سربست حسن – نورث برس
رغم أن حلم طفولتها بافتتاح مكتبة كتب كان يحوم هناك وسط مدينة عفرين، شمال غربي سوريا، التي شهدت أولى بوادر شغفها بالكتب، إلا أن إنجي شهلواند حسين (20 عاماً) راضية بتحقيقه حتى وإن كان على شبكة الإنترنت.
الهجرة وتعلم لغة بلد اللجوء وإتمام الدراسة والسؤال عن أوضاع الأهل والأصدقاء في الداخل، كل ذلك لم يُنسها طموحها في أن تكون أول فتاة تفتتح مكتبة كتب في عفرين، وهي التي تستعين الآن بقراءة الكتب للتغلب على مشاعر الاغتراب والأسى منذ وصولها إلى فرنسا قبل أعوام.
انبعثت الفكرة الجديدة لدى الشابة عندما بدأ الحظر يعم بلاد العالم لمواجهة مخاطر فيروس كورونا المستجد، وتم إطلاق مبادرات عديدة لتشجيع الناس على البقاء في المنازل، لكن الأفضل برأي "إنجي" كان الكتاب، الذي يمثل لها دواء تواجه به قسوة الحياة وتحلم بمشاركته مع الآخرين ولا سيما أبناء مدينتها وبلدها الذين قاسوا الكثير خلال السنوات الماضية.
تقول: "اشتغلت على فكرة الموقع وصممته وكتبت الملخصات ورتبت قوائم الكتب، وتواصلت مع دور النشر، وخلال شهرين أطلقت الموقع".
وكان ابتعاد شريحة الشباب عن الكتاب والقراءة دافعاً آخر لإطلاق الفتاة مكتبة إلكترونية، "لتعزيز ثقافة القراءة بين كل الشرائح العمرية و خاصةً الشباب ، و تحفيزهم من خلال بعض مبادرات القراءة التي يمكن تقديمها على الموقع".
والآن حين تدخل للموقع "enji-bookstore" ترحب بك عبارة "غير أفكارك، تتغير حياتك"، وهي شعار مقتبس من عنوان للكاتب الأمريكي الشهير واين داير، ثم تشاهد تصنيفات من الكتب العربية والكردية والمدرجة حديثاً، والتي تحتوي كتباً من الآداب والعلوم والتاريخ والتنمية البشرية.
"هدفي من الموقع ليس الربح، إنما هو أن أشجع شبابنا وبناتنا على السعي للمعرفة وللعلم الذي سينقذنا من الجهل وتدهور الأوضاع في بلادنا منذ سنوات، أطمح لمستقبل جميل كما أرغب في أن تكون عفرين فخورة بي وبشبابها الآخرين".
وكانت الشابة السورية قد أنهت دراسة المرحلة الإعدادية في سوريا، ثم هاجرت إلى فرنسا عن طريق دعوة من عمها المقيم في فرنسا والحاصل على الجنسية الفرنسية، "وسيلة القدوم كانت سهلة بالمقارنة مع الآخرين، ولكن بداياتي بفرنسا كانت صعبة جداً وللأسف الحظ لم يرافقني بشيء".
"درست الصف العاشر هنا والتحقت بمدرسة المهنة دون أن أتلقى دروس اللغة لعدم وجود مدارس لغة بفرنسا على عكس البلدان الأخرى ، لكنني شعرت أن مدرسة المهنة لا تناسبني فتركتها".
"حسين" التي التحقت بجامعة خاصة للأجانب القادمين إلى فرنسا وأنهت تعلم اللغة الفرنسية وبدأت بتعلم الألمانية حالياً، تقول إنها لم تستسلم للعقبات الكثيرة التي اعترضتها وأخّرت إتمام دراستها بعد الهجرة، لأنها تومن بأن "العقبة عبارة عن تجربة، أتعلم من خلالها وأتقدم أكثر".
تتذكر إنجي انجذابها للكتب التي كان يقرؤها والدها مذ كانت في الثانية عشرة، حيث اقترح عليها قصصاً وكتباً تناسب عمرها، ليكبر طموحها، ويدعمها الأب مجدداً في تحقيق حلمها، بالإضافة لخطيبها الذي يشجعها الآن لتطوير مشروعها، "أبي وخطيبي هما من الرجال القليلين الذين يشجعون التقدم في مجالات العلم والثقافة في مجتمعنا ووسط اللاجئين".
وتعمل الشابة حالياً على رفد موقع مكتبتها على الإنترنت بالمزيد من الكتب الجديدة وترى أنها حققت جزءاً من حلمها في أن تصبح صاحبة مكتبة، لأن الأهم برأيها هو تحقيق الغاية وليس الوسيلة، لكنها تعود وتضيف: "وممكن مستقبلاً أحقق الحلم الأكبر وأصير صاحبة مكتبة على أرض الواقع".
وتعتمد إنجي في تأمين الكتب على شرائها من دور النشر، لترسلها إلى من يطلبها مع إضافة تكاليف الشحن، بينما يبقى موقع المكتبة لعرض الكتب مع لمحة عن محتوى كل كتاب.
عند الدخول لموقع المكتبة تقرأ تحت عنوان "قصتي": "كفتاةٍ عشرينية لم تُرِدْ أن تكونَ مثلهم، كانت ستغرقُ، لو لم تبنِ من الكتبِ سفينةً لها، تنقذها من القاع، وتبحر بها في رحلةٍ سرمدية".