خاص – NPA
تأتي جولة القتال الجديدة في ليبيا حول العاصمة طرابلس بعد سنوات من جمود الوضع السياسي والعسكري بين فريقين رئيسيين. في الشرق حيث قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر، وفي الغرب، بما في ذلك العاصمة طرابلس، قوات متنوعة، تلتف حول حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، بقيادة فايز السراج.
إلا أن دائرة الصراع الداخلية ترتبط بتداخلات خارجية معقدة، على مسارين: إقليمي ودولي.
ففي شباط/ فبراير الماضي، أعلنت الجمارك الليبية عن ضبط ثالث شحنة أسلحة قادمة من الخارج في غضون شهرين. وكشفت عمليات تهريب السلاح المستمرة، مسار التصعيد القادم، وهو ما لم يتأخر كثيراً، حتى اعلن المشير خليفة حفتر عملية “الفتح المبين” الأسبوع الماضي، بهدف السيطرة على طرابلس.
وتعد خيوط الصراع المتشابكة حول ليبيا صورة مصغرة عن الاصطفافات الدولية والإقليمية في عدد من الدول التي تشهد اضطرابات، مثل سوريا واليمن.
وتشير الصورة الظاهرية للمواقف الصادرة في اليومين الماضيين، إلى تغيير طرأ في موقف المحور الداعم للمشير خليفة حفتر، وأبرز الداعمين فرنسا ودولة الإمارات ومصر.
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان- إيف لو دريان، أمس السبت، في ختام اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع المؤلفة من القوى الغربية الرئيسية واليابان، حفتر، إلى وقف تقدمه نحو طرابلس والموافقة على إتباع خطة الأمم المتحدة.
وتسعى الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر في مدينة غدامس بجنوب غرب ليبيا من 14 إلى 16 من الشهر الجاري، لبحث الانتخابات، باعتبارها سبيلا للخروج من فوضى التناحر بين الفصائل التي سمحت بظهور المتشددين الإسلاميين في بعض المناطق.
وقال غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، أمس، إن الأمم المتحدة “عملت لمدة عام لهذا المؤتمر الوطني، ولن تتخلى عن هذا العمل السياسي بسرعة”.
ويرى مراقبون أن حفتر يريد السيطرة على طرابلس قبل موعد مؤتمر غدامس، لفرض شروط تفاوضية على خصومه في غرب ليبيا.
وانضمت دولة الإمارات إلى دعوة مشتركة مع فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، عبر التحذير من أن أي عمل أحادي لن يؤدي إلا إلى المجازفة بجر ليبيا نحو الفوضى.
وتعد الإمارات، إلى جانب مصر، من أبرز حلفاء حفتر، الذي تم استقباله في أبوظبي عدة مرات.
وأشارت صحيفة الاتحاد، الناطقة باسم إمارة أبوظبي، في افتتاحيتها، امس، إلى أن طريق الخروج من الأزمة “العمل يدا بيد من أجل محاربة وطرد الإرهابيين المتمثلين بالقاعدة وداعش وغيرهما من نكرات التطرف الأسود”. وغالباً ما يصنف الإعلام الإماراتي تنظيم الإخوان المسلمين إلى جانب تنظيم الدولة الاسلامية وتنظيم القاعدة، ولا تخفي استراتيجيتها في محاربة هذه الجماعة، في أي مكان وجدت فيه، وتعتمد تسمية القوات الموالية لحكومة الوفاق، خصوصاً “فجر ليبيا” بالميليشيات المتطرفة.
ولم يبتعد الموقف المصري المعلن عما سبق. فقد أكد وزير الخارجية، سامح شكري، أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للحل.
هذه المواقف الثلاثة لا تتناقض، ظاهرياً، مع مواقف الأطراف الأخرى المؤيدة لحكومة طرابلس، غير ان إصرار حفتر على الاستمرار في هجومه على العاصمة، رغم هذه النداءات، ورفضه وساطة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، يضع في الاحتمال إلى أن داعميه لم يقطعوا صلتهم به وبتحركه العسكري، بهدف قلب المشهد السياسي والعسكري، وتغيير موازين القوى. خصوصاً أن على الطرف الآخر هناك إيطاليا التي تخوض نزاعاً علنياً ضد فرنسا بخصوص ليبيا، وتحديدا التنافس بين شركتي النفط “إيني” الإيطالية، و”توتال” الفرنسية. كما تدعم قطر حكومة طرابلس، ويشن الإعلام القطري هجوماً مستمراً وحاداً على حفتر. والعلاقات بين قطر والإمارات شهدت انهياراً قبل عامين، بسبب ما تسمه الإمارات “الدعم القطري للإرهاب”، ونتج عن ذلك مقاطعة كل من السعودية ومصر والبحرين إلى جانب الإمارات، للحكومة القطرية.
ليس من الواضح، وفق المعطيات والمواقف المعلنة، ما إذا كان سيكون هناك تحرك دولي لإيقاف حفتر ومنعه من استكمال المعركة داخل طرابلس، إلا أن دوائر الصراع، الدولية والإقليمية، لم تحسم معركة تصفية الحسابات، ولا توجد ساحة أكثر هشاشة من ليبيا لتحقيق ذلك، لكن إذا أكمل حفتر الصراع، وسيطر على العاصمة، فسيشكل ذلك انتصاراً ساحقاً لداعميه الذين سيجدون أنفسهم وقد وجهوا ضربة لخصومهم، وهذا العامل تحديداً هو ما يستدعي قلقاً من جانب قوى دولية، مثل ألمانيا وروسيا، لمنع ذلك، والحفاظ على التوازن الهش، حتى لو تطلب ذلك وضع خطة الأمم المتحدة في الأدراج.