منتدى دافوس: دوافع التوسع والحضور الكردي

د. أحمد يوسف
 

رأت المنظومة الرأسمالية مع دخولها سبعينيات القرن العشرين نفسها في مواجهة العديد من القضايا الهامة والمصيرية في مسار تطورها المتميز بدورية الأزمات فيها، وذلك بعد فترة قصيرة جداً من دخولها عصرها الذهبي مع بداية الستينيات من القرن ذاته. وتأتي قضايا السكان والتنمية والطاقة والبيئة بما تحملها من كوارث ناجمة عن انعدام الضوابط البيئية لدى مشغلي آلة الإنتاج في الرأسمالية الصناعية من أهم التحديات التي واجهتها هذه المنظومة، فما كان أمام مراكز القرار العالمي إلا البحث عن سبل المواجهة من خلال عقد مؤتمرات دولية متخصصة في تلك الأزمات للخروج برؤى وحلول جزئية، غايتها ضمان استمرار تطور آلة الإنتاج تحقيقاً للربح الأعظمي الذي يشكل الهدف الأسمى في المنظومة. لذلك تتوالى من حينها إلى يومنا هذا الاجتماعات المتعلقة بالقضايا المصيرية للبشرية دون أي تراجع في تفاقماتها، بل على العكس تماما، يبدو أنه هناك علاقات ارتباط قوية بين التطور التقني وتفاقم القضايا البشرية المتنوعة في ظل سيطرة المنظومة السياسية الهادفة إلى تعظيم أرباح الشركات دون الاكتراث لنتائجها الكارثية والأصوات المناقضة لها.
 

وقد كان هذا التوجه واضحاً في إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن عدم رغبتها في تخفيض نسبة مساهمة في إطلاق غاز أول أوكسيد كربون وغيرها من ملوثات البيئة التي تساهم في التغير المناخي، نظراً لما لذلك القرار من تأثير مثبط على نشاط شركاتها المتعددة الجنسيات.
 

في دوامة دخول هذه المنظومة المتحكمة بمصير الكرة الأرضية وسكانها في مواجهة القضايا المستحدثة في ظلها وبتأثير آلتها الإنتاجية، برز اسم "كلاوس شواب" أستاذ الاقتصاد الألماني بإعلانه عن تأسيس منتدى دافوس في عام 1971م. وقد عرفه بكونه منظمة غير حكومية وغير هادفة للربح مقرها مدينة جنيف السويسرية، وتشكل مساحة تلاقي النخب من ممثلي بعض الشركات الكبرى في العالم، والقادة السياسيين بهدف النقاش في المشكلات. واعتباراً من تاريخه يتوافد كبار رجال السياسة وأباطرة المال والاقتصاد إلى مدينة دافوس السويسرية للقاء ومناقشة القضايا المتنوعة التي تواجه منظومة العلاقات المتكونة ما بين أقطاب السياسة والمال في عالم الأزمات المستديمة.
 

لماذا دافوس؟

لم يكن اختيار هذه المدينة الصغيرة القابعة شرق جبال الألب والمطلة على نهر لاندويسر في كانتون غروباندن السويسري نابعاً من الفراغ، فالمدينة التي تملك ميزات جمالية وبيئية كانت مقصداً لأثرياء العالم منذ منتصف القرن الثامن عشر، للاستجمام والاستمتاع بهوائها العليل للمعالجة الطبيعية من بعض الأمراض التنفسية.
 

كان تأسيس المنتدى واللجوء إلى هذه المدينة لعقد اجتماعاته السنوية بمثابة تكرار التجربة من قبل أثرياء العالم، ليس للمعالجة من المشكلات الصحية فحسب، وإنما لمعالجة القضايا السياسية والمالية التي تهمهم وتؤمن استقرارهم في ظل التهديدات الناجمة عن المشكلات التي تواجه المنظومة السياسية والمالية العالمية بصورةٍ مستمرة.
 

المسند الثالث

إن الكرنفال السنوي الذي تشهده هذه المدينة بين رجال السياسة والمال ليست رحلة استجمام يقوم بها مشاهير العالم وقادتها من السياسيين والاقتصاديين وبعض الأكاديميين الذين يتم اختيارهم بدقة بقدر ما هي عملية قراءة سريعة ومعمقة لأحداث عام مضى وآمال عام قادم، إذ يتم رسم خطط واستراتيجيات العالم على أساس تبني طروحات وأفكار المدرسة النيوالليبرالية إلى جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وبذلك إذا كانت المؤسستين الأخيرتين الرجلين للنظام السياسي والاقتصادي والمالي الدولي، فإن منتدى دافوس يشكل الرجل الثالثة الداعمة لها. وقد يكون اللَين الآخرين بخططهما وسياساتهما لبسط نفوذ المدرسة النيوليبرالية على امتداد المعمورة عبر استخدام أدواتها القوية في تغيير أشكال النظم السياسية وهيكلة المؤسسات في جميع الدول التي تقع تحت رحمتها.

 

تعاظم الدور

لقد وصف هذا المنتدى بنادي الأغنياء أمراً دقيقاً وله دلالاته التميزية تجاه الفقراء، حيث لا مكان لفقراء الكون باحتلال مواقعٍ لهم في دهاليزه وغرفه السوداء، تعاظم دوره مع دخول الأقلية الجديدة، وتوسع ظاهرة العولمة وما نجم عنها من تعقيدات في القضايا الإنسانية والبيئية تشكل تحديات جوهرية للمنظومة المتسيِّدة بفعل الأرجل الثلاثة وما تملكها من أدوات. فما كان من إدارة المنتدى إلا أن تبحث عن خطط إبقاء فعالية دافوس بوتيرتها العالية، لذلك تم اتخاذ قرار عقد اجتماعات إقليمية على مدار كل عام في قارات العالم. ولا سيما في آسيا وأفريقيا وأمريكا للبحث في القضايا المحلية والإقليمية، خاصةً في المناطق الساخنة، كالشرق الأوسط، المقبل على تغيرات جوهرية. حاملةً معها إرث قرون من التناقضات حول القضايا القومية والأثنية والطائفية، وتستوجب هذه التغيرات، من وجهة أصحاب المدرسة النيوليبرالية، وضع قواعد متناسقة مع أهداف منتدى دافوس في بسط نفوذ هذه المدرسة على العالم.

 

وتأتي تلك القواعد من خلال عقد مؤتمرات إقليمية لدافوس في عاصمة أو مدينة شرق أوسطية ذات تأثير على العلاقات العربية –الإسرائيلية، فكان اختيار العاصمة الأردنية عمان ومنتجع شرم الشيخ المصري للقيام بأداء هذه المهمة للتوجه نحو الشرق الأوسط الكبير.

 

لا تقل قارة أفريقيا أهميةً عن أي بقعةٍ جغرافية أخرى على امتداد المعمورة في حسابات النيوليبراليين، نظراً لما تملكها من موارد طبيعية وبشرية تؤهلها لأن تكون الخزان الذي لا ينضب لتلبية جشع رأس المال العالمي، ويفرض ذلك انعقاد المؤتمرات الإقليمية فيها لتطبيق مخرجات النظام العالمي المعولم في القارة السمراء.

 

يحمل المنتدى أجندة شاملة للتأثير في مختلف مجالات الحياة في المناطق التي تشملها في برامجها التغيرية، بدءاً من التأثير في سلوكيات الشباب وتأمين فرص العمل لهم، وانتهاء بسلك القضاء والصحة وتطوير القطاع الخاص، إلا أن الوقائع التي تعيشها البشرية تؤكد تفاقم القضايا تدريجياً، وهذا ما يؤكد غياب التوجهات الإصلاحية لتحقيق العدالة الاجتماعية على الصعيد العالمي، حيث بات ما يملكه أقل مائة أغنى شخص في العالم يعادل ما يملكه أربعة ونصف مليار أفقر شخص.

 

الحضور الكردي

بات الحضور الكردي عبر ممثلي إقليم جنوب كردستان في مؤتمر دافوس تقليداً سنوياً بعد تطور علاقاته مع المحيط الإقليمي والقوى العالمية، مما يعني أن دائرة نفوذ دافوس قد بدأت تشمل الكرد كجزء من النظام السياسي والاقتصادي والمالي العالمي. فهل سيتطور ذلك ليشمل كرد الأجزاء الأخرى.