فلسطين/رام الله – NPA
لم تقتصر ردود الأفعال على الفلسطينيين فقط إزاء التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، حول نيته إطلاق اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على “قرية” في هضبة الجولان؛ “تقديراً لاعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هذه الهضبة”.
إذ رصدت وكالة “نورث بريس” أن ثمة ردوداً إسرائيلية متباينة حيال ما أعلنه نتنياهو عبر فيديو مصوّر بينما كان الأخير في زيارة لهضبة الجولان وجبل الشيخ، الثلاثاء، برفقة زوجته سارة وابنه يائير. نتنياهو، أكد فيه أنه سيعرض هذا الاقتراح على الحكومة الإسرائيلية قريباً.
وكان ترامب وقّع الشهر الفائت إعلاناً رئاسياً اعترف من خلاله بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة عام 1967 وفق إقرار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
الصحافي من عرب إسرائيل، عمر ربيع، قال لـ “نورث بريس” أن تصريحات نتنياهو بهذا الشأن قُرئت بمسارين في إسرائيل؛”فاليمين الحاكم الذي يتزعمه نتنياهو (يخوض مفاوضات لتشكيل ائتلافه الحكومي الجديد)، رحب بهذا الإعلان وبارك أي خطوة عملية بهذا الاتجاه”؛ معتبراً إياها “تقديراً يستحقه ترامب”.
وأما المسار الآخر للتعليقات الإسرائيلية على ما قاله نتنياهو، فأوضح الصحافي المتابع للشأن الإسرائيلي عمر ربيع، أنه تمثّل باستهجان تيار المركز واليسار لهذه الأقوال؛ من منطلق اعتبار ترامب “شخصية مثيرة للجدل وشوفينية.. معادية للنساء والأقليات والمهاجرين”.
وذهب بعض الإسرائيليين اليساريين إلى السّخرية من تصريح نتنياهو عبر منشورات وتغريدات في موقعي التواصل الاجتماعي “فيسبوك وتويتر”، لدرجة أنها أطلقت النكات بحق تصريحات نتنياهو، وفق الصحافي ربيع.
ورصدت وكالة “نورث بريس” تصريحاً لعضو الكنيست الجديد من حزب كحول لافان (أزرق أبيض) يوعاز انديل، إذ قال: “مع كل الاحترام للرئيس ترامب فإن العادة الصهيونية هي إطلاق أسماء ضحايانا من الجنود الذين قدموا أرواحهم دفاعاً عن إسرائيل، هم الأولى بإطلاق أسمائهم على مدننا وقرانا وليس اسم الرئيس ترامب مع احترامنا له”.
والواقع، أنه في حال تسمية “القرية” الجديدة باسم ترامب، فإنها لن تكون الأولى من نوعها، فقد سبق وأن أسمت إسرائيل قبل /66/ عاماً، أي مطلع خمسينيات القرن الماضي، قرية واقعة قرب مطار “بن غوريون” الدولي على اسم الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان، فبات اسمها “كفار ترومان”. وجاءت التسمية تكريماً للرئيس الأسبق ترومان؛ لأنه أول رئيس اعترف بإسرائيل عقب تأسيسها.
كما وأسمت حكومات إسرائيل العديد من المدن والقرى بأسماء زعماء غربيين لوقوفهم إلى جانب تحقيق حلمهم بتأسيس “دولتهم” في فلسطين، مثل وزير خارجية بريطانيا الأسبق بلفور وغيره.
ولكن.. ما هي الدلالة السياسية والعملية لعزم نتنياهو تسمية “القرية” على اسم ترامب؟
الباحث في مؤسسة “فريديريش ناومان” الألمانية في القدس، والناشط السياسي والمدني الفلسطيني د. سليمان أبو دية، قال لوكالة “نورث بريس”، أنه يرى مقولة نتنياهو الأخيرة، بمثابة استعراض إعلامي لإرضاء “الإيغو الذاتية اللامحدودة” لشخصية ترامب.
وبالرغم من ذلك، فإن أبو دية يُقر أن الأمر يقتصر فقط على الاستعراض الإعلامي، بل ويتعداه لتكون تسمية قرية ولو صغيرة في الجولان على اسم “ترامب”، توطئة “لشرعنة المستوطنات والتهويد المكثف للمنطقة المذكورة”.
وتابع أبو دية “الإسرائيليون يتكلمون مع ضيوفهم عن الجولان على أساس أن أمر الهضبة منتهٍ ومحسوم بالنسبة لإسرائيل”، مشيراً إلى أن حكومة تل أبيب تعتبر الجولان جزءاً من استراتيجيتها الأمنية لإبعاد السوريين وغيرهم حتى لا يشكلوا تهديداً لوجود إسرائيل.
ولهذا، فإن ما صرح به نتنياهو حول تسمية تلك القرية، مرتبط بمخطط إسرائيلي جاد لتكثيف الوجود اليهودي في الجولان، بغية فرض وقائع جيو-سياسية تجعل من المستحيل في أي يوم من الأيام أن تُعاد هذه الهضبة لسوريا.
ومن جانب آخر، يرى البعض أن نية نتيناهو تسمية القرية على اسم ترامب يُراد بها أن يستبق أي محاولة أمريكية للطلب منه لتقديم تنازل للفلسطينيين في إطار صفقة “القرن” التي ستعلن في يونيو/حزيران المقبل، ليقول له صراحة “واحدة بواحدة.. لا تقل لي أعطيتك الجولان، فتنازل للفلسطينيين”.
غير أنّ أبو دية، يعتبر الربط السابق بين التسمية ومحاولة نتنياهو تلافي أي تنازل في صفقة القرن، ليست أكثر من “أُمنية فلسطينية”؛ مبيناً أنه لا يرى أن هذا الربط واقعي، لأن معالم صفقة القرن باتت شبه واضحة.. بالنسبة لحل الدولتين والقدس والأغوار والمستوطنات. فحسب “المفهوم الترامبي” تم إسقاط هذه القضايا التي تعتبر أساساً لحل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية.
ولهذا يتساءل أبو دية: ماذا تبقَّى للفلسطينيين حتى يطلب ترامب من نتنياهو تقديم تنازلات؟تسهيلات اقتصادية وتنمية؟، “فهذا يرفضه الفلسطينيون”.
وتطرق أبو دية إلى موقف الأوروبيين بشأن الجولان، حيث قال “إنهم سيبقون على موقفهم باعتبار الجولان أرضاً محتلة وهم متمسكون بالقرارات الدولية بخصوصها، لأنه لا حل بديل لحل صراعات الشرق الأوسط”.
ويضيف أبو دية أن أوروبا تراهن الآن أنه بعد سنة ونصف السنة تأتي إدارة أمريكية جديدة كنتيجة للانتخابات الرئاسية القادمة، لتتعامل بطريقة أخرى مع الشرق الأوسط وقضاياه، بما فيها الصراع العربي- الإسرائيلي، أي غير طريقة ترامب التي تقلق الدول الأوروبية كثيراً.
وبالعودة إلى أبعاد وأهداف نتنياهو من وراء إعلانه بشأن التسمية المرتقبة لقرية في الجولان على اسم ترامب، فإن الصحافي عمر ربيع يعتقد أن نتنياهو يريد أن يحفز ترامب على منح إسرائيل مكتسبات أخرى غير القدس والجولان. بمعنى آخر “هو يريد أن يحفزه أو يقدم له رشوة من خلال هذه التسمية”.
بُعدٌ آخر لتصريح نتنياهو، يكمن بمحاولته إثارة منافسة بين الديمقراطيين والجمهوريين، عبر القول “أنا خلّدت اسم ترامب بسبب ما فعله لإسرائيل، فماذا أنتم أيها الديمقراطيون فاعلون لنا؟”.
ولا ننسى أيضاً توقيت التسمية، فهي إن تمت تعني أن نتنياهو يعبر بذلك عن وقوفه إلى جانب الرئيس دونالد ترامب الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية بعد نحو ثمانية عشر شهراً؛ في ظل حديث عن تراجع شعبيته.
ولعل الدعم الذي منحه ترامب لنتيناهو في انتخابات الكنيست، دفع الأخير أن “يردّ الجميل” له بالانتخابات الأمريكية المرتقبة أيضاً؛ خاصة وأن لإسرائيل نفوذاً وتأثيرات في الحملات الانتخابية.
المواطن الفلسطيني العادي كانت له طريقته في التعاطي مع عزم نتنياهو تسمية “قرية الجولان” باسم ترامب، وقد تجسد رد بعض الفلسطينيين عبر إعادة نشر الفيديو الذي تكلم به نتنياهو من على هضبة الجولان، أو صور تجمعه بزوجته سارة وابنه يائير، دون أي تعليق من قبلهم.
فيما علق آخر بعبارة تجمع بين الإحباط وانتقاد الحال من قبيل “بستاهل ترامب”. بينما علقت ناشطة على “وعد التسمية” الذي أطلقه نتنياهو؛ بتغريدة على تويتر قالت فيها: “أعطى من لا يملك لمن لا يستحق في حالة ضعف واستكانة أصحاب الحق”.