الخياطة النسائية مهنة لم تتضرر كغيرها من مخاوف “كورونا” في أرياف الرقة

 

الرقة- مصطفى الخليل- نورث برس

 

تأثرت مهنة الخياطة النسائية في الرقة وريفها، شمالي سوريا، بشكل نسبي بقرار حظر التجول الذي اتخذته الإدارة الذاتية في مناطقها منذ أكثر من أسبوعين للوقاية من فيروس "كورونا المستجد"، لكنه لم يبلغ حد توقف العمل كما حال بعض المهن الأخرى.

 

ويمارس معظم ممتهني الخياطة النسائية في أرياف الرقة عملهم داخل منازلهم، في حين أن البعض منهم يعتمدون على محال في المدينة والبلدات التابعة لها.

 

عمل في المنزل

 

وقالت تركيَّة الحسن (55 عاماً)، وهي خياطة من أهالي قرية كسرة محمد علي، /8/ كم جنوب مدينة الرقة، لـ"نورث برس"، إن عملها لم يتأثر كثيراً بحظر التجول، فهي لا تمتلك بالأساس محلاً للخياطة، وإنما تقوم بمزاولة عملها ومنذ /45/ عاماً في المنزل.

 

تنهمك الحسن في خياطة ثوب نسائي وهي تروي ذكرياتها مع مهنتها والظروف التي عاشتها منذ أن رفض والدها طلب أخيها بأن تتم تعليمها بعد الصف السادس الابتدائي، لتنتقل بعدها لتعلم هذه المهنة.

 

وتعلمت تركية الخياطة من والدتها التي تنحدر من مدينة حلب، حيث كان سكان قرى الرقة وباديتها في "ذاك الزمن" ينظرون إلى مهنة الخياطة النسائية على أنها حالة تدل على التحضر، لأن ممارستها آنذاك كانت تقتصر على النساء اللواتي يقطن في المدن.

 

"كان من النادر أن توجد خياطة في الأرياف، لا بل أنه من المستحيل أن توجد امرأة تمتهن هذه المهنة في بوادي الرقة التي يقطنها عرب رحل من رعاة الأغنام والإبل".

 

وبالرغم من أن المرأة الخمسينية تعمل في منزلها، إلا أن زبائنها من النساء في مدينة الرقة والقرى البعيدة عن قرية كسرة محمد علي لا يتمكنّ من المجيء إليها كالسابق، بسبب حظر التجول المفروض تفادياً لانتشار فيروس كورونا في المنطقة.

 

وأدى فرض حظر التجول الذي اتخذته الكثير من بلدان العالم للحد من انتشار فيروس كورونا إلى توقف الكثير من المؤسسات الاقتصادية والتجارية عن أعمالها في ظاهرة توصف من قبل متابعين بأنها طارئة ولم يعهدها العالم من قبل، في حين يعاني عاملون وأصحاب مهن من ذوي الدخل المحدود والمتوسط في البلدان التي تفتقر لأنظمة ضمان اجتماعي ومعيشي من انقطاع مصادر دخلهم.

 

وتعاطت الدول مع فرض حظر التجول بشكل يختلف ما بين دولة وأخرى، حسب اعتبارات عدة، منها ما يتعلق بثقافة الشعوب نفسها وآلية استجابتها للقرارات الحكومية ومنها ما يعود لمدى انتشار الفيروس داخل أراضيها.

 

بين المنزل والمحل

ومع التطور الذي شهدته المهنة، لم تعد الخياطة تمارس بالأيدي، وبالإضافة إلى الماكينات الكهربائية ظهرت مهنة التطريز الإلكتروني، كما لم تعد الخياطة النسائية محصورة بالخياطات النساء فقط، فكثير من الشباب في مدينة الرقة وأريافها يزاولون حالياً هذه المهنة أيضاً.

 

وقال عمار الإبراهيم(26 عاماً)، خياط للألبسة النسائية من قرية رطلة، /11/ كم جنوب الرقة، إنه يقوم حالياً ومنذ فرض حظر التجول بافتتاح محله منذ السادسة صباحاً وحتى العاشرة صباحاً، لأخذ المقاسات وتسليم الثياب للزبائن فقط، حيث تتساهل القوات الأمنية مع سكان خرجوا لتأمين احتياجاتهم خلال ساعات الصباح.

 

 وقال، "أعود بعدها لمتابعة عملي مع اثنين من أخوتي في المنزل، فيما كلف باقي العمال الذين يعملون في محلي، بالعمل كل في منزله، التزاماً بقرار حظر التجول، في الحقيقة عملي لم يتأثر كثيراً بظروف الحظر" .

 

وكان الإبراهيم، قد اتجه لتعلم الخياطة النسائية على يد خياطة نسائية في مدينة الرقة، بعد أن كان على وشك التخرج من قسم الفلسفة في جامعة "تشرين" في اللاذقية، لكن ظروف الحرب في البلاد منعته من إتمام دراسته.

 

ومنذ قرابة الأربع سنين سنحت الظروف له بافتتاح محل للخياطة النسائية في قرية كسرة عفنان، /6/ كم جنوب مدينة الرقة، القريبة من قريته.

 

" الخياطة النسائية أكثر تعقيداً من الخياطة الرجالية، كونها تحتاج لدقة في أخذ المقاسات، أضف إلى ذلك أن المرأة لا تتسامح مع أي خطأ في الخياطة حتى لو كان بسيطاً ".

 

ويروي خياطون من الرقة وريفها أن أجرة خياطة الثوب النسائي قبل /20/ عاماً، ما كان ليتجاوز/50/ ليرة سورية، في حين تبلغ الآن كحد أدنى /3500/ ليرة سورية، رغم أن الزي التقليدي لنساء الرقة قديماً، كان غاية في التعقيد ويتألف من عدة قطع ويحتاج لخياطة ماهرة، بينما تكتفي معظم الفتيات حالياً بخياطة الثوب المعروف باسم الكلابية.

 

محال متضررة

 

وعلى عكس محلات الخياطة النسائية في أرياف الرقة، تأثرت محلات الخياطة في المدينة بنسبة أكبر بظروف حظر التجول وانتشار المخاوف من انتقال فيروس" كورونا".

 

 وقال جمال الدين الحسيني(25 عاماً) وهو صاحب محل خياطة نسائية في شارع "تل أبيض" وسط مدينة الرقة، إن حظر التجول أضر به وبغيره من أصحاب محال الخياطة النسائية في الرقة، وإنه لا يستطيع القيام بعمله من داخل المنزل واستقدام الزبائن إلى منزله مثل ما يحدث في الأرياف.

 

فالحسيني صاحب ورشة كبيرة، يعمل بها العديد من الشباب والفتيات ولا يمكن بأي حال أن يكتمل الإنتاج إلا باجتماعهم سوياً، فهناك قسم للكوي وقسم للتطريز وقسم آخر لأخذ المقاسات، وهذا لا يمكن أن يتم إلا في داخل المحل، على حد قوله.

 

"في مثل هذا الموسم تقبل النساء في مدينة الرقة بكثرة على شراء وخياطة الثياب خاصة قُبيل فترة شهر رمضان وعيد الفطر، لكن الأمور ساءت هذه السنة".

 

يطالب الحسيني أن تمتد فترة السماح للناس بالحركة والعمل في المحال التجارية والأسواق للساعة الرابعة مساء على الأقل، ليتسنى للناس القيام بأعمالهم، فالفترة الممتدة من السادسة صباحاً وحتى العاشرة غير كافية لتأمين احتياجاتهم وإتمام أعمالهم.

 

ودخل قرار الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بحظر التجول في مناطقها حيز التنفيذ منذ /23/ آذار/ مارس الفائت، ولا يزال سارياً حتى الآن بعد تمديده لمدة /15/ يوماً أخرى وفق قرار صدر أمس الاثنين.