من “هوبز” إلى “كورونا”.. كيف تتحكم الديمقراطيات الغربية بنظرة المواطنين للحياة والموت؟
واشنطن – هديل عويس – نورث برس.
أشعل انتشار وباء "كوفيد – ١٩" حرباً باردة من نوع آخر في العالم، لكن هذه المرة بين الصين والولايات المتحدة، لنقرأ بين الحين والآخر اتهامات متبادلة بين العملاقين الاقتصاديين حول نشر أو صناعة فيروس "كورونا" المستجد.
من جانبه يصر الرئيس ترمب على تسميته باسم "فيروس ووهان" أو "الفيروس الصيني"، بينما تتهم صحيفة "جلوبال تايمز" المقربة من الحكومة الصينية، الولايات المتحدة والجيش الأميركي، بأنه كان مصدر تفشي الفيروس، حيث تقول الصحيفة الصينية إن الوفد العسكري الأميركي الذي جاء إلى مدينة "ووهان" للمشاركة في الألعاب العسكرية العالمية في أكتوبر 2019، جلب معه جائحة الفيروس التاجي.
ولم تقتصر الحرب الباردة على الأوساط السياسية وحدها، بل انتقلت في الولايات المتحدة إلى الأميركيين على شكل موجة غير مسبوقة من العنصرية ضد كل الأميركيين من أصول آسيوية على أنهم مصدر المرض، فبحسب "NBC" نيوز ، هناك أكثر من /٦٥٠ /أميركي من أصول آسيوية، تقدموا ببلاغات للشرطة خلال الأسبوع الماضي، بسبب حوادث وهجمات عنصرية ضدهم.
قادة "يحتكرون النظرة للحياة والموت"
وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في مقال نشرته أمس الخميس، إن هناك من يعتقد أن انتشار فيروس "كورونا" المستجد قلل من أهمية الخلافات السياسية أو أزاحها جانباً لتحتل أخبار انتشار الفيروس العناوين، إلا أن الحقيقة هي أن فيروس "كورونا" خلق في العالم الغربي واقع أشبه بواقع زمن الحروب، ذلك أنه لم يزح السياسة جانباً بل أخفى طبقة من النقاشات السياسية، ليكشف عن شيء أكثر غموضاً كان يختبئ تحتها، وفق الصحيفة.
وتضيف "الغارديان"، كان يعتقد المواطن الغربي أن الحياة السياسية والصراعات السياسية في بلاده هي معارك بين أحزاب تختلف رؤاها، وكل منهم يريد أن يحقق أهداف المواطنين المؤيدين لحزبه بعد أن يكسب أصواتهم، لكن وباء "كورونا" كشف ما هو أعمق من هذا بكثير، وهو كيف يتصرف ويستغل السياسيون الذين منحهم الناخب ثقته، أزمة مثل "كورونا" عبر توظيفها السياسي لمصالحهم الخاصة، وليس للصالح العام.
وتستشهد الغارديان بالفيلسوف البريطاني "توماس هوبز"، فتقول، كما كان يعلمنا "هوبز" يعلمنا انتشار فيروس "كورونا" أن ممارسة الحكم السياسي هو "امتلاك قوة الحياة والموت على المواطنين"، فسياسيو اليوم "يستخدمون انتشار الفيروس لتوجيهنا حتى في الاعتقاد حول ما سيكون عليه شكل مصيرنا من حياة أو موت وهذا ما يحدث اليوم"، وفق تعبيرها.
رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" والذي أعلن عن إصابته بفيروس كورونا، كان قد بدأ سياساته لمواجهة الوباء بما سماه "نظرية مناعة المجتمع" أو "مناعة القطيع"، فرأى أن إغلاق بريطانيا لن يجدي، وبما أن أعراض الفيروس وأخطاره تهدد فئة صغيرة فقط من المجتمع، بحسب ما تظهره أعداد الضحايا وأعمارهم، فإن إصابة الناس بالفيروس واكتسابهم المناعة هو الحل الأفضل، بحسب رأيه.
لكن جونسون غير بعد ذلك استراتيجيته، وبات يوجه بريطانيا نحو التزام بالحجر وإغلاق المدن حتى مع الاستعانة بالجيش، الذي انتشر في شوارع بريطانيا.
تهديد لمستقبل ترمب السياسي
وفي الولايات المتحدة، التي باتت اليوم تتصدر دول العالم بأعداد الإصابة بالفيروس المستجد، كانت البلاد قبل شهرين غارقة بالتركيز على عملية عزل موجهة ضد الرئيس "ترمب"، ثم معارك انتخابية تقود إلى انتخابات الرئاسة ٢٠٢٠.
وكان الرئيس ترمب قبل أشهر قليلة عازماً على الذهاب الى السباق الرئاسي بأوراق قوية على صعيد الاقتصاد الأميركي الذي تحسن في عهده بشكل ملحوظ، لكن بات يؤرقه تأثير فيروس "كورونا" العميق على الاقتصاد الأميركي الذي بات في غضون شهر واحد على حافة كساد اقتصادي كبير لم تشهده الولايات المتحدة منذ عقود طويلة.
وترى صحيفة "ذا هيل" الأميركية أن رئاسة "ترمب" ومستقبله السياسي بات مهدداً بشكل جدي، بسبب التبعات الاقتصادية لفيروس "كورونا"، إذ أن "ترمب" الذي حاول منذ بدء انتشار الفيروس في الصين وقف الرحلات إلى الولايات المتحدة من الدول التي انتشر فيها الفيروس، لم يتمكن من الاستمرار بالسيطرة على الوضع، ليتفشى الوباء في أميركا.
وبحسب "ذا هيل" فإن الرئيس الأميركي، يخوض اليوم مقامرة كبرى بإعلانه عن عزمه إعادة فتح الاقتصاد والمؤسسات الأميركية بعد عيد الفصح في منتصف شهر نيسان/ أبريل القادم، لإعادة عجلة الاقتصاد إلى العمل، معولاً على تقوية الاقتصاد الأميركي وحقيقة أن الفيروس يضرب فئات عمرية ومجتمعية معينة ولن يقتل كل الناس، حيث يحاول "ترمب" أن يفعل كل شيء لإنقاذ الاقتصاد وإنقاذ رئاسته قبل موعد الانتخابات المقبلة في نوفمبر الـ٢٠٢٠.
أزمة ثقة تجاه الإعلام
من جانب آخر وبينما يعمّق وباء "كورونا" أزمة الاقتصاد الأميركي، حيث بات هناك أكثر من/ ٣.٢ /مليون مواطن عاطلين عن العمل في نسبة هي الأكبر منذ العام/ ١٩٨٢/، يحاول الإعلام المناوئ لـ"ترمب" استغلال كل جانب من جوانب انتشار فيروس "كورونا" في الولايات المتحدة لتدمير رئاسته وقدرته على الفوز في انتخابات الـ٢٠٢٠.
وبحسب صحيفة "ناشيونال ريفيو" فإن إحصاءات مؤسسة "جالوب" الأميركية تشير إلى أن نسبة قليلة من المواطنين باتوا يثقون بالإعلام الأميركي بشكل يقل عن نسبة ثقتهم بالرئيس دونالد "ترمب" ما "سيتسبب بأزمة طويلة الأمد للإعلام في الديموقراطيات الغربية"، حيث ترى "ناشيونال ريفيو" أن معظم تغطيات الإعلام الأميركي حول "كورونا" تشوبها سوء النية والأهداف السياسية، سواء من الإعلام الذي يحاول التخفيف من خطر الفيروس أو التضخيم من أثره ومخاطره.
لمَ أصبح "كورونا" حديث الناس؟!
جملة من العوامل الصحية المرتبطة بسرعة انتشار فيروس "كورونا" وسهولة العدوى به، وتأثيره السلبي الكبير على كبار السن، بالإضافة إلى "الاستغلال السياسي العالمي" لانتشار الفيروس وصعود موجات العنصرية إثر انتشاره وتأثيره على الاقتصاد، تجعل من فيروس "كورونا" حديثاً عالمياً يتصدر المشهد وفق مراقبين.
وتتحدث المجلة الصحية "Life Hacker" عن أن بعض الأعراض العادية التي تصيب الناس بشكل عام دون أن تكون مرتبطة بـ"كورونا" باتت اليوم سبباً لنوبات هلع وذعر قد تضرُ الناس أكثر من ضرر الفيروس نفسه، فأي إنهاك عام مع ضيق تنفس وشيء من الحمى، بات يسبب لصاحبه إرهاق وقلق من الإصابة بفيروس "كورونا" والقفز إلى استنتاجات مخيفة وافتراض أن الأسوأ على وشك الحدوث.
وتنقل المجلة عن أطباء نفسيين أن العقلانية في التعامل مع الفيروس مطلوبة، لتجنب أي إرهاق من نوع آخر مع ضرورة الاستماع الى نصائح الخبراء الطبيين التي تشير كلها إلى أهمية العزلة في حال الشعور بأي أعراض، وأخذ المزيد من الحذر والعناية إذا كان الشخص من المعرضين للخطر من أشخاص مسنين أو مصابين بأمراض مرتبطة بقلة المناعة أو ضيق التنفس.
أما مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فيؤكد أن إغلاق البلاد واللجوء إلى عمليات الحجر والتقليل من الاختلاط هدفها الأساسي هو حماية الفئة المعرضة للخطر في المجتمع، ففي الغالب الفيروس لن يقتل الأطفال والشباب ومن هم في صحة جيدة، ولكن سيعرض الأقل مناعة للخطر، والخوف الأساسي هو انهيار القطاع الصحي بعد إثقاله بأعداد هائلة من الحالات التي تحتاج إلى العلاج.