القيصر .. الخليفة وأرامل البلاد

 

أوقد الثورة، شباب جلّ ما يبحثون عنه، قطع الصلة مع الغيلان.. غيلان المال الفاسد، والعقول الفاسدة، والسجون وقد باتت قاعدتها الذهبية:

 

ـ من يدخلها مفقود ومن يغادرها مولود.

 

ولم يكن لهم من السلاح، سوى الهتاف، وفي لحظات ما، لا يلبثون أن يوزعوا الورود على قاتليهم، أما البنادق المحشوة، فلم تكن سوى من  حصة الوحوش.

 

كان ذلك هو طريقهم، وتلك كانت راياتهم.

 

سوريا التي يريدونها، بلا ريب تدخل في معادلة بالغة التعقيد.. معادلة هي المصيدة الرهيبة التي وضع النظام فيها البلاد، بحيث يتنحّى فيها الله، لحساب من حلّ محل الله وقد ارتدى ثياب الجنرال دون أن يخوض حرًبا منتصرة واحدة تمنحه كفاءة الجنرال.

 

وعلى الضفة الأخرى، كان للبلاد مسار آخر، وقد تعسكرت الثورة، وتدفق عليها السلاح، ليدخلها عرابو الخراب.. عرابون تدفقوا من كل جهات صناعة الموت، ومن البوابة التركية حصرًا، وكان على السيد رجب طيب أردوغان أن يقولها:

 

ـ ادخلوها فأنتم آمنين.

 

وكانت القفزة الكبرى، تلك التي يمكن نعتها بـ "تفصيل المعارضات".

 

ومع هذه المعارضات، سيكون أعمى من لا يرى أولئك الذين اشتغلوا على تكرار التراجيديا الأفغانية في سوريا، بعد أن صُنّعت شخصيات جاءت من التواء الزمن والتواءات المكان، ليكونوا روافع الحرب الأهلية في سوريا.. حرب الجميع على الجميع، بما فيها حرب الفصائل على الفصائل، تلك التي لا يسعها أن تتوانى في التكبير على ذبائحها، في لعبة لانتزاع احتكار المال واحتكار السلاح، أما (الشرف)، فاحتمالاته لا تحلّ حسابيًا كما الحال في عالم الرياضيات، وإن كان شرفهم قد بات خارج أي احتمال، فأي شرف لمن يدمّر منحوتة أبو العلاء، واي شرف عند أولئك الذين سطوا على البلاد وقد أنتجوا سجونًا أشد بشاعة وعددًا من سجون النظام، وأي شرف عند من يمارسون شواء رؤوس القتلى، في تكرار بالغ البشاعة لفقه تاريخ الاستبداد؟

 

وها نحن وقد بتنا في البلاد المتشظية، لا نعلم على أي نحو ستكون القفزة التالية.

 

ـ سلطة تعمل أجيرًا عند الروسي/ الإيراني، وسواهما، ولم يتبق لها من سطوة السلطة على البلاد سوى السطوة على فقراء المدن.. فقراء الأرياف، وجيش يموت شبابه في أزقة مدن رحل عنها ساكنيها.

 

ـ ومعارضات، تتنقل في الطائرات على الدرجة الأولى وإن لم يكونوا رجالاً أوائل.

 

معارضات، هجينة، جلّ مآثرها أن تهتف لـ (أسد) في إستنبول، فيما أسد إستنبول يبيعهم مرة لحكومة السرّاج على هيئة (بلاك ووتر)، بفارق ضآلة مهاراتهم بالقياس مع بلاك ووتر الأم، ومرة يلقي بهم في متاهات الحدود الفاصلة ما بين تركيا واليونان، وهناك يبعث بهم ليكونوا قفازاته في وجه الأوربيين وهو يمارس عليهم الابتزاز، وقد ضاقت أوربا بالمهاجرين حتى باتت تستولد نازية جديدة لا نعلم على وجه اليقين متى ستطل برأسها لتمارس التنكيل بالمهاجرين.

 

وها قد باتت البلاد ما بين قبضتين:

 

ـ قبضة رجب طيب أروغان الذي يلعب  حلم الخلافة برأسه معزّزا بفتاوى الإخوان المسلمين.

 

ـ وقبضة فلاديمير بوتين، الرجل الذي يحاكي بطرس الأكبر وقد زرع قدميه في المياه الدافئة وباتت له قاعدة في حميميم.

 

ـ أما نحن؟

 

نعلم علم اليقين، أن تسع سنوات حرب كافية لتمنحنا درسًا في الكيفية التي تبرد فيها الرؤوس، فأبناء الرؤوس الحامية، لم يعلقوا على الحدود الفاصلة ما بين تركيا واليونان.. هؤلاء  لن يمارسوا الحيرة في البحث عن مقابر الأبناء ليتسنى للأمهات البكاء على أولادهن، فأولاد هؤلاء لا يموتون وإن كانوا يحرّضون على الموت بإطلاق الزغاريد.

 

الذين يموتون، هم أولئك الذين يرحلون إلى التراب آخذين معهم مواهبهم، فبيوتهم بيوت بلا أثاث وإن ثمة أثاث فمآلها أسواق المرتزقة "العفاشين"، ومن فينا لا يدري أن جنود الجيش كما مقاتلي الجبهات على الضفة الثانية، يشكون من الخيبة من الزمن الميت، ذاك الزمن الذي يدفع بجندي يقف على حاجز في الزمهرير ليكتب منشورًا على الفيس بوك يقول فيه:

 

ـ أليس من الظلم يا إلهي أن لا تشاركني امرأة الفراش وأنا من مدينة نصف نسائها مرملات؟

 

فيما مقاتل على الطرف الآخر من الحرب يصرخ طالبًا من الله.. الله وحده أن يدله على ما ستؤول إليه الأحوال؟

 

كثيرأ ما رددنا أننا دخلنا الليل الطويل.. ليل العقائد والقمامة ونبّاشي المقابر.

 

ـ نعم نباشو المقابر، أولئك الذين يطلعون تارة من بطن النظام وينزلقون في لحظة ثانية من أقفية الباحثين عن الحوريات؟

 

ويأتيك من يمجّد الحرب وهو من غير المتحاربين، وبكل تفاهة يهبط على أكتافك ليقول لك:

 

ـ أريد ولا أريد.

 

ثم ينطق باسمك.

 

تصوّر أن ينطق باسمك ذاك القادم من الوحل، حتى تفضّل أن لا يكون لك اسمٌ وأن تغرق في المجهول من الأسماء.

 

وهذا الذي يريد ولا يريد، كان قبل هنيهة مرتزقاً من لقطاء النظام ثم تدحرج ما بين ليلة وضحاها إلى حرملك التركي والمال الخليجي، ثم لم يلبث أن وجد مكانًا عند الإيغوري والتركمانستاني وفي جبهة النصرة، موطدّاً العزم بأن الرايات السوداء هي مفاتيح الخلاص.

 

ـ أيّ فظاعة نحن فيها، حتى بات علينا أن نردد مع نجيب سرور:

 

هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة .

 

لم يلق في طول الطريق سوى اللصوص،

 

حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..

 

فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! ”