الانقسام بين كرد سوريا، تجاوز البرامج السياسية والمناكفات الحزبية والاصطفاف في محاور محلية وإقليمية ودولية إلى رفع صور وأعلام متعلقة بالأجزاء الكردستانية في الجوار الجغرافي، ولعل أكثر ما يثير هذا الانقسام، هو رفع البعض صور الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، ففي مقابل رفع محبيه صوره في مناسبة ومن دونها، ثمة من يرى أن رفع هذه الصور، تضر بكرد سوريا، وتشكل تهديدا لهم، على اعتبار أن تركيا تتخذ منها حجة لشن المزيد من العمليات العسكرية ضدهم وضرب مقومات وجودهم. وعليه يرى هؤلاء أنه لا ينبغي إعطاء مثل هذه الذريعة لتركيا.
بدأت القصة بالتفاعل مع رفع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) صورة كبيرة لأوجلان في الاحتفال الذي أقيم في الرقة عقب "تحريرها" من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قبل أقل من سنتين، وقتها سارعت تركيا إلى القول أن رفع صور أوجلان دليل على نيتهم تقسيم سوريا وإقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية، وأن من يقف وراء ذلك هو حزب العمال الكردستاني المصنف في قائمة "الإرهاب"، ومع أن الإدارة الذاتية اتجهت بعد ذلك إلى التخفيف من رفع صور أوجلان في المناطق الواقعة تحت سيطرتها في شرقي الفرات إلا أن الظاهرة استمرت، إذ كلما خرجت دورية مشتركة تركية – روسية، أو تركية – أمريكية في المناطق الحدودية، خرج محتجون يرفعون صوره ويلوحون بها في وجه القوات التركية، وهو ما يبقي الجدل على أشده، ويعطي له أبعاداً تتجاوز رمزية رفع صور أوجلان إلى مطالبة أحزاب كردية ولا سيما أحزاب المجلس الوطني الكردي كل من حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات "قسد" والإدارة الذاتية بقطع العلاقة مع قنديل شرطا للمصالحة وتشكيل مرجعية كردية واحدة إلى جانب شروط أخرى، لعل أهمها السماح بعودة قوات بيشمركة روج أفا من إقليم كردستان العراق إلى مناطق الإدارة الذاتية في الداخل السوري.
يقول محبو أوجلان، إن رفع صوره يأتي في إطار التذكير بقضيته، واستمرار وجوده في المعتقل منذ أكثر من عقدين، وأن أوجلان ليس زعيما كرديا تركيا فحسب بل زعيما لكل الكرد، وهو في الأساس بات بمثابة المفكر الذي يشغل وجدان الكرد في مختلف مناطق تواجدهم، ليرد الخصوم بأن لكل جزء كردي خصوصيته، ويجب مراعاة هذه الخصوصية كي لا يتضرر بسبب سياسات الأشقاء، ويقولون بأن كرد تركيا أولى برفع صور أوجلان من كرد سوريا، ويستشهدون بما فعله حزب الشعوب الديمقراطي في مؤتمره الأخير بأنقرة، عندما أمتنع عن رفع صور أوجلان، ويذهب هؤلاء أكثر عندما يقولون أن الذين يرفعون صور أوجلان ليسوا سوى عملاء لتركيا على اعتبار أنهم يدفعونها بهذا السلوك تركيا إلى احتلال باقي المناطق الكردية على غرار ما جرى في عفرين.
في اشتداد الجدل الجاري، يرد بعض أنصار الإدارة الذاتية على مطالبة أحزاب المجلس الوطني بفك الارتباط مع قنديل، بقطع هذه الأحزاب لعلاقاتها مع أربيل والكف عن اتخاذها مرجعية لكرد سوريا في إطار المطالبة أو المعاملة بالمثل، وهكذا يستمر الجدل، وتتبخر كل المبادرات التي تطرح لترتيب البيت الكردي السوري وتشكيل مرجعية سياسية واحدة.
السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا الجدل العقيم، هل المسؤولية تقع على الأطراف الكردية السورية فقط أم أن كلاً من قنديل وأربيل تتحملان المسؤولية الأكبر؟.
دون شك كل طرف من هذه الأطراف يتحمل المسؤولية بهذا القدر أو ذاك، وإذا كان العجز لدى الأطراف الكردية السورية يتجلى في ارتباطاتها الكردستانية المعيقة لوحدة كرد سوريا، فإن مسؤولية كل من قنديل وأربيل مضاعفة، إذ أن البحث عن الزعامة أو المشروع لا ينبغي أن يكون على حساب وحدة كرد سوريا ومخاطر الانقسام الذي يهدد مصيرهم ووجودهم وتطلعاتهم.
في جميع الأحوال، وبغض النظر عن مسؤولية هذه الأطراف مجتمعة، وبغض النظر عن حجم الخلافات الموجودة، ودور الأطراف الكردستانية في ذلك، فإن لا شيء يبرر بقاء الانقسام بين الأطراف الكردية السورية على حاله، إذ أن خطر استحقاقات الساحة السورية والأجندة الإقليمية، يهدد الواقع الكردي القائم ومصير الكرد، وهذا يتطلب من الجميع التخلص من العقلية الحزبية الضيقة والعمل وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة الجمعية في إطارها العام أولا، وثانيا القيام بمراجعة السياسات والعلاقة مع المرجعيات الكردستانية في إطار رؤية تحرر كرد سوريا من التداعيات السلبية للارتباطات القائمة وبناء علاقة إيجابية مع هذه المرجعيات بعيدا عن الانقسامات الحزبية وإنما في إطار مرجعية واحدة، وثالثا بدفع نقاط التوافق إلى حيز العمل المشترك بحثا عن مرجعية واحدة تقود برنامجا سياسيا معبرا عن واقع المرحلة وإدارة العلاقة مع الأطراف المعنية بالأزمة السورية، دون ذلك فإن مسؤولية الأطراف الكردية مضاعفة وبمثابة جريمة سياسية لما يمكن أن يتعرض له الكرد من مخاطر حقيقية تهدد وجودهم وقضيتهم وتطلعاتهم.