المستوردة وفق سعر الصرف والمحلية بسعر التكلفة.. خطة الإدارة الذاتية لـ”دعم” مواد غذائية

القامشلي – زانا العلي – نورث برس

 

تتجه الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، مؤخراً "للتخفيف" من وطأة غلاء الأسواق المحلية بفتح صالات مركزية لبيع سلع ومواد غذائية أساسية في المدن والبلدات الرئيسية بالمنطقة.

 

وتبنى الخطة الجديدة التي يرى فيها مختصون في مجال الاقتصاد، "غير مجدية" أو "عصية على التطبيق"، على مبدأ بيع المواد المنتجة محلياً بسعر التكلفة للسكان بينما سيكون بيع المواد المستورد بالدولار بحسب سعر الصرف لحظة البيع.  

 

ومطلع أيار/مايو الماضي ومع اقترب موعد تنفيذ قانون العقوبات الأمريكي "قيصر" حتى بدأ مسلسل الانهيار الحاد لقيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ولا سيما أمام الدولار الأمريكي إذ تخطت قيمة صرف الدولار الواحد ثلاثة آلاف ليرة سورية.

 

ومع بدء سريان القانون أواسط حزيران/يونيو الفائت تفاقمت الأزمة الاقتصادية واشتد الخناق على السكان، في حين بدت الأسواق خارج السيطرة في عموم البلاد.

 

"ارتفاع جنوني"

 

في خضم هذه الأزمة تعيش شرائح واسعة في المجتمع المحلي في الحد الأدنى من تأمين الاحتياجات اليومية ويعتبر النازحون من مناطق عفرين وسري كانيه وتل أبيض الشريحة الأكثر تضرراً إلى جانب شريحة العمال والعائلات ذات الدخل المتدني والمحدود.

عمال يعملون في عيدهم (1 أيار عيد العمال) في أحد أحياء القامشلي 

وقال محمد إبراهيم، وهو نازح من مدينة عفرين ويعيش مع خمسة أشخاص من أفراد عائلته في منزل بأجرة تصل لـ/70/ ألف ليرة سوريا شهرياً في حي الآشورية بمدينة القامشلي، إنه لا يستطيع تأمين القوت اليومي لأفراد عائلته، بسبب "الارتفاع الجنوني للأسعار".

 

ووصل كيلوغرام السكر إلى /1400/ ليرة سورية، في حين كان سعره قبل ثلاثة أشهر /400/ ليرة، كما ارتفع سعر كيلوغرام الشاي من /4/ آلاف ليرة سورية إلى /16/ ألف ليرة.

 

والسكر من المواد المستوردة إذ كان يصل سعر الكيس الواحد بوزن 50 كيلوغرام إلى نحو /25/ دولاراً أمريكياً قبل "أزمة كورونا" وانهيار العملة السورية في الفترة قبيل تنفيذ قانون قيصر، لكن يصل سعر الكيس الواحد حالياً إلى أكثر من 27 دولاراً.

 

وتتم عملية البيع في المحلات التجارية بالمفرق بالليرة السورية وذلك بالتماشي مع ارتفاع وهبوط قيمة الليرة مقابل الدولار لحظة البيع وهو ما لا تطيقه القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المتدني والمحدود.


طفل  في مخيم واشوكاني للنازحين غربي مدينة الحسكة  تصوير فياض محمد

 ووصف كبرئيل دنحو (36عاماً)، وهو من سكان القامشلي، ارتفاع الأسعار في المدينة بالجنوني، "تضاعفت الأسعار أربعة أضعاف وبعض السلع تضاعفت أسعارها نحو 10 أضعاف".

 

وأضاف: "لتر الزيت كان سعره /400/ ليرة الآن ارتفع سعره /10/ أضعاف، يجري ذلك مع غياب الرقابة على التجار".

 

وقال "دنحو" إنه في الآونة الأخيرة صدرت عدة قرارات لدعم المواد الاستهلاكية لكن دون جدوى، وما زالت الأسعار في ارتفاع حاد "بسبب التجار وسعر صرف الدولار".

 

وكانت الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا قد أقرت في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي قراراً لدعم المواد الغذائية الرئيسية في المنطقة، كالشاي والسكر والرز والزيوت وحليب الأطفال وباقي المواد التموينية، على أن يتم توزيعها على السكان بأسعار التكلفة والجملة، مع إبقاء أسعار المحروقات والخبز والموصلات كما هي، بالإضافة إلى زيادة الرقابة التموينية في الأسواق لضبط الأسعار ومنع التلاعب بها".

 

وقال محمد صالح وهو صاحب محل جملة لبيع السلع والمواد الغذائية الأساسية في القامشلي إن أسعار المواد الأساسية شبه ثابتة، ولكن يتم بيعها بحسب سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار.

 

وأشار صالح إلى أنهم يبيعون مثلاً /50/ كيلوغرام من السكر بـ/27.10/ دولاراً أمريكياً للمحلات التي تبيع بالمفرق. "بيع المواد لأصحاب المحلات يتم بالدولار أو ما يعادله بالليرة السورية بحسب سعر الصرف لحظة البيع".

 

محاولة لتخفيف الأزمة

 

وفي محاولة لتخفيف التأثيرات السلبية للأزمة على السكان، وضعت الإدارة الذاتية خطة يعتبرها البعض غير مجدية وعصية على التطبيق، وتهدف الخطة لإنشاء صالات مركزية لبيع المواد الأساسية "بأسعار منافسة للسوق وللحد من الاحتكار".  

 

وقال رئيس المجلس التنفيذي في شمال شرقي سوريا، طلعت يونس إن الإجراء يهدف لـ"فتح نحو 20 صالة في كافة المناطق، على أن يتوفر فيها نحو 15 مادة أساسية".

 

وقال أيضاً: "سيتم بيع المواد المنتجة محلياً بسعر التكلفة بينما سيتم بيع المواد المستوردة بالدولار بالليرة السورية وفق سعر الصرف".

جانب من اجتماع للإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا – نورث برس/أرشيف

 

كما سيتم العمل على "تطوير الإنتاج المحلي وتشجيع قطاعات الإنتاج للوصول إلى الاكتفاء الذاتي"، بحسب "يونس".

 

وسيتم طرح هذه المواد في الصالات عبر "شركة نوروز" ومقرها في مدينة القامشلي، وقال مدير قسم المبيعات في الشركة عبد العزيز محمد إنه "خلال شهر أو أكثر سيتم الانتهاء من تجهيز المراكز (المولات)".

 

"خطة غير مجدية"

 

وقال وسام أبو حسون وهو مختص في مجال الاقتصاد السياسي ويعيش في ألمانيا إنه يمكن للإدارة الذاتية تحمل تكاليف الفارق بين السعر السوقي والسعر المدعوم للمواد بكل الأحوال ولكن تاريخياً أثبتت التجارب في مناطق السيطرة الحكومية بأن سياسة الدعم وحدها لن تجدي نفعاً حتى على المدى المتوسط.

 

وفيما يخص المواد المستوردة قال أبو حسون إن ذلك يتوقف على السعر الذي سيتم التسعير على أساسه والآلية التي سيتم التعامل بها، أما بالنسبة لشركة نوروز "بالتأكيد لن تقوم بالبيع بسعر التكلفة وتحمل وحدها الخسائر الناتجة عن سعر الصرف فالشركة ستبيع بالسعر الذي ستقوم الإدارة الذاتية بتحديده لتوريد الدولار لها. فإن قامت الإدارة بتوفير الدولار للشركة بالسعر السوقي فهذا لن يكون له أي تأثير على حياة المواطن لأن الأسعار ستتراوح حول الأسعار الاعتيادية الناتجة من تعويم السوق، ولكن في حال قررت الإدارة الذاتية تحمل فروقات سعر الصرف عن طريق تسعير الدولار بقيمته المحددة رسمياً فهنا ستستطيع بالتأكيد خلق سعر منافس للبضاعة المستوردة لكن لن تغيب مشاكل اقتصادية أخرى عن العملية.

 

وقال أيضاً إن تطبيق آلية الدعم في مناطق الإدارة الذاتية يأتي في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة في دمشق لتعويم السوق والعملة ورفع الدعم عن الكثير من المواد، وهو ما سيؤدي بشكل أو بآخر لوضع الإدارة الذاتية تحت "ضغوط الفساد الذي سيحصل من خلال المتلاعبين الذين سيقومون بشراء كميات كبيرة عن طريق وسطاء من أجل احتكارها ومن جهة أخرى غياب إمكانية التنسيق مع العاصمة سيفسح المجال أيضاً لنقل هذه المواد بالأسعار المدعومة لمناطق السيطرة الحكومية".

سوق الحميدية في دمشق القديمة 

ورجح أبو حسون أن تتمكن هذه الخطة من "تكبح جماح ارتفاع الأسعار وليس تخفيضها على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل فإن عدم إتباع الإدارة الذاتية لسياسات اقتصادية متناسقة فيما بينها سيؤدي إلى استنزاف آثار الدعم الإيجابية بسلبيات السياسات والقرارات الأخرى ولعل أفضل مثال على ذلك هو زيادة الرواتب التي تم صرفها مؤخراً للعاملين في مناطق الإدارة الذاتية".

 

ورأى أبو حسون أن هذه الزيادة ستخلق ضغوطات تضخمية ناتجة عن زيادة المعروض النقدي المعروض في التداول من دون أي زيادة للمنتجات سيؤدي حتماً إلى زيادة في الأسعار السوقية لكافة المواد وبالتالي زيادة كلفة الدعم على الإدارة الذاتية نفسها (كلفة الدعم = السعر السوقي – السعر المدعوم).

 

وقال إن هذه الزيادة في كلفة الدعم كان يمكن للإدارة الذاتية أن تستثمرها بدعم مشاريع إنتاجية تزيد من الأمن الغذائي لسكان هذه المنطقة وعوضاً عن الزيادة في الرواتب كان بالإمكان تخفيض ساعات العمل للعاملين في مؤسساتها، الأمر الذي سينجم عنه توفير في النفقات التشغيلية وزيادة الأجور الساعية للعاملين جميعاً والذين ربما سيكون لديهم وقت للتفكير بمشاريع إنتاجية يمكن للإدارة الذاتية تمويلها ودعمها.

 

"غير قابلة للتطبيق"

 

وقال يونس كريم وهو متخصص في مجال الاقتصاد، إن الإدارة الذاتية "لن تستطيع الاستمرار بدعم أسعار السلع الغذائية"، ما يعني أن ما تسعى إليه الإدارة الذاتية لن يخرج عن موضوع أنه "قرار إداري" ليس أكثر وليس قابلاً للتطبيق".

 

وأرجع "كريم" عدم تمكن الإدارة الذاتية، من إدارة الموضوع الاقتصادي في المنطقة لعدة أمور تتعلق بتداعيات قانون "قيصر"، وإغلاق المعابر الحدودية للمنطقة.

 

وأول هذه الأسباب بحسب كريم، "موضوع بيع النفط للنظام السوري عن طريق شركة قاطرجي المشمولة بالعقوبات الأمريكية".

 

وقال إن الإدارة الذاتية تخشى من الوقوع بـ"الخطأ"، إذا ما استمرت ببيع النفط "للنظام السوري"، وبالتالي الدخول شمولها بعقوبات عدم تنفيذها لقانون قيصر.

 

وأوضح أن السبب الثاني الذي يؤثر على قدرة الإدارة الذاتية في الاستمرار بدعم المواد الغذائية، هو "الإصرار الروسي على منع فتح معبر تل كوجر/اليعربية والذي كانت المساعدات الإنسانية تدخل منه إلى المنطقة، إضافة لسيطرة تركيا على معبر تل أبيض".

 

ومما يجعل الأمر بالغ الصعوبة بالنسبة للإدارة الذاتية، "استمرار المعارك والضغط الروسي والأمريكي من جهة والتركي من جهة أخرى على المنطقة"، بحسب كريم.

 

ولفت إلى أن معظم التعاملات المالية تتم بالدولار، وهذا ما يجعل الأمر بالغ الصعوبة لذلك "لا أمل أبداً بتنفيذ هذا القرار".