وحيد العطار – دمشق – نورث برس
يشهد سوق البحصة الذي يعد أكبر تجمع لبيع وشراء أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة في العاصمة دمشق وسوريا عموماً، في هذه الأوقات اكتظاظاً كبيراً من قبل طلبة الجامعات لا سيما مع اقتراب بدء الدوام الدراسي.
وعلى الرغم من أن معظم الطلبة والزبائن لا يملكون خيارات إضافية لاقتناء الحواسيب من غير هذا السوق إلا أنهم يحاولون ألا يكونوا مصيدة لبعض المروجين وأصحاب المحلات. خصوصاً أن “سوق البحصة” بات يتميز بسمعة سيئة وعلامة فارقة في “الغش” وفق عدد من الطلاب الذين التقتهم “نورث برس”.
ويواجه الكثير من التجار وأصحاب المحلات في “البحصة” اتهامات حول التلاعب بالأجهزة وتبديل قطعها الجيدة بأخرى رديئة، ناهيك عن رفع الأسعار وربطها بسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية التي تدهورت بسرعة فائقة خلال الفترة القليلة الماضية.
تلاعب بالأجهزة
يقول نادر الرفاعي وهو صاحب محل لبيع الحواسيب في سوق البحصة: “يستورد أصحاب هذه المحلات أجهزة الكمبيوتر المحمولة المستعملة، ويقومون بتبديل قطعها الجيدة بأخرى رديئة، كما يقومون بالتلاعب بمواصفات الأجهزة وبيعها للزبون بأسعار باهظة”.
ويعتبر سوق البحصة مركزاً لتجميع “نفايات” أجهزة اللابتوب، حيث يتم استيراد تلك الأجهزة التي تكون في معظمها منتهية الصلاحية من دول الخليج، ليتم تبديل بعض القطع المعطلة بأخرى شبه تالفة، حتى “تفي بالغرض مدة قصيرة، فيتم بيعها للزبون الذي غالباً يكون غير ملم بنوعية وجودة الحواسيب”.
نصب الفخاخ للزبائن
أثناء البحث والمتابعة تبين أن تجاراً وأصحاب محلات يعتمدون على جيش من المروّجين ينشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، ويقومون بالرد على تعليقات الزبائن وطلباتهم محاولين إقناعهم بأساليب جذابة ومحفزة.
يقول رائد أحمد، وهو موظف في قسم المبيعات بإحدى المحلات في البحصة، إن “مهمة المروجين تتلّخص في عرض الأجهزة، التي تم الانتهاء من تجهيزها في غرف الصيانة بطريقة تجذب الزبون من خلال المبالغة في مواصفات الحاسوب المعروض للبيع حتى لو لم يكن يحملها، وذلك لخداع الزبائن غير الملمين بنوعية الحواسيب”.
وقال أيضاً: “كذلك يقوم هذا الجيش من المروّجين باصطياد الزبائن في مجموعات البيع والشراء على مواقع التواصل الاجتماعي. فبمجرد أن ينشر أحدهم أنه يبحث عن حاسوب مستعمل لاقتنائه، يتهافت عليه المروجون ويبدؤون بإغرائه عبر إرسال صور لأجهزة مختلفة، ويحاولون خداعه بمواصفات جبارة في حين تكون تلك الأجهزة شبه منتهية الصلاحية”.
عمد معد التحقيق إلى كتابة منشور في إحدى المجموعات التجارية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وأعلن عن حاجته إلى جهاز لابتوب، ولم تمض دقائق حتى تسابق عدد كبير من المروّجين في التواصل معه على الخاص وقاموا بتقديم العروض. وما يلفت الانتباه أن غالبية حسابات المروّجين على مواقع التواصل الاجتماعي تعتمد على أسماء وهمية، حيث يعتبر البعض تلك الأسماء الوهمية مؤشراً آخر على أن عمل هذه الشبكات غير قانوني، خصوصاً وأن معظم الحسابات بأسماء إناث.
تلاعب بالأسعار
يتفقد عبد الفتاح العرقسوسي، المتخرج حديثاً من كلية الهندسة المعمارية، يومياً مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن حاسب محمول بمواصفات جيدة تلبي حاجته.
ويقول في حديث لـ” نورث برس”: “خلال متابعتي لأسعار الأجهزة على الإنترنت وترددي كثيراً على محلات البحصة، اكتشفت أن هذه المحلات تقوم بالتلاعب بالأسعار بشكل مثير للاستغراب”.
وأضاف: “نرى مثلاً قيام إحدى المحلات بعرض جهاز ما بسعر معين عبر مسوّق ما، ثم نرى أن الجهاز نفسه معروض من قبل المحل ذاته بعد دقائق بسعر أغلى”.
وقال العرقسوسي: “يتم التلاعب بالأسعار لحظة بلحظة وترتفع أو تنخفض طبقاً لسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي. يتم ذلك أمام أعين مؤسسات الرقابة و المحاسبة”.
ويظهر تسجيل مصور قمنا بإعداده على الإنترنت بيع جهاز لابتوب بسعرين مختلفين من قبل المحل ذاته، فإحدى مروّجات المحل قامت بعرضه بـ/485/ ألف ليرة سورية، فيما قام مروّج آخر للمحل نفسه بعرضه بـ /515/ ألف ليرة سورية في الوقت نفسه، فالسعر يختلف بمجرد اختلاف المروّج، وبالتالي يقوم المروّج “الأشطر” بالتقاط الزبون وبيع الجهاز.
خديعة الـ” Open Box”
يطلق مصطلح “أوبن بوكس” على الأجهزة الجديدة التي لم يتم استخدامها قط وإنما تم إخراجها من العلبة للفحص أو لعرضها في صالات البيع.
يقول غياث (اسم مستعار)، وهو طالب في كلية الهندسة المعلوماتية: “في حالة مروّجي محلات البحصة، يدعون أن الجهاز أوبن بوكس، لكن بمجرد تدقيقنا فيه نرى أن الجهاز مفكوك”.
وأضاف: “محلات البحصة تستخدم خديعة أوبن بوكس بهدف تضليل المشتري وإيهامه بأن الجهاز غير مستخدم”.
وبرّر البعض من أصحاب المحلات، لـ” نورث برس”، قيامهم بفك الأجهزة المعروضة للبيع بأنهم يفحصون قطعها الداخلية “للتأكد من سلامتها”.
لكن غياث يقول: “إنها مجرد ادعاءات. حتى عندما ندقق في الأجهزة الجديدة المعروضة في محلات البحصة نرى أن جميع قطعها الأساسية مثل الشاحن والبطارية وحتى الحقيبة قد تم تبديلها بأخرى، بهدف تحقيق أعلى درجة من الربح”.
كفالات وهمية
عدم وجود أفرع أو وكلاء رسميين للشركات المنتجة لهذه الأجهزة مثل “Dell, Hp, Lenovo” وغيرها في سوريا، يشكل تحدياً أمام العملاء لشراء جهاز من مصدر ذي ثقة.
تقول ياسمين مصطفى، وهي طالبة في كلية الطب، إنها اشترت منذ مدة لابتوباً من إحدى المحلات في البحصة، ولم يدم مدة أسبوع حتى بدأ أداء الجهاز يتراجع لدرجة كبيرة إلى أن توقف عن العمل خلال أسبوعين.
وأضافت: “عندما ذهبت لإرجاعه لم يعترف صاحب المحل بالكفالة التي أعطاني إياها مع الجهاز ومدتها المفترضة عام كامل، وبالنتيجة رفض إرجاع الجهاز”.
لاحقاً عرضت مصطفى الجهاز على أحد مهندسي الصيانة فأخبرها أن قطع الجهاز غير فعالة، وأنه مصمم على ألا يعمل لأكثر من أسبوعين لأن “جميع قطعه الداخلية شبه تالفة”.
وقالت: “لم يعد بإمكاني شراء لابتوب آخر لأن المبلغ الذي كنت قد وفرته لشراء جهاز صار في جيب الغشاش. سأقضي الجامعة من دون لابتوب”.
وتنتظر نرجس الحموي، وهي طالبة في كلية الحقوق الافتراضية في جامعة دمشق، وصول حاسوبها المحمول من لبنان بعد أن اضطرت للاستعانة بأحد أقربائها هناك لشرائه.
وتقول: “تعبتُ كثيراً حتى تمكنت من جمع ثمن الجهاز. لا أريد المغامرة بشرائه من البحصة. من الأفضل أن أشتريه من وكالته الرسمية”.