عشتم وعاش الموت

نبيل الملحم
 
 

كانت دمشق المدينة الكوزموبوليتية، وقد تعايش فيها الشركسي مع العربي مع الأرمني مع الكردي باعتبارها:

ـ مدينة البسطة.

 
ولا نقلل من شأن المدينة إن وصفناها بالبسطة، فهي السوق والسوق لا يشترط عليك سوى أن تكون زبونًا:
ـ هات قمحك وخذ حريري.
وعلى ضفاف نهرها، كان الفردوس.
ومع القمح والنهر، كانت تتشكل ملامح الأمة.. 
بالوسع القول أنها الامة الديمقراطية.. ألم يكن لها برلمانً يخطب فيه خالد العظم فاسحًا المنبر لخالد بكداش؟
 
حقًا كانت المدينة الفردوس، مع أن الله، لم يكن ليمارس سطوته على المصلين، فالمسجد الأموي وقد بني على ما سبقه من حضارات، ديانات، عقائد، مازال يحتفظ برأس النبي يحيى، وحين تجالس العم يوسف، ومخزنه على ذراع من الاموي، فقد يدعوك إلى الصلاة مؤكدًا عليك وأنت الملحد، أنه يدعوك إلى:
ـ صلاة من باب الاحتياط.. لعلّ الله موجودًا.
دون أن يتردد في سؤالك:
ـ هل انت سعيد؟  
 
إن كنت سعيدًا فستفتح لك بوابات الله.
 
أما عن خطاب الكراهية، فقد وصلها متأخرًا، ذلك أنها، ونعني الكراهية، فالكراهية استثمار أسوة بالمواد الخام الأخرى كالفلزات المعدنية إن شئت، وكما الرصاص إن شئت، فاستنبتت الكراهية فيها، وكان استنباتها قد حُمِل وجبل مع التحوّلات الهائلة وقد جعلت من التمرّغ في وحل السلطة مصدر رزق، والسلطة التي تستثمر في  الله، لن يعوزها الاستثمار في مهرجيه إذا ماكانوا ينفعون لتوطيد شراهة السلطان، فباتت دمشق:

ـ قلب العروبة النابض.

حتى إذا ما تصادف وولد للكردي بنتًا فعليه أن يتجنب تسميتها بـ  روزهات، مع أنه اسم يتصل بـ "الغد".. كان عليه أن يسميها : 
ـ ابتسام.
 

هي ذي تعليمات محمد طلب هلال، الملازم في الجيش الوطني الذي باءت بندقيته بالفشل حين سدد بها صوب الإسرائيلي.
 
العروبة وحدها، وعلى الطرف الآخر، ذاك الاقتتال الدامي مع الإسلاميين الذين لايرون فيما عداهم سوى:

ـ أرض الكفر. وقد أمسكوا بعباءة القدر، حتى باتوا يرسمون طريق الله وملامح الله ومزاج الله، ولم يحل بينهم وبين إقالة الله واحتلال مقعده سوى انتصار السلاح. 
 
ومعهما تأرجحت البلاد مابين خيارين:

ـ العروبة والإسلام.

 
وكان على أحدهما التهام الآخر.

 
على الطرف الاول "قلب العروبة النابض"، وفي الطرف الثاني "الغيب" وقد حط بكلكله على البلاد فآلت البلاد إلى ما آلت إليه،  لتبدأ الحروب باللغة، ومن ثم تستدرج إلى الرصاص، ولأخذ العلم، فكل رؤساء سوريا ماقبل حافظ الأسد، كلهم وبلا استثناء، لم يكونوا عربًا، ولم يكن من بينهم واحدًا "أسد الإسلام"، ومع ذلك كانت سوريا قد دفعت مهاتير محمد ليقول:

ـ سأقلّد النموذج السوري في إدارة بلادي.
وكان أن حاكاه.
ولأخذ العلم، لم يكن معاوية من أهل الله، فقد كان رجل دولة ورجل سلطة ورجل اقتصاد فـ:
ـ أمطري حيث شئت فخراجك لي.
تلك هي دولة معاوية وهذا ماكان عليه حاله.
 
وبالنتيجة:

ـ عروبة، في بلاد سبق وأنتجت اباطرة لروما، من بينهم  ماركوس يوليوس فيلبس، وقد جردناه من اسمه وأطلقنا عليه فيليب العربي، وليس للموتى حق الانتفاض على تغيير أسمائهم، ويقابل عروبتنا الإسلام، وأي إسلام؟
 
إسلام في بلاد، الله فيها من يدخل بوابة الاحتياط، من الباب الخلفي للبلاد.

 
ومع صراعهما، لا العروبة ربحت، ولا الإسلام كان، فيما ارتفع خطاب الكراهية في البلاد حتى بات الكردي (بويجي) و (الدرزي بـ ذيل) و (العلوي حضيرة للجنس الجماعي)، و (السني وافد من الربع الخالي وما عليه الغرق بالرمال)،ومع كل خطوة نحو الكراهية، خطى في لغة الكراهية وفي نكتة الكراهية، وفي تجريم الآخر وتحريمه انتقالاً نحو حرب، كلنا يعرف كيف ابتدأت ولا أحد فينا يعرف متى ستنتهي وإلى ماذا ستؤول.

 
هو خطاب الكراهية.. وحده كان الاستثمار ومعه ألف شكل وشكل من المستثمرين، أولئك الذين:

ـ لايقولون ما ينبغي قوله عندما ينبغي، فيما يقولون كل ما لاينبغي قوله حين لا ينبغي.

ولنتعقلن أكثر في سرد ما لايسرد في كلمات.
 
هو خطاب الكراهية الذي يعني فيما يعنيه:

ـ عرق أفضل من عرق وأمة تعلو على أمة، وعقيدة تعلو على عقيدة، وبالنتيجة طغيان يعلو على الجميع، فالمذابح الكبرى تبدأ باللغة، وها نحن وقد بتنا في عالم السوشيال ميديا، عالم التعليقات المشحونة برذاذ العاطفة والانفعال، فيما كلام الحقائق لايحدث فرقًا، وليس بيننا (روزا باركس)، تلك التي لم تخل مقعدها في الحافلة للرجل الأبيض، ما أنتج لاحقًا تلك الثورة العظيمة التي قادها وأرسى عظمتها مارتن لوثر كينغ.

 
مازلنا نمنح مقاعدنا لمن يؤجج فينا الكراهية، ليكون:

ـ الشيعي بمواجهة السني.
ـ العربي بمواجهة الكردي.
ـ الدرزي والمسيحي فارق عملة في الصراع.
أما العلوي فإلى ما بعد المجهول.
 
وعن دمشق، فهاهي تنسحب خطوة وراء خطوة إلى ليل القبائل والجحيم.
هو الغيب وقد أودى بنا إلى الغياب.
عشتم وعاش الموت.