اللغة السريانية في القامشلي.. انعدام الإصدارات الجديدة وحصر موروثها في الكنائس

 

القامشلي – شربل حنو/ ريم شمعون – نورث برس

 

تعاني اللغة السريانية، إحدى أقدم اللغات في سوريا والعراق والعالم، من تراجع الاهتمام بها إلى حد عدم وجود كتب منشورة بها مؤخراً، فيما يعيد المهتمون بها هذا الإهمال إلى غياب الدعم من قبل الجهات الرسمية والكنسية.

 

وأوضح أحيقار رشيد، وهو ناشط مدني سرياني، أن الحالة المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية بقيت باللغة السريانية حتى بعد سقوط الأمبراطورية الأشورية في القرن السادس قبل الميلاد، وفي هذه الفترات كانت هناك "منارات للعلم باللغة السريانية كجامعة نصيبين وحران والرها وقنشرين".

 

وأضاف أنه لو بقيت اللغة السريانية بحالتها المدنية دون ربطها بالكنيسة، لكانت ستصبح أكثر إنتاجاً وتطوراً في المجتمعات المحيطة، لأن السبب الرئيسي لنقص الاهتمام اليوم بهذه اللغة وبالكتابات والترجمات الخاصة بها هو ارتباطها بالكنيسة، حيث تم "حصر الموروث الحضاري والتاريخي في إطار الكنيسة"، وأن هذا الأمر تم على عدة مراحل عبر العصور.

 

لكن أغلب الأطباء والشعراء والفلاسفة السريان ممن يتم ذكرهم أيام النهضة السريانية التي بدأت في العصور الوسطى هم من أبناء الكنيسة، وهنا تكمن مشكلة الارتباط الوثيق بين اللغة والكنيسة حسب رأي رشيد.

 

"لم يكن هناك أشخاص من خارج الكنيسة يشغلون مناصب ككاتب أو شاعر أو طبيب أو باحث لأن جميعهم كانوا إما رهباناً أو كهنة أو مطارنة، حيث انعدمت الحالة المدنية كلياً، وبرز رجال الدين الذين لم تتجاوز نسبتهم في ذلك الوقت عشرة بالمئة من الشعب السرياني ".

 

وانتشرت اللغة السريانية بشكل كبير قبل الميلاد بآلاف السنين وكانت ذروتها أيام الأمبراطورية الأشورية\934_609ق.م\ حيث كانت تعتبر لغة التجارة في ذلك الوقت وتربط الشرق مع الغرب ضمن رقعة جغرافية واسعة تمتد من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام والعراق وتركيا وإيران.

 

وكان أغلب المترجمين في ذلك الوقت يقومون بترجمة الكتب من اللغة اليونانية للسريانية أو العكس، لكن الاهتمام بهذه اللغة قل مع مرور الوقت، حيث يشكل المتحدثون بها حالياً نسبة قليلة من أبناء سوريا والعراق فقط.

 

ويأتي رأي مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، موريس عمسيح، على عكس ما يراه رشيد تماماً حول الدور الذي لعبته الكنيسة في الحفاظ على اللغة السريانية، فقد قال لـ"نورث برس"، إن الكنيسة هي التي حافظت على اللغة السريانية عبر العصور من خلال الصلوات في الأديرة، والرهبان الذين كانوا يعلمون الصغار فيها، حيث كان يوجد في كل قرية مدرسة بجانب الكنيسة يتم تعليم السريانية فيها، على حد قوله.

 

وأضاف أن موضوع تقلص اللغة السريانية إلى داخل الأديرة والكنائس لم يكن أمراً فرضته الكنيسة، بل جاء بسبب ظروف المنطقة بعد الفتح الإسلامي للمنطقة، "بعد الفتح الإسلامي العربي إلى المنطقة، بدأت اللغة السريانية بالتقلص واقتصرت على الأديرة والكنائس والرهبان".

 

 أما خارج نطاق الكنيسة، فكان للسريان عدد قليل من الشعراء والأدباء الذين مارسوا الكتابة والترجمة باللغة السريانية، من بينهم الشاعر والكاتب السرياني حنا بهنان، الذي لا يزال مستمراً في كتابته وترجماته منذ /50/ عاماً وحتى الآن.

 

وتتواجد الكتب السريانية في مدينة القامشلي في مكتبتي "أنطاكيا" التابعة لكنيسة السريان الأرثوذكس بالمدينة، ومكتبة "سوريانا" للشاعر والكاتب السرياني حنا بهنان.

 

وقال بهنان إنه ترجم كتاب "الأجنحة المتكسرة" للشاعر جبران خليل جبران من اللغة العربية إلى السريانية، لكن لم تتم طباعة الكتاب لقلة الدعم والاهتمام باللغة السريانية، والذي أدى بدوره إلى تراجع اهتمام الكتاب والمترجمين باللغة السريانية، فهي لا تعود بدخل مادي جيد على من يقوم بالكتابة بها والترجمة منها وإليها.

 

وأضاف متأسفاً أن "الشعب السرياني لا يرى من من واجبه الاهتمام بلغته، بسبب عدم تشجيع الدولة لهذه اللغة، فمثلاً لا يوجد فرع لها في الجامعات السورية، وكذلك لا يوجد اهتمام بها من قبل المؤسسات الكنسية".

 

وأشار بهنان إلى بعض الأدباء الفرنسيين الذين قاموا بترجمة كتب من التراث السرياني إلى اللغة الفرنسية رغم أنها ليست لغتهم، في حين كان هذا واجب الإكليروس السرياني حيث يجب عليهم ترجمة التراث السرياني للغات الحية.

  

وشهدت مدينة القامشلي خلال السنوات الأخيرة العديد من النشاطات الفنية السريانية، لكن غابت معارض الكتب والأمسيات الشعرية والقصصية باللغة السريانية عن المشهد بسبب قلة الاهتمام باللغة السريانية.