عمال اليومية في القامشلي.. أجور متدنية واستغلال وسط الغلاء
القامشلي – فياض محمد – نورث برس
مع صباح كل يوم، يخرج أحمد محمود (41عاماً)، وهو عامل بناء من سكان القامشلي، إلى عمله آملاً العودة بما يسد رمق عائلته المكونة من ثمانية أطفال ووالدتهم.
وكانت أجرته اليومية، والتي تحدد وفق عدد الأمتار المكعبة من "الباطون" التي أنجزها في اليوم، تكفي عائلته منذ ثمانية أعوام عندما بدأ بهذا العمل، إلا أن الارتفاع الحاد في الأسعار مؤخراً، أثر بشكل كبير على معيشة أفراد العائلة.
"استغلال حاجة"
و يقول "محمود" إن "متعهدي البناء و نجاري الباطون الذين يعمل معهم، غالباً ما يتحججون بقلة أرباحهم لرفض رفع أجرة العامل التي تصل إلى حوالي /5000/ ليرة سورية، رغم أن سعر صرف الدولار ارتفع خلال الستة أشهر الأخيرة من /1000/ ليرة إلى نحو /2500/ ليرة، وارتفعت معه الأسعار بشكل مضاعف".
![]()
عمال في فترة استراحة (نورث برس)
ويضيف: "عندما طالبت بزيادة رفع سعر أجرة صب المتر من الباطون رد عليّ رئيس الورشة، إذا لم تعمل أنت، فهناك كثير من العمال مستعدين للعمل بدلاً منك".
ويشير "محمود" إلى أنه لا يستطيع ترك عمله حالياً، لأنه لا يملك مصدر دخل آخر، " في اليوم الذي لا أعمل فيه عائلتي ستبقى جائعة لذا أضطر للعمل دون اعتراض".
ويلفت إلى أن يومية العامل، مقارنةً مع الأسعار المرتفعة حالياً، لا بد أن تصل إلى ثمانية أو تسعة آلاف ليرة سورية، "حتى يستطيع العيش بكفاف يومه".
بينما بالكاد تكفي يوميته حالياً آجار منزله وطعام أطفاله الذين عمد إلى إيقاف ذهاب اثنين منهم إلى المدرسة، "لا أقوى على تحمل مصاريفهم المدرسية اليومية".
وجاءت موجة ارتفاع سعر صرف الدولار عقب ثلاثة أشهر من فرض حظر تجول في شمال شرقي سوريا، ضمن تدابير الوقاية من كورونا، لتضعف الحركة الاقتصادية وتوقف الأعمال في غالبية القطاعات، ما زاد من المصاعب التي يواجهها العمال، وبشكل خاص من يعتمدون على أجر يومي لقاء عملهم.
"لا بديل"
ولا تقل معاناة حسن عثمان(23عاماً)، العامل في محل للحلويات وسط القامشلي، عن سابقه، ذلك أنه يعمل مع أخيه بمورد لا يتجاوز /4500/ ليرة، رغم أنهما يعيلان عائلتهما بعد أن كبر والدهما في السن وبات غير قادر على العمل.
ويقول الشاب، وهو يقف أمام ماكينة للمثلجات: "حين كان سعر صرف الدولار/500/ ل.س، كانت أجرتي اليومية /2500/ل.س وأجرة أخي /1000/ ليرة، أما بعد الارتفاع الأخير للدولار، فقد زادت أجرة كل واحد منا /500/ل.س فقط".
ويضيف الشاب أن ما يحصل عليه مع أخيه الأصغر(17 عاماً) بالكاد يكفي عائلتهما، "مين رضي عاش".
ويشكو الشاب من قلة توفر فرص العمل في القامشلي، "أقف أمام هذه الماكينة منذ ثلاث أعوام، ولا أستطيع أن أترك العمل لأنني لا أملك بديلاً أفضل، خاصةً أن عائلتي بحاجة ماسة إلى عملي".
وكانت سوريا قد سجلت على المستوى العالمي في التاسع من حزيران/ يونيو الفائت، المرتبة الثانية في قائمة معدلات البطالة عالمياً بنسبة تفوق 50%، وذلك بعد نحو أربعة أشهر من تصدرها قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.
"نصف أجرة"
منذ /14/ عاماً، يعمل أحمد المحمد(27عاماً) وسط سوق القامشلي، خياطاً يصلح الألبسة ويعدل الجديدة منها، وذلك مقابل أجرة يومية محددة بنصف غلته، بينما يحصل صاحب المحل الذي يعمل لديه على النصف الآخر.
ويقول إن الإقبال على شراء الملابس الجديدة أو تعديلها كان جيداً حتى قبل موجة ارتفاع الدولار الأخيرة، ذلك أن سعر البنطال كان يصل إلى خمسة آلاف ليرة، لكن سعره بات الآن بحدود /25/ ألف ليرة، لذا لم يعد هناك من يشتري ألبسة جديدة حتى يعدل عليها".
ويضيف "المحمد": "كانت يوميتي جيدة حينما كان الدولار يعادل /500/ ليرة، وكانت تصل إلى نحو /10/ آلاف وأحيانا /15/ ألفاً، أما حالياً فإن المبلغ الذي أجنيه بات بلا قيمة، ولم تتجاوز يوميتي البارحة /1000/ليرة".
ويعيش "محمد" مع أربعة إخوة ووالدته ووالده المسن الذي تعرض لأكثر من جلطة دماغية، ويحتاج كل /15/ يوماً إلى دواء يصل سعره إلى \30\ ألف ليرة سورية.
"ما كنا لنستطيع تأمين ثمن دوائه لولا أن لدي أخوان يقيمان في ألمانيا ويساعداننا على تأمين الدواء وتغطية نفقات معيشتنا".
ويتذكر "الشاب" كيف تدهورت أحوالهم المعيشية إبان تطبيق الإدارة الذاتية حظر للتجول في مناطق شمال شرقي سوريا، طوال ثلاثة أشهر، وهو ما تسبب بتوقف أعمال كثير من العمال الذين يعتمدون في معيشتهم على أجرتهم اليومية.
![]()
القامشلي – سوق عزرا (نورث برس)
اعتراف رب عمل
ويقول جلال حاج ويس، وهو تاجر جملة للمواد الغذائية، إن عمله تأثر كثيرا بارتفاع الأسعار، وباتت نسبة المبيعات اليومية قليلة جداً، لذلك لا يمكنه أن يرفع من أجرة العمال بشكل كبير.
ويقر التاجر أنه غالباً ما يفضل تشغيل شبان في مقتبل العمر بدل عمال متزوجين، ذلك أن المتزوج لا يرضى بأجور قليلة، كما أن لديه متطلبات أكثر، ويحتاج على الأقل لـ/250/ ألف ليرة شهرياً لكي يستطيع تحمل أعباء المعيشة مع هذه الأسعار المرتفعة".
ويضيف: "يرغب التجار بتشغيل شبان تحت سن العشرين ذلك أن أجورهم تكون أقل عادة، وتتراوح ما بين /15/ إلى /20/ ألف ليرة أسبوعياً".
ويرى "ويس" أن على مؤسسات الإدارة الذاتية المعنية أن تقوم بتحديد أجور العمال وحفظ حقوقهم، حتى وإن كان العمال مدنيين وغير تابعين لمؤسسات الإدارة، "دون ذلك سيبقى عمال اليومية معرضين للاستغلال من قبل التجار وأصحاب المهن".
حلول مؤجلة
ويقول شيرو محمد، الرئيس المشارك لمنسقية اتحاد الكادحين في شمال شرقي سوريا (وتعتبر بمثابة نقابة للعمال)، إن نسبة كبيرة من أرباب الأعمال في القطاع الخاص يستغلون العمال ويدفعون لهم أجوراً يومية تتروح ما بين /2000/ و/3000/ ليرة سورية، من دون أن يرفعوا أجورهم تماشياً مع الظروف الراهنة.
ويشير "محمد" إلى أنهم قاموا بمناقشة الأمر مع هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بهدف تحديد أجور العمال، ويسعون لإصدار قرارات تحمي حقوق العاملين في المجتمع المدني.
فراغ تشريعي
ولا يشمل قانون العاملين الموحد في شمال شرقي سوريا الذي صادق المجلس العام في الإدارة الذاتية عليه مطلع شباط/ فبراير الفائت، العمال أصحاب الأجرة اليومية والعاملين في القطاع الخاص بوجه عام، ذلك أنه يتناول أوضاع العاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية فقط، ما يترك فراغاً تشريعياً، يتيح إمكانية استغلال العمال الذين تفوق أعدادهم أعداد من يعملون في القطاع العام بشكل كبير.
ويقول" محمد" إنهم كـ"اتحاد" لا يستطيعون حماية أي عامل إلا إذا كان مسجلاً بشكل رسمي لديهم، ولكنه يقر أيضاً أن نسبة العمال المسجلين لدى "الاتحاد" لا تتجاوز 10% من مجموع العمال، حسب تعبيره.
ويرى الرئيس المشارك لاتحاد الكادحين أن على الإدارة الذاتية وهيئة الصحة أيضاً توفير دعم في المجال الصحي للعمال عبر افتتاح مشفى وصيدلية خاصة بهم لمنحهم الرعاية الصحية والأدوية بشكل مجاني أو بسعر مخفض.