تدهور التعليم في مناطق خفض التصعيد وسط إهمال "المؤقتة" وتدخلات الفصائل المسيطرة

إدلب – نورث برس

 

أدى الوضع الأمني غير المستقر وموجات النزوح المتكررة إلى تدهور العملية التعليمية في إدلب، بشمال غربي سوريا، وسط اتهامات لحكومة الإنقاذ بالإهمال، بالإضافة إلى اتهامات تفيد بتدخل الفصائل المسيطرة على المنطقة بالعملية التعليمية.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاء دقيق لعدد الطلاب المتسربين إلا أن مسؤولين في "فريق منسقو الاستجابة"( منظمة محلية تعمل في شمال غربي سوريا) يتحدثون عن ارتفاع كبير في نسبة التسرب الدراسي.

 

ويضاف إلى ما سبق عزوف عدد كبير من المعلمين عن التدريس، وبحثهم عن عمل آخر لتأمين قوت عائلاتهم اليومي، بسبب عدم تكافؤ رواتبهم مع احتياجاتهم المعيشية، وانقطاع الدعم عن التعليم، وتحول المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين، بالإضافة إلى عدم قدرة المدارس المتبقية على استيعاب المزيد من الطلاب، كل ذلك كان له الأثر السلبي على العملية التعليمية والتربوية في هذه المنطقة.

 

معلمون دون رواتب

 

وقال محمد عباس، مدير قسم التعليم في "منظمة شفق " (منظمة محلية مهتمة بالشأن الإغاثي والتعليمي في شمال غربي سوريا)، إن "المعلم الذي يُعد الركن الأساسي في العملية التعليمية ولا يمكن الاستغناء عنه، بات يواجه تحديات كبيرة، فهناك أكثر من أربعة آلاف مدرس لم يقبضوا رواتبهم منذ أشهر، وبات عملهم تطوعياً لحبهم للتدريس وأملهم بالحصول على دعم ما، لكنهم في النهاية مسؤولون عن أسر وبحاجة لدعم يغطي احتياجاتهم".

 

وأضاف عباس أن هناك شح كبير بالنسبة لـ"دعم المعلمين والدعم المتاح من قبل بعض المنظمات أو مديريات التربية. حتى لو تم الدعم فإنه لا يرقى لتأمين حياة كريمة للمعلمين الذين لا تتعدى رواتبهم /١٢٠/ دولاراً أمريكياً في أفضل الأحوال، وهي أقل بكثير من راتب أصغر موظف عامل في إحدى منظمات المجتمع المدني" .

 

ويعود السبب في قلة الدعم إلى اعتماد مديرية التربية والتعليم التابعة لـ"الحكومة السورية المؤقتة"، في تأمين رواتب المعلمين على دعم المنظمات "المتذبذب وغير المستقر"، بحسب مدير قسم التعليم في "منظمة شفق".

 

معلمون منشقون

 

وكتب طاهر عرعور، وهو مدرس في إدلب على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "أعلن انشقاقي عن نقابة المعلمين وانضمامي إلى نقابة الشحاذين لو قبلوا انضمامي حتى".

 

وذلك في إشارة للحالة التي "يرثى لها والتي وصل إليها المعلمون في ظل النزوح وإغلاق المدارس وتوقف الدعم وعدم تحمل المؤسسات التربوية في وزارة التربية والتعليم التابعة لـ(حكومة  الإنقاذ) ومديريات التربية مسؤولياتها تجاه التعليم والمعلمين" وفق تعبيره. 

 

 

وأعلن مدير التربية والتعليم في حلب محمد مصطفى استقالته مطلع هذا الأسبوع  بسبب ما اعتبره احتجاجاً على واقع التعليم وحرمان الطلاب والمعلمين "من أبسط حقوقهم".

 

 

 

وقال مصطفى الخالد، وهو واحد من مئات المعلمين الذين تركوا المهنة وتوجهوا للبحث عن عمل آخر، لـ"نورث برس"، إن الوضع التعليمي بات "كارثياً وعلى الجهات المعنية معرفة ما يحيط بمدارسنا وبالعملية التربوية والتعليمية من مخاطر جسيمة".

 

وأوضح أن "الحالة المتردية التي وصل إليها المعلمون بعد انقطاع الدعم عنهم، دفعهم للتخلي عن التدريس".

 

وأضاف "نحن بلا رواتب منذ نهاية العام الماضي، والمنح المقدمة من المنظمات لا تغطي نفقة العطلة الصيفية، فكيف لنا أن نستمر دون دعم يجنبنا الفاقة والعوز".

 

تدخلات وضغوط

 

وتحدث "الخالد" عن ضغوط داخلية وخارجية تواجه القطاع التعليمي، وتتمثل الضغوط الخارجية بـ "الانتقائية في توزيع الدعم المقدم من جهة المانحين من جهة واستهداف النظامين السوري والروسي للمدارس والذي أدى لتضرر أكثر من /128/ مدرسة بشكل كامل".

 

أما عن الضغوط الداخلية، فيشير "الخالد" إلى تدخل "الجهات المسيطرة على المنطقة، والتي لا تنفك تتدخل بالقطاع التعليمي وقد نجم عن تلك التدخلات استقالة مدير التربية ياسين الياسين في محافظة إدلب قبل نحو شهرين بضغط من هيئة تحرير الشام بعد أن رفض الانصياع لأوامرها بإدخال مناهج جديدة وإجراء دراسات أمنية حول المدرسين  قبل تعيينهم وفرض جبايات جديدة على الأنشطة التي تقوم بها المدارس، فهي تجبي ٣٠ %من الأنشطة و٥0 % من أجار الندوات في المدارس".

 

وإحدى هذه التدخلات كانت عندما نشر استبيان بمدينة "معرة مصرين" بداية تشرين الثاني/نوفمبر الفائت لتعبئته من قبل المعلمين  وتهديدهم بالفصل إن لم يملؤوه، غير أن مديرية التربية وجهت بعدم استقبال أي استبيان دون كتاب رسمي من المديرية.

 

محاولات لاحتواء الوضع

 

وكان فريق "منسقو الاستجابة" قد ذكر في بيان  نشره أواسط أيلول/ سبتمبر الفائت، أن إيقاف الدعم عن مديريات التربية والتعليم في إدلب وحلب سيجعل أكثر من/٨٤٠/ مدرسة متوقفة عن العمل.

 

وأطلقت مديرية التربية والتعليم منتصف أيار/ مايو الحالي مبادرة تقوم بجمع تبرعات من المدرسين الذين يحصلون على رواتب لمساعدة المعلمين المتطوعين ممن ليس لهم رواتب ثابتة، في محاولة لتجاوز المأزق.

 

كما وأطلق عدد من الناشطين في الشمال السوري، مبادرات تحت مسميات "لا تكسروا قلمي"، "مدرستي سر سعادتي"، و"قلمي حلمي" في محاولة لتسليط الضوء على ما يواجه القطاع التعليمي في إدلب، وبهدف لفت اهتمام المنظمات المحلية والدولية بشكل أكبر بهذا القطاع.

 

نقص حاد في الكتب

 

ولفت محمد عباس، منسق التعليم في "شفق" إلى ندرة الكتب المدرسية والتي تعد "ركناً أساسياً لعملية التعليم".

 

وقال: "عدم توفر الكتاب مع الطالب يسبب الإحراج للمعلم وهدر الوقت وخاصة بالنسبة لطلاب الحلقة الأولى وهم الأكثر حاجة إلى الكتب الجديدة، ولا مبرر لنقص الكتب، لا سيما إنها أدت إلى لجوء المعلمين لاستخدام كتب من منهاج النظام الذي يتنافى مع خطط وسياق عمل مديريات التربية والتعليم"، وفق تعبيره.

 

من جهته، لفت عبد الكريم النور، وهو مسؤول تعليمي بـ"منظمة قبس"( مؤسسة تعليمية محلية تعمل في شمال غربي سوريا)، إلى افتقار المدارس للوسائل التعليمية التي تساهم بإيصال الفكرة للطلاب بشكل أوضح وهي شبه نادرة مع أنها تعتبر من الأساسيات في العملية التعليمية.

 

وأعطى "النور" إحصائية عن الواقع التعليمي وقال إن هناك/٨٠٠/ ألف طالب وطالبة في مدارس إدلب وريف حلب الغربي، في حين يبلغ عدد المدارس بقطاع إدلب وحلب حوالي /١٣٠٠/ مدرسة يغطيهم بشكل تقريبي /٨٢٠/ ألف مُدرّسة ومدرّس بين متطوع ومن لا يزال يتقاضى راتبه من مديرية التربية والتعليم بحماه التابعة للحكومة السورية.

 

وقال إنه بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على إدلب، "استمر القطاع التعليمي بتدريس مناهج وزارة التربية التابعة للحكومة السورية، مع الاستغناء عن مادة (التربية القومية)، ثم تم إلغاء التدريس بتلك المناهج بقرار من مديرية التربية والتعليم في إدلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة".

 

وأضاف: "غدت المناهج موحدة في عموم إدلب ويتم طباعتها في تركيا مع إدخال بعض المواد الترفيهية والدينية من قبل بعض المنظمات المحلية".