرفين، مما ستضعها على خلاف ليس فقط مع الاتحاد الأوروبي، ولكن مع الشركاء في الناتو.
مناورات
وقد حصلت شركة “شل” الهولندية و”توتال” الفرنسية واتحاد” كوجاس” الكورية الجنوبية و”إيني” الإيطالية على حقوق استكشاف في المياه القبرصية، ومن شأن هذه التطورات أن يعزز من مصالح استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في شرق البحر المتوسط، وتالياً لتضمين سلامة أوروبا، والتدفق المستمر لإمدادات الطاقة إلى دولها.
تبعاً للخبراء، فإن تركيا تسعى من خلال هذه العمليات المستفزة ضد جمهورية قبرص باحتلال موقع لها في هذه الاستثمارات الجديدة في الغاز الطبيعي المسال، وهي تستثمر ورقة القانون الدولي بعدم اعترافها لشرعية جمهورية قبرص على هذا الجرف الاقتصادي الذي اكتشف فيه الغاز الطبيعي وتعتبرها أنها خاضعة لنفوذ قبرص الشمالية التي تدعمها، علاوة على أن العلاقات التركية مع الجانب القطري من خلال شركة “قطر للبترول” التي تملكها الدولة، قد يدعم موقفها في إحداث المناورات مع الجانب القبرصي وشركائه الدوليين، سيما أن شركة الغاز القطرية قد دخلت في الشراكة مع شركة “موبيل أكسون” التي تشرف حالياً على حقل “غلافكوس” في قبرص.
كعكة
وكتب الخبير الأمريكي في شؤون الطاقة في شرق المتوسط والشرق الأوسط، جون بولس مقالة تحليلية في موقع” تقارير الطاقة” أوضح فيه بأن:” أنقرة تريد قطعة من الكعكة، في الوقت الذي تسعى إلى زيادة نفوذها الإقليمي، وذلك من أجل الحصول على المزيد من الغاز الطبيعي المسال، حيث تعتقد أنقرة بأن هذه المقاربة ستحقق لها نتائج تجارية كبيرة في ظل تدهور اقتصادها المحلي، وهي تبعث إشارات بإمكانية اللعب مع كل من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، لتحقيق أفضل نتائج ممكنة”.
استبعاد
غير أن المعطيات الراهنة، تشير بأن استبعاد تركيا من مجموعة “نادي المتوسط” وكذلك إصرار المجتمع الدولي في مساندة حق جمهورية قبرص في استثمار حقول الغاز ضمن نطاق ملكيته الاقتصادية في البحر المتوسط، ستقلل من فرصة أنقرة في كسب النتائج المرجوة التي أعلنه أردوغان فيما يخص مطالبة تركيا بحماية حقوقها في بحر إيجه وشرق المتوسط، إلاّ إذا ساندت روسيا بقوة، مساعي أردوغان لتعميق هذا النزاع إلى مستوى توتر دولي حاد على غرار ما يجري في ملف صفقة صواريخ 400S-، حينها ربما تتعمق الخلافات إلى منحى أكثر خطورة.