سكان في الرقة يفتقدون جوانب من التنوع المجتمعي في مدينتهم

الرقة- مصطفى الخليل- نورث برس

 

يتذكر سكان في أحياء مدينة الرقة، شمالي سوريا، أشخاصاً من مكونات مختلفة في مدينتهم، وجرى تهجيرهم أثناء سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) على المدينة عام 2013، أو فرارهم من الأفكار والسلوكيات المتشددة التي قام التنظيم بفرضها على أبناء قوميات أو أتباع ديانات وطوائف في الرقة.

 

وقال أحمد محمد جبرائيل (66 عاماً)، من المكون الشيشاني، لـ"نورث برس": "لم يتبق من الشيشان في الرقة سوى أخي وأنا، هاجر الباقون منذ بداية سيطرة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية على الرقة".

 

وأضاف: "نعيش هنا في مدينة الرقة منذ أكثر من مئة سنة، وتعايشنا مع السكان من عرب وكرد وآشور وأرمن بكل سلام".

 

وأشار إلى أنه "كان للشيشان حي في الرقة اسمه حارة الشيشان، ويقع ضمن أحياء الرقة القديمة بجانب الجامع الكبير وسط المدينة".

 

ويعمل جبرائيل ميكانيكياً في المنطقة الصناعية في المدينة، وقد اضطر لبيع محله وأدوات مهنته عام 2013  ليؤمن مبلغاً من المال لتأمين مصاريف خروج عائلته من الرقة "ليبتعدوا عن الأجواء التي كانت مضطربة أثناء سيطرة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية عليها".

 

وكانت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، قد أعلنت رسمياً سيطرتها الكاملة على الرقة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2017 لتسلم إدارتها فيما بعد إلى مجلس مدني للمنطقة يتبع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

 

وبحسب بلدية الشعب في الرقة، فإن عدد سكان المدينة يزداد يوماً بعد آخر، حيث يصل تعداد قاطنيها حالياً إلى أكثر من/400/ ألف نسمة، في حين يصل العدد إلى أكثر من/750/ ألف شخص مع السكان القاطنين في الأرياف التابعة لها التي تأوي إلى جانب سكانها نازحين في القرى والمخيمات.

 

وقال حسن المصطفى، وهو فنان تشكيلي، إن الرقة كانت تتميز بتنوع مكوناتها السكانية، مطلقاً عليها صفة "المدينة الجاذبة"، "ففيها يعيش العرب والكرد والأرمن والشركس والشيشان وهناك بعض العوائل من المكون البوسني".

 

ويصف المصطفى العلاقات ما بين سكان المدينة، "علاقات طيبة تكاد لا تميز بين الشيشاني وبين الشركسي، أو بين العربي أو الكردي، بسبب التلاحم الحقيقي بين أبناء الرقة، فيما تنحدر العديد من جدات الأسر الراقية من الطائفة الأرمنية".

 

وكانت عائلات وافدة من مناطق سورية مختلفة قد استقرت بعد ستينيات القرن الماضي في الجهة الغربية من مدينة الرقة، ومن بينهم من جاء من "تادف" و"سفيرة" في ريف حلب، بالإضافة إلى عائلات جاءت من أرياف حمص وحماة ودمشق، "وقد أضافت هذه العوائل الكثير إلى مجتمع المدينة، حيث كان غالبيتهم يعملون في مهنة التجارة"، بحسب المصطفى.

 

ولم يقتصر الاستهداف من قبل عناصر تنظيم (داعش) على مكون أو طائفة بعينها، فقد قام عناصره عام 2014، بتفجير مقام "أويس القرني" الواقع في شرقي المدينة بالقرب من باب بغداد الأثري، بحجة أن "المقام مزار شيعي"، كما قاموا بتهجير السكان الكرد من المنطقة ومصادرة ممتلكاتهم بذريعة تأييدهم لوحدات حماية الشعب"، بحسب شهادات سكان من المدينة وتقارير صحفية وحقوقية.

 

وكان عناصر التنظيم قد فرضوا "الجزية" على مسيحي الرقة في مطلع العام 2014، وكان يتوجب دفعها بالذهب لكل فرد منهم أو دخول الإسلام ضمن تعاليم خاصة بذلك تحت مسمى "عقد الذمة في الشام بين الدولة الإسلامية ونصارى ولاية الرقة".

 

لكن المسيحيين وأقليات أخرى فروا من الرقة حين تم تخييرهم بين اعتناق الاسلام أو دفع الجزية أو الرحيل، تحت طائلة القتل.

 

ولا يتجاوز عدد المسيحين الذين يعيشون في المدينة حالياً /10/ أشخاص، حسب ما يقول البعض منهم والذين يرفضون إجراء المقابلات الصحفية خوفاً من وجود خلايا نائمة للتنظيم في المدينة أو عودة محتملة لنشاطها، حسب تعبيرهم.

 

وتعمل مؤسسة الشؤون الدينية في مجلس الرقة المدني، حالياً، على إعادة ترميم كنيسة "الشهداء" للأرمن الكاثوليك، والتي حولها عناصر تنظيم "الدولة" إلى مكتب دعوي في العام 2014 بعد إزالة الرموز الدينية المسيحية ووضع شعاراتهم عليها، وقد تدمرت نهائياً أثناء المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية وعناصر التنظيم عام 2017.

 

وقالت فوزية المرعي وهي كاتبة من مدينة الرقة في إشارة إلى ممارسات عناصر التنظيم إبان سيطرتهم على الرقة "أرعبوا البشر، وما قاموا به نال من كل سكان المدينة".

 

وأضافت: "هذه الممارسات الإرهابية التي كان ينتهجها عناصر التنظيم، دفعت الكثير من أبناء المدينة إلى تركها، والذهاب إلى حلب ودمشق ومنهم من غادر خارج سوريا إلى لبنان وبعضهم فضل اللجوء إلى الدول الأوروبية".

 

وتتحدث المرعي عن طفولتها في خمسينيات القرن الماضي، ونشأتها في بيئة متنوعة في حي سيف الدولة وسط الرقة، "ولدت في حي يوجد فيه المسيحي والشركسي والأرمني والبدوي وابن الريف".

 

 وذكرت "المرعي" أن أبناء جيلها من الرقة لم يحتاجوا إلى الحذر من الآخر المختلف، "كنا أطفالاً نلعب سوياً وكبرنا كأخوة في أسرة واحدة كبيرة ذات عناوين مختلفة".

 

وأضافت: "جميل أن يكون جاري أرمني والآخر شركسي وآخرون كردي وتركماني ومسيحي، ولا نزال نشعر بالحنين للأرمن الذين غادرونا، فهم أخوة فارقونا".

 

وتلفت المرعي إلى أن التنوع الحاصل في مدينتها أفرز أحياء تدل تسمياتها على قاطنيها "حي الشراكسة، حي الأكراد، حي البدو.. وهكذا"، حسب قولها.