من مرج دابق إلى درع الربيع .. الخطر القادم من الشمال

 

خورشيد دلي

 

كان الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، يؤكد دوماً على أن الخطر الأكبر على منطقة الشرق الأوسط قادم من الشمال، وهو عندما قال ذلك، كان ينطلق من معرفته العميقة بالطبيعة الأيديولوجية للدولة التركية، تلك الايديولوجية التي قامت على الدمج بين الأفكار القومية الطورانية المتطرفة والإسلام السياسي بتجلياته المختلفة عبر التاريخ.              

 

اليوم ومع إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إطلاق عملية (درع الربيع) في شمال غرب سوريا، ثمّة نزعة تركية عثمانية تنهض من عمق التاريخ، لتفرض وقائع جديدة على الجغرافية على شكل احتلال وسيطرة، ولعلّ ما جرى من احتلال لجرابلس وعفرين ورأس العين/سري كانيه  شجّع أردوغان على الاستمرار في هذه النزعة وإطلاق عملية درع الفرات، وهو ما يؤكد أن المعركة الجارية في الشمال السوري لم تعد معركة الفصائل السورية، المعارضة ضد النظام السوري بقدر ما هي معركة مشروع تركي يتوسع كلما تسنى لأردوغان ذلك، وعليه القضية لم تعد  قضية إدلب وحدها بل كامل جغرافية المنطقة، وقد كان الزعيم التركي المتطرف رئيس حزب الحركة القومية التركية دولت باهجلي واضحاً في ذلك، عندما قال قبل أسابيع إن الجيش التركي يجب أن يصل إلى دمشق.

 

 مع اختلاف الظروف، فإن ما يجري اليوم في الشمال السوري، يذكّرنا بما جرى في معركة مرج دابق، عندما انتصر السلطان العثماني سليم الأول على قائد المماليك قانصوه الغوري عام 1516، ليبدأ بعد ذلك موجة الاحتلال العثماني للدول العربية دولةً دولة، وليبقى ذلك الاحتلال أربعة قرون قبل أن يندحر.        

 

 من أهم أسباب اندلاع معركة مرج دابق، كان التنافس العثماني – الصفوي على دولة المماليك والتحالف معها من أجل المزيد من الهيمنة والتوسع، ولعلّ التنافس الإيراني – التركي اليوم في الصراع على الجغرافيا السورية يشكل استمراراً لذلك التاريخ، مع فارقٍ أن الروسي موجود إلى جانب قوات الدولتين في شمال غرب سوريا، ولعلّ الوجود الروسي هذا يجعل من المعركة الجارية في إدلب محكومةً أكثر بقواعد الصراع الدولي ومعادلاته في رسم الخرائط الجديدة، إذ إن العقبة التي تعترض مشروع أردوغان هو هذا الوجود، وعليه يمكن تفسير طلب أردوغان من بوتين قبل أيام التحييد عن المعركة ليعرف كيف يتحرك ويتصرف على الأرض عسكرياً، وما عملية درع الربيع إلّا بداية هذا التحرك التركي لتغيير الواقع الميداني على الأرض تمهيداً لمرحلةٍ أخرى من التوسع.  

 

في يوميات التاريخ السابقة لمرج دابق، كانت العلاقات بين المماليك والعثمانيين ودّيةً وفي تحالفٍ، كما كانت بين دمشق وأنقرة قبل اندلاع الأزمة السورية، كما كانت هناك مفاوضات وتفاهمات بين الجانبين على كيفية ترتيب الوضع الأمني في مناطق الشمال السوري، كما هي حال اتفاقات أستانا وسوتشي، وعليه، فان مجريات التاريخ تشبه كثيراً ما يجري في شمال غرب سوريا اليوم، دون أن يعني ما سبق أن النتيجة ستكون نفسها، إذ ثمًة عامل روسي بات حاسماً في تحديد المعادلات، كما ثمّة واقع عربي جديد يرفض النزعة العثمانية الجديدة لأردوغان ولاسيما بعد انكشاف مشاريعه التوسعية بعد تورطه العسكري في ليبيا.      

 

من مرج دابق إلى درع الربيع، لم تعد القضية قضيةً سوريةً بين المعارضة والنظام، بل قضية خطرٍ على كامل المنطقة، قضية مواجهة مشروعٍ عثماني جديد ركب على شعار دعم  (الثورة السورية ) التي يريدها أردوغان مدخلاً لإعادة إحياء إمبراطورية أجداده البائدة.