سكان مدينة حلب.. بين سرقات "الشبيحة" والانفلات الأمني ونأي الحكومة عن خلق صراع داخلي
حلب – علي الآغا – نورث برس
شهدت مدينة حلب في الأشهر الثمانية الأخيرة من العام المنصرم 2019، تصاعداً في الانفلات الأمني، من حيث تزايد عمليات السرقة التي تنفذها مجموعات تستهدف السيارات والشقق السكنية والمنازل وسط مدينة حلب.
هذا الاستهداف المستمر دفع الحكومة السورية لنشر أعداد كبيرة من عناصر الشرطة في معظم أحياء مدينة حلب الخاضعة لسيطرتها، والتي تمكنت من استعادتها منذ أواخر العام 2015 وبداية العام 2016.
مجموعات متنفّذة
القضية وفق ما قال سكان محليون من مدينة حلب لـ"نورث برس"، تعدت مسألة عمليات سرقة ونشل، بل تطورت منذ الأيام الأخيرة لعمليات السيطرة على حلب، لعمليات نهب ممتلكات بشكل كامل، وعلى رؤوس الأشهاد.
وأضاف السكان معبرين عن امتعاضهم، بأن الحكومة السورية لم تفلح إلى الآن في عملية ضبط المسلحين الموالين لها ممن يطلق عليهم تسمية "الشبيحة"، والذين باتوا على شكل مجموعات تتبع لمتنفذين ممن تقلدوا مناصب مهمة في الجانب العسكري بشكل خاص.
عمل "الشبيحة" والمجموعات الممتهنة للسرقة والسلب والنشل، لم يقتصر على التسلل لمنازل أو سرقتها أمام أعين أصحابها، مستغلين نفوذهم وتحت ضغط الترهيب بالسلاح، بل تعدى ذلك لعمليات سرقة في شوارع المدينة إضافة لأفعال لا أخلاقية.
سرقات مختلفة
سكان أوردوا أمثلة لـ"نورث برس" من قبيل قيام إحدى مجموعات "الشبيحة" بحي الأعظمية في مدينة حلب، برمي قنابل على أحد المواطنين، عقب عدم امتثاله لتعليمات عناصر المجموعة في الحي، ما تسبب بجروح بليغة في جسد المواطن، إضافة لإطلاقهم الرصاص في الحي بشكل عشوائي في ساعات متأخرة من الليل في بعض أحياء القسم الغربي من المدينة.
تعدى ذلك إلى القيام بأعمال اختطاف ومطالبة الأهالي بفدية مالية، حيث جرت عمليات سرقة من قبل هذه المجموعات من "الشبيحة" لأكبال الكهرباء ليقوموا ببيعها، دون "تجرؤ الجهات المعنية على إيقافهم".
الاتجار مع المعارضة
مصادر أهلية من المدينة أكدت لـ"نورث برس"، أن مجموعات "الشبيحة" المتنفذة تعمد للإتجار بمسروقاتها، مع مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في إدلب وغيرها من المناطق بريف حلب، حيث ترسل القطع المسروقة من السيارات والمنازل، إلى هذه المناطق دون وجود رادع لهم.
وشهدت أحياء صلاح الدين والأعظمية وجمعية الزهراء وحلب الجديدة ومشروع /3/ آلاف شقة، نحو /50/ حالة سرقة في الأشهر الأخيرة، كما جرى القبض على حوالي /83/ شخصاً بتهمة سرقة السيارات والآليات.
إلقاء القبض على السارقين لم يثني بقية المجموعات وعناصرها، ولم يدفعها للتوقف، بل تصاعدت وتوسعت، لتصل إلى سرقة مركز للحوالات المالية.
شهادات أهلية
مصادر من الاستخبارات الجنائية الحكومية، أكدت لـ"نورث برس" بأن عناصر الأمن الجنائي وقوات الشرطة الحكومية، تبتعد بشكل كبير عن مواجهة مجموعات "الشبيحة" في المدينة، بسبب نفوذهم سواء العشائري أو نفوذهم السلطوي، حيث تنأى هذه الجهات بنفسها عن إشعال عراك أو قتال بينها وبين المتنفذين.
الحكومة –وفقاً للمصدر ذاته- على علم بما تقوم به هذه المجموعات بشكل كامل، "إلا أنها تتجنب فتح جبهة داخلية مع الشبيحة".
وأضاف المصدر بأن الحكومة السورية تعمل على "نشر عناصر الشرطة بهدف ضبط الوضع مع تدريب قوات حفظ النظام على تدريبات حرب شوارع ليقوموا بمساندة الجيش بالعمليات التي تعتزم تنفيذها ضد الشبيحة".
ومن جهة أخرى أكد أحد المواطنين في المدينة (م.ف) من سكان باب النيرب، بأن عائلة برّي التي سلحتها الحكومة السورية، والمتواجدة في الحي، تقوم بـ"فرض مبالغ مالية على أصحاب المحال، ووصل الأمر لحد عدم قدرة قسم الشرطة في الحي سوى على إجراء مصالحة بين المدعي والمدعى عليه، وشبّه منطقته التي يقطن فيها بـ"الغابة".
فيما تطرق المواطن (ع.ج) الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، بأنه عاد لحي صلاح الدين بعد غياب لنحو /5/ سنوات، وقصد منزله للسكن فيه، إلا أنه فوجئ بأحد عناصر "الشبيحة" يسكن منزله، حيث طلب منه الخروج عدة مرات ولم يخرج، إضافة لتعرضه للضرب منه بسبب تقديم شكوى ضده، حيث لم تفعل الحكومة أي إجراء بحقه.
وكان إطلاق نار متبادل جرى بين دورية ضمت قائد الشرطة في حلب مع عناصر من قسم السكري، وعناصر من مجموعات "الشبيحة"، في حي صلاح الدين، بعد تقديم نحو /247/ شخصاً لشكاوى متعلقة بوجود عناصر من هذه المجموعات تقطن منازلهم مع مطالبات بإخراجهم منها ليقطن أصحاب المنازل فيها.
الحادثة التي جرت في أواخر تشرين الأول / أكتوبر من العام 2019، أسفرت عن اعتقال /45/ شخصاً، ممن جرى إخراجهم بعد أقل من أسبوعين، دون تقديمهم للمحاكمة على خلفية تبادل إطلاق النار الذي جرى مع القوات الحكومية.
السكان قدموا شكاويهم ويستمرون في تقديمها، إلا أن القوات الحكومية السورية وشرطتها، لا تزال تنأى بنفسها عن الدخول في صراع على الرغم من توسع نطاق الحالة وتزايدها، وإحداث فوضى وحالة كبيرة من الفلتان الأمني والتوتر لدى الأهالي وسكان المدينة ممن ينتقدون أداء حكومتهم وعدم قدرتها على ضبط هذا الوضع.