القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس
جمهورية مصر العربية على اتساعها إلا أنها أمام أعينهم تضيق جداً، يضعون أنفسهم قيد "إقامة جبرية" في نطاقات ضيقة لا يستطيعون منها فكاكاً أو خروجاً لقضاء حوائجهم من قلب العاصمة أو حتى التنزه ورؤية "أم الدنيا" كما يطلق عليها.. يعيشون في مدينة (وربما حي صغير بعينه) لا يخرجون منها، فيها حياتهم وعملهم وأصحابهم وكل شيء، الخروج عن نطاقها أمر شديد الصعوبة، وله حسابات أخرى مُعقدة.
أمر الخروج عن تلك النطاقات يتطلب أساساً اختيار الوقت المناسب للخروج، حتى لا يتعرضون لأية ملاحقات أمنيّة، وكذا الخروج في سيارة خاصة "مضمونة" وليس في مواصلات عامة أو خلافه، مع تحديد الوجهة جيداً ولأمر شديد الأهمية.
هذا هو حال بعض السوريين في مصر، ممن انتهت فترة إقامتهم الرسميّة أو ممن لا يحملون "الكرت الأصفر" الذي يعطي لهم الحماية القانونية، والصادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لا يستطيعون الخروج من مناطقهم خشية تعرضهم لأي استيقافات أمنيّة قد تفضي بهم إلى مصائر مجهولة، من بينها الترحيل إلى بلادهم مباشرة.
الأسباب عديدة والحالات مختلفة، والنتيجة في النهاية عيّش في ظل توتر وترقب وخوف يلاحقهم، بعضهم من رضي بالأمر الواقع، ومنهم من يحاول توفيق أوضاعه بما يلائم تطلعاته المستقبلية.
(ع.أ) شاب سوريٌ مقيم بمدينة السادس من أكتوبر (واحدة من أشهر المدن الجديدة التي تشتهر بغزارة التواجد السوري فيها) يروي لـ "نورث برس" قصته، قائلاً: "أهلي جميعهم خارج سوريا، والدي في الولايات المتحدة، وأنا وحدي في مصر، جئت هنا من أجل الدراسة قبل ستة أعوام تقريباً، وحصلت على الإقامة من خلال تأشيرة الدراسة بأحد المعاهد المصرية المتخصصة، رسبت أكثر من مرّة طيلة تلك الفترة، وفي آخر مرّة لجأت فيها إلى مصلحة الجوازات والهجرة لتجديد الإقامة رفضوا، وطلبوا بيان نجاح".
السبب في ذلك –كما يقول الشاب السوري في روايته- هو أن مصلحة الجوازات والهجرة فطنت إلى أن بعض السوريين يقومون بتعمد الرسوب لإعادة السنة، وإطالة أمد تواجدهم الشرعي داخل مصر، "وبالتالي صارت هناك تضييقات على هذا الأمر"، مردفاً "انتهى بي المقام قبل عام بدون إقامة رسمية، ولا أريد السعي من أجل الحصول على الكارت الأصفر الخاص بالمفوضية، لأنه يمنحني صفة لاجئ، وتلك الصفة قد تجعلني أواجه عقبات في طريق وصولي إلى والدي في الولايات المتحدة بعد أن حصل هو على الكارت الأخضر".
يعيش (ع) في محيط ميدان الحصري (أشهر الميادين في مدينة السادس من أكتوبر) لا يخرج منه أبداً. ويقيم رفقة زميل له في أحد المقاهي التي تشاركا فيها معاً.
"أخرج خارج نطاق المدينة لأسباب محددة وفي أوقات محددة لا تكون فيها كمائن أمنية أو خلافه، لدى مشاويري لاستكمال الأوراق والإجراءات المطلوبة للسفر".
يعزف بعض السوريين –ممن لا يريدون الحصول على صفة لاجئ من المفوضية- عن الحصول على الكارت الأصفر، ويفضلون البقاء بصفة غير شرعية حتى توفيق أوضاعهم، إما بالحصول على إقامة رسمية (عمل أو تعليم أو حتى سياحة)، أو أن يستطيعون الخروج من مصر لذويهم في بلدان أخرى (أوروبا بشكل خاص).
الحصول على صفة لاجئ والكارت الأصفر وإن تمنح -قانوناً- الحماية القانونية للاجئ السوري، إلا أنها في الوقت ذاته لا تمنحه عدد من المزايا، من بينها فتح حسابات بنكية، أو التملك، أو استلام الحوالات المالية، وغيرها من الأمور. مقارنة بالحاصل على الإقامة بجواز السفر السوري، والذي يمكنه القيام بتلك الإجراءات والتمتع بالمزايا المختلفة.
المحامي المصري عبدالرحمن محمد، يقول لـ "نورث برس" عن تلك الحالات التي تفرض على نفسها ما أشبه بالإقامة الجبرية في مناطق بعينها، إنهم يندرجون تحت عدد من الحالات (إما من دخلوا مصر بطريقة غير شرعية ويعملون على توفيق أوضاعهم وينتظرون إتمام الإجراءات بالحصول على الكارت الأصفر، وفي فترة الانتظار تلك يكونون معرضون للمسائلة أو التوقيف في الشارع، وبالتالي يفضلون عدم الحركة بكثرة داخل مصر)، و(إما من انتهت فترة التأشيرة، سواء الدراسة أو السياحة أو العمل، ولم يقومون بتجديدها).
يتم توقيف هؤلاء في الشارع من قبل الدوريات الأمنية والتدقيق الأمني على حالاتهم الجنائية، وبمجرد عدم ثبوت أي اتهامات عليهم وخلو سجلهم من أي جرائم أو ممن لا يمثلون خطراً على الأمن، يتم الإفراج عنهم بكفالية مالية، لحين إتمام استكمالهم الإجراءات القانونية لتوفيق أوضاعهم في كثير من الحالات. لكن فترة التوقيف تظل عادة ما بين أسبوع أو عشرة أيام، "ولا يتم ترحيل سوى من تثبت علاقته بتنظيمات أو جماعات إرهابية"، بحسب محمد.
(ضياء.م) شاب سوري يقيم في مدينة الرحاب المصرية (إحدى المدن الجديدة الشهيرة بغزارة التواجد السوري فيها، مدينة بعيدة عن قلب العاصمة وتشتهر بطابعها الهادئ) يقول لـ "نورث برس"، إنه جاء إلى مصر بطريقة شرعية، حاصلاً على تأشيرة سياحية لمدة ستة أشهر، وفور أن وصل إلى مصر أقام لدى مجموعة من أقاربه وعمل معهم في مجال بيع الأقمشة، على أمل الحصول على إقامة عمل، لكن ما لبث وأن انتهت فترة الستة أشهر ولم يستطع تحسين أوضاعه والحصول على إقامة عمل، فصارت إقامته غير شرعية، ومن ثمّ يحفظ نفسه داخل المدينة، ولا يتحرك كثيراً خشية أي ملاحقات أمنية أو خشية ترحيله، على حد قوله.
ويوضح أن متطلبات وشروط الحصول على إقامة عمل "تفوق طاقته المحدودة حالياً"، ويسعى لاستيفائها بالتعاون مع أحد المحامين المصريين العاملين في هذا الإطار، وخلال تلك الفترة يخشى أن يتم استيقافه في الشارع من قبل الأمن المصري، وبالتالي يفضل أن تكون حركته محدودة وبحسابات خاصة، وفي توقيتات معينة، لكنّ هذا لم يمنعه كثيراً من مواصلة عمله، فهو يمكث طيلة النهار في الشركة ويعود بعد العشاء، حيث يكون آمناً داخل أسوار المدينة المذكورة.