الدراما السورية 2020.. هل استطاعت أن ترتقي إلى ذائقة المتلقي؟
دمشق – أحمد كنعان – نورث برس
يتفق أغلب النقاد، بدرجات متفاوتة، على أنّ الدراما السورية لم تستطع هذا العام إرضاء متابعيها من حيث المضمون والقيمة الفكرية، فهي برأيهم في "تراجع مستمر حتّى على صعيد الكم، ولم ترتقِ أغلب الأعمال إلى سوية ذائقة المتلقي، كما لم تلامس همومه الحقيقية أو معاناته".
وشملت الانتقادات أعمالاً كوميدية كان يفترض بها على الأقل أن تدخل البهجة إلى نفوس المشاهدين، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف أيضاً، بحسب متابعين للأعمال المعروضة هذا العام.
"دراما مخيبة"
وقال الناقد لؤي سلمان، لـ "نورث برس"، إن حال الدراما السورية لم يختلف هذا العام عن الأعوام السابقة لا من حيث القيمة الفكرية ولا المضمون، "حتّى الأعمال التي حاولت إدخال البهجة إلى قلب المشاهد لم تُدخل إلّا الخيبة".
وأضاف أن بعض المشاهدين "أحبوا (بوشنكي) الذي عرف الوصفة السحرية، باستخدامه ثلاث حسناوات من دون موضوع أو قصة، لكن في النهاية كان من أسوأ الأعمال الكوميدية، وبعض الأعمال لم تستطع الاستحواذ على فئة مشاهدين ولو ضئيلة جداً، مثل مسلسل (يوماً ما) الذي جاء بقصص ساذجة وأداء يحتاج إلى إنعاش"، بحسب تعبيره.
غياب النصوص "الجادة"
وأعاد الناقد الفلسطيني عمر جمعة، وهو مدير تحرير مجلة جهينة الفنية، استمرار الدراما بـ"التأخر" إلى "غياب الأقلام الجادة، وقلّة السيناريوهات المدهشة، واللمحات الإخراجية الملفتة، التي ميّزت الدراما السورية ردحاً من الزمن، فضلاً عن أننا بدأنا نكتشف أنّ ما يسمّى الدراما المشتركة قد نجحت إلى حدّ كبير في استنزاف كفاءاتنا الفنية".
ورأى أنّ مسلسل "حارس القدس" الذي يعرض سيرة حياة المطران "إيلاريون كبوجي" يحظى بنسبة متابعة ومشاهدة عالية، "لأن هذا الشكل من التعبير الدرامي الذي يتناول مراحل زمنية مهمّة من تاريخ المقاومة الفلسطينية، يعدّ في سلم أولويات من هم بحاجة إلى دراما حقيقية وجادة ببعديها الوطني والإنساني".
"ميزانيات كبيرة"
بينما رأى الصحفي عصام عبود أنّه رغم الميزانية الكبيرة جداً التي رُصدت لمسلسل "حارس القدس"، إلّا أنّه "لم يرق لمستوى القضية التي يناقشها، وينبغي أن يعرف الجميع أنّها ميزانية من المال العام".
وأضاف، لـ"نورث برس"، أنّ الموسم الرمضاني الحالي كان مخيباً ومخالفاً للتوقعات فالأعمال الدرامية لم تكن بجودة الأعمال التي طرحت وقدمت خلال سنين الحرب وقبل الحرب".
وقال الصحفي إنّ الدراما في هذا العام اعتمدت على دقة الكاميرات والمكياج والملابس الفاخرة، و"الحياة التي لا تشبه سوريا ببساطتها وعفويتها، ولم تقدم هذه الأعمال الدرامية أي فكرة للمشاهد، وكأنها مصنوعة لتضيع الوقت فقط".
"غياب الواقع"
ولفت إلى أن نتاجات الأعوام السابقة كانت تلامس واقع السوريين من فقر وقهر وموت وتشرد وفساد، وتشرح أوجاع السوريين بكلّ عمق وشفافية كمسلسل "الندم" أو مسلسل "دقيقة صمت" على سبيل المثال.
ويرى الناقد أحمد علي هلال في حديثه لـ "نورث برس" أنّ الأعمال الدرامية للموسم الرمضاني 2020، "أظهرت جملة من السمات والخصائص منها، النزوع إلى النوع تحت مسوغات وإشكاليات الإنتاج، أي الشرط الإنتاجي المتغير في زمن درامي متغير".
وأشار إلى وجوب طرح السؤال التالي، هل استطاعت دراما 2020، أن ترتقي إلى ذائقة المتلقي أم ظلت أشبه بشباك التذاكر بالنسبة إليه؟!".
وأضاف أنّه "ثمّة أعمال بعينها بدت وكأنها تحاكي موضوعات لا تهم المتلقي كثيراً، وتبتعد عن ملامسة قضاياه، مثال (بوشكني) و(في يوم ما) على سبيل المثال وليس الحصر".
أعمال البيئة الشامية
واعتاد الجمهور السوري في كل موسم رمضاني على متابعة عمل درامي يحاكي البيئة الشامية، حتى بات الجميع يترقب هذا النوع من الأعمال، التي لاقت شهرة ومتابعة في عموم الدول العربية، كما استكان قسم من الجمهور لفكرة أنّ أعمال البيئة الشامية دخلت دائرة الاجترار ووجب إيقافها لحين تجديد الأفكار.
ويلفت الناقد لؤي سليمان إلى أنّه لا يمكن اعتبار أن كل الجمهور يمتلك سوية واحدة، وأنّ "هناك شرائح لا زالت تعشق أعمال البيئة الشامية بالرغم من تكرار الفكرة والثرثرة والشتائم".
"كسر الصورة النمطية"
أمّا الصحفي عصام عبود فيرى أن دراما البيئة الشامية، أو ما وصفه بـ"توثيق مراحل معينة من تاريخ دمشق خاصة وسوريا عامة كانت حاضرة في الموسم الحالي بنماذج جيدة".
وقال، "لقد نجح مسلسلا (بروكار) و(سوق الحرير) هذا الموسم، بإعادة الاعتبار لهذا النوع الدرامي، وذلك عبر حكايات جديدة وأحداث مبنية بإحكام، الأهم فيها أنّها ابتعدت عن الصورة التقليدية النمطية، التي كرستها أعمال البيئة للحارة الشامية سابقاً".
ورأى الناقد أحمد علي هلال أن أعمال البيئة الشامية لهذا العام تحاول كسر الصورة العالقة في أذهان الجمهور من السنوات السابقة.
ويوضح، "إنّها تحاول أن تشكّل فرقاً في التلقي يطيح بإرث أعمال سابقة مثل (باب الحارة) وغيرها، أي استقطاب الجمهور بالحكايات الأثيرة، وثمة ميل في هذه الأعمال إلى الشعبوية أكثر منها إلى النخبوية".
الأعمال المشتركة
ودرجت في الأعوام والمواسم الرمضانية الماضية عدّة أعمال يشارك فيها ممثلون من دول مختلفة في عمل درامي واحد، ويجمع العمل المشترك بين أكثر من بيئة وثقافة ولهجة، ما يجعله محبباً لدى طيف واسع من جمهور الأعمال الدرامية الرمضانية، في الوقت الذي قد يكون هذا الجمع الذي يقدمه العمل الدرامي بين أكثر من بيئة، سبباً لابتعاد آخرين عن متابعته.
ولفت الناقد لؤي سليمان إلى أن هذه الأعمال المشتركة "لم تكن أفضل حظاً رغم التسويق الإعلاني لها، باستثناء مسلسل (الساحر)الذي اختار كاركتر جديد للفنان عابد فهد".
"تكرار ممجوج"
وأردف أنّه "يغلب على أعمال هذا العام صفتان، أولاهما الاستعانة بفنانين من دول عربية مختلفة حتّى يضمنوا فكرة التسويق والمشاهدة، ولكنهم لم يوفقوا بسبب الأداء والقصة، والثاني إعادة خلق شخصيات نجحت في مواسم سابقة، وهو تكرار ممجوج".
في حين كان للناقد أحمد علي هلال رأي آخر عن قيمة الأعمال المشتركة حيث قال: "إن قيمة الأعمال المشتركة استمرت في إشكاليات موضوعاتها، وفي محاولتها جذب المتلقي عبر الإبهار والمتعة، وتحت سيطرة رأس المال واشتراطاته اضطرت إلى الخوض في قضايا اعتمدت فقط على سطوة النجم السوري وحضوره، أكثر من إثارتها لموضوعات حياتية قريبة من ذاكرة ووجدان المتلقي".
وتعرضت الدراما السورية العام الفائت لمجموعة انتقادات على خلفية عدم تمكنها من استعادة مكانتها لدى الجمهور العربي، حيث وجد نقاد أنها خرجت عن مضمونها في معالجة المشاكل المجتمعية وأصبحت مادة ترفيهية مستهلكة تهدف إلى "الإبهار" فقط.
وشهد العام الحالي إيقاف تصوير المسلسلات السورية لنحو أسبوعين مع بدء فرض الإجراءات الوقائية من قبل الحكومة السورية لمواجهة انتشار وباء كورونا، الأمر الذي ترتب عليه أعباء مادية إضافية على شركات الانتاج و تأثيرات على سوية الأعمال الدرامية، وفق منتجين ونقاد.