في إدلب.. معيلات يتحدين ظروف الحرب وقرارات "هيئة تحرير الشام" بالعمل
إدلب- رزان السيد- نورث برس
تمضي فاطمة العمر (٢٦ عاماً)، معظم وقتها في متجر للألبسة النسائية حيث تعمل ببيع الملابس مقابل راتب شهري يجنبها وأطفالها "الحاجة والسؤال" بعد فقدان زوجها لحياته في قصف على مدينة معرة النعمان العام الماضي ٢٠١٩.
وفاطمة واحدة من نساء كثر في إدلب وريفها فقدن معيلي عائلاتهن بالقصف أو الخطف أو الاعتقال، وأضحين أمام مشكلات عدة تبدأ بصعوبة إيجاد فرصة عمل وسط أوضاع معيشية متردية وأسعار مرتفعة، ثم عادات وتقاليد تحول دون عمل المرأة، ناهيك عن أن معظم هؤلاء النساء لا يحملن شهادات دراسية أو حرفاً وخبرات ربما لو توفرت لاستطعن دخول ميادين الوظائف وسوق العمل.
إضافة إلى ذلك، لم تحظ هذه الشريحة من المجتمع الإدلبي بدعم أو مساندة من السلطات المحلية المتمثلة بـ "حكومة الإنقاذ" وهي الجناح المدني لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، والتي يتهمها ناشطون في المدينة بـ "وضع عراقيل" أمام عمل بعضهن بدلاً من "تذليل وإزالة العقبات".
"الأمر ليس سهلاً"
تقول فاطمة، وهي تسرد قصتها وما آل إليه وضعها بعد وفاة زوجها: "اسودّت الدنيا في عيني، لدي ثلاثة أطفال ولا مصدر رزق يحمينا من شبح الجوع والعوز. بدأت بالبحث عن عمل حتى وجدت عبر إحدى الصديقات عملاً في متجر للألبسة. إنه يناسبني نوعاً ما".
وتضيف: "نحن الأرامل بحاجة لمساعدة أنفسنا قدر الإمكان لأننا نمثل دور الأب والأم معاً. نحاول أن نعوض أطفالنا بعض ما فقدوه، لكن هذا الأمر ليس بالسهل أبداً".
وتقضي العمر جل وقتها في العمل ولا يبقى من الوقت إلا القليل للاهتمام بأطفالها، لكنها "مضطرة" لتحمل هذا الأمر لأنه "لا حل بديل لديها".
وتنوعت الأعمال التي أقبلت عليها النساء المعيلات في مدينة إدلب، كالعمل في المهن اليدوية مثل الحياكة والتطريز أو تصفيف الشعر أو بمجالات أخرى كالتمريض أو الدفاع المدني أو التوظيف بالمراكز النسائية التي انتشرت بالمدينة وريفها.
سلام العبود (٣٠عاماً) قررت ألا تكون "عبئاً على أحد" بعد اعتقال زوجها من قبل قوات الحكومة السورية في العام ٢٠١٤، ولذا فقد خضعت لدورة تدريبية في الخياطة والنسيج، وبدأت بممارسة المهنة بعد إتقانها.
وتقول: "خوفي على أطفالي الأربعة من الجوع، هو ما شجعني على التدرّب والعمل متحدية كافة الصعاب،" وتشعر العبود الآن بـ "الرضى والتفاؤل" وتحب عملها كثيراً فهو "أملها بالاستمرار والعيش الكريم".
اعتماد على الأطفال
لكن وإن استطاعت بعض المعيلات مواجهة الصعوبات بـ "قوة شخصيتهن" ومقاومة ظروف الفقر والنزوح والتشرد، فإن عدداً آخر منهن لم يستطعن ذلك، بل لجأن لدفع أطفالهن إلى ميادين العمل بهدف تخفيف بعض الأعباء والمسؤوليات عن كاهلهن، كما هو حال أم محمد (٣٥عاماً) والتي لم تجد بداً من إرسال ابنها البكر أحمد (١٣ عاماً) للعمل.
وتقول مبررة إرساله للعمل: "ما الذي يمكن أن تفعله أرملة لاحول لها ولا قوة. لا شهادة ولا خبرة ولا حتى رأس مال للقيام بمشروع ما. ما يجنيه أحمد من عمله يساعدني قليلاً في تغطية بعض النفقات الأساسية".
لكنها على الرغم من ذلك تحزن على حال ابنها الذي ترك دراسته واتجه "للعمل الشاق" بورشة حدادة وهو في سن مبكرة، وتضيف: "ليس باليد حيلة".
وبالرغم من انتشار المنظمات الإنسانية التي تقدم الدعم للأرامل في إدلب من خلال افتتاح بعض مراكز التدريب المهني إلا أن الحرب السورية المستمرة جعلت الحاجات تزداد، خصوصاً مع انسحاب معظم الداعمين عن المشهد، الأمر الذي جعل هؤلاء النسوة يعشن على الكفاف وبجهودهن الشخصية.
مراكز وأجهزة متشددة
ويتهم نشطاء في المدينة السلطات المحلية المتمثلة بهيئة تحرير الشام وجناحها السياسي "حكومة الإنقاذ" بـ "عدم إعارة أي أهمية" لمساعدة المرأة المعيلة "بل على العكس تماماً، فهي كثيراً ما تحاول وضع العصي في العجلات من خلال تتبع حركات النساء وفرض القرارات التعسفية بحقهن".
وفي ١٣ كانون الأول/ ديسمبر من العام ٢٠١٧ أصدرت "حكومة الإنقاذ" قراراً قضى بـ "إلزام كل أرملة بالسكن مع محرم شرعي لها أو بجانبه، وذلك من خلال الانتقال إلى مكان إقامته أو نقله بحسب الإمكانات المتاحة"، وذلك "بذريعة المحافظة عليهن وصون أعراضهن".
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد وإنما عمدت هيئة تحرير الشام لتفعيل مركز "الفلاح" في إدلب مؤخراً وهو ما يعرف سابقاً بـ "جهاز الحسبة" أو "سواعد الخير" في مناطق نفوذها.
وتتدخل دوريات هذا المركز "في كافة الأمور التي تخص النساء" في الأماكن العامة والمدارس والمطاعم والمقاهي ومقرات المنظمات المحلية ومراكز التدريب.
والقائمون على مركز "الفلاح" الجديد غالبيتهم من نساء منقبات يعرفن بـ "التشدد والغلظة" وفق شهود في المدينة، وتقوم نساء الفلاح بفرض ارتداء النقاب على نساء المنطقة ويمنعهن عن التواجد في الأماكن التي يتواجد فيها الرجال دون "محرم بصحبتهن".
تعلق أم حسام (40 عاماً) على عمل المركز الأخير وتقول: "قبل أن يمنعوا الحريات العامة ويلاحقوا الهواء الذي يتنفسه الناس فلينظروا إلى أحوال النازحين والفقراء الذين ساءت أحوالهم لدرجة أنهم لم يعودوا يجدون قوت يومهم".