رقمنة الاقتصاد السوري بين النظرية والتطبيق

رومات محمد – نورث برس

 

يشهد العالم تحولات اقتصادية كبيرة، فالعولمة والثورة التكنولوجية أحدثتا انفتاحاً واسعاً للأسواق، وسرعة في الأداء الاقتصادي، وتشابكاً بين الفاعلين الاقتصاديين ورقمنة الحياة العامة. الأمر الذي ساهم في نشأة الاقتصاد الرقمي باعتباره فضاءً متكاملاً ومتسقاً بين الاقتصاد المنظّم المبني على الموارد الطبيعية، والبشرية والمالية من جهةٍ وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تتأسس على المعرفة والمعلومة من جهة أخرى.

 

وهناك حاجة ملحّة للانتقال من مرحلة الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المبني على المعرفة والابتكار، والذي بدونه لا يمكن للاقتصاديات الحديثة سواء في الدول المتقدمة أو النامية أن تنمو وتتطور خاصة في ظل الانفتاح الاقتصادي الواسع والتنافسية العالية بين الدول.

 

والجدير بالذكر أن حجم الاقتصاد الرقمي العالمي يساوي ثلاثة تريليونات دولار اليوم. والأمر المثير للإعجاب هو حقيقة أن هذه القيمة بأكملها قد تم توليدها في السنوات العشرين الماضية منذ إطلاق الإنترنت.

 

التعريف:

لا يوجد تعريف موحّد متفق عليه للاقتصـاد الرقمي، ويشار إلى الاقتصاد الرقمي أيضاً باسم الاقتصاد الجديد أو اقتصاد الإنترنت.

لكن يمكن تعريف الاقتصـاد الرقمي بأنه: الاقتصاد الذي يشـمل جميع الأنشـطة الاقتصـادية التي تسـتخدم المعلومات والمعرفة الرقمية.

 

مقومات ومتطلبات رقمنة الاقتصاد:

تتطلب عملية رقمنة الاقتصاد مقومات كثيرة وضخمة، وضرورة أن تتسم هذه المقومات بالشمول والتكاملية على مستوى الدولة وفي كافة القطاعات وإلا كانت عملية الرقمنة محدودة وغير شاملة، لكن هذه المقومات في معظمها غير متوفرة في سوريا حالياً، وهي:

 

– وضع استراتيجية للتحول الإلكتروني وتوفير البنية التحتية ابتداءً من التجهيزات والتكنولوجيا وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكة الأنترنت، ومقدمي الخدمات الرقمية، ونظم إدارة المعلومات والمعرفة، وتعزيز البحث والتطوير العلمي، وتطوير المدن الذكية.

– توفر الكوادر كعلماء الرياضيات المبرمجين والمتخصصين في مجال البحوث الأساسية وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، والعاملين في مجال المعرفة وتكنولوجيا المعلومات.

– السياسات الحكومية الهادفة إلى مواكبة التطورات التكنولوجية والتقنية في العالم.

– تهيئة التشريعات والقوانين الناظمة؛ قوانين التجارة الإلكترونية، قوانين حقوق الملكية الفكرية، قوانين الحماية في الفضاء المعلوماتي، وحماية أمن المعلومات.

– تهيئة النظام المالي والجمركي والمصرفي للدولة بما يتوافق مع متطلبات الاقتصاد الرقمي.

– توفر التمويل اللازم والمستدام.

– الربط الإلكتروني بين مختلف القطاعات الاقتصادية ذات الصلة.

– الاستثمار في عدد من المشاريع المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل القطاع العام لتحسين إدارة الخدمات العامة.

– تطوير الحوافز لجذب الاستثمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

 

الفوائد التي تتحصل نتيجة اعتماد الاقتصاد الرقمي:

رقمنة الاقتصاد تجلب فوائد كثيرة كونها عملية تطويرية لتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاقتصاد التقليدي بشكل يزيد الكفاءة والفعالية، ومن هذه الفوائد:

 

– تعتبر المعرفة الرقمية بحد ذاتها مورداً اقتصادياً هاماً على الصعيد العالمي.

– تُحدث الرقمنة تغييراتٍ عميقةً في تنظيم الاقتصاد، وتعيد تحديد سلاسل القيمة، وتطمس الحدود بين إنتاج السلع والخدمات. ويمكن أن تيسر الرقمنة تنفيذ خطة التنمية المستدامة لكن بشرط اعتماد سياسات استباقية لبناء قدرات إنتاجية تناسب الاقتصاد الرقمي الجديد.

– تساهم في إعادة تنظيم البُنى الاقتصادية بحيث تتيح زيادات هائلة في ‏الإنتاجية، وتخلق قنوات أكثر للتوزيع، وتشجع على إنتاج ‏السلع والخدمات، كما تساهم في افتتاح أسواق ضخمة جديدة كما هو الشأن في مجالات تداول المال والأعمال والأسواق الإلكترونية.

– مساعدة المؤسسات في الدولة على الربط بالأسواق العالمية بمزيد من السهولة، إلى جانب المساهمة في تسويق المنتجات والخدمات في جميع أنحاء العالم بما ينعكس على تنامي المنافسة والإنتاجية والابتكار.

– تقديم الخدمات الحكومية عن طريق الوسائل الحديثة في المعلوماتية والاتصالات مثل الانترنت والخليوي. ويؤدي ذلك إلى انتفاء الحاجة إلى مراجعة الدوائر الحكومية ما يساهم في التخفيف من البيروقراطية والروتين والرشوة والمحسوبيات والازدحام.

– تخفيف الضغط المروري في العاصمة والمدن الرئيسة، التي تصب فيها معظم المعاملات، كما تساهم في التخفيف من استهلاك الوقود والكهرباء، وفي توفير وقت المواطنين والموظفين.

 

معوقات رقمنة الاقتصاد السوري:

هناك العديد من المعوقات التي تعترض سبيل رقمنة الاقتصاد السوري، لعلّ من أهما:

 

  • ضعف كبير في البنية التحتية للخدمات الإلكترونية وضعف الكوادر والتخصصات، وغياب التشريعات الخاصة بها، وانتشار البيروقراطية والروتين في أغلب المؤسسات الحكومية وغياب التكامل بين السجلات الحكومية المعقدة، وعدم قدرة الدولة على تمويل هكذا مشاريع ضخمة في ظل ظروف الحرب الحالية.
  • الهيكلية الإدارية والحكومية في سوريا لم تبلغ بعد مرحلة الحكومة الإلكترونية ولا حتى أتمتة بعض الإدارات الحكومية.
     

فأتمتة المصرف المركزي على سبيل المثال وهي كانت أول خطوة حكومية متواضعة نحو الأتمتة والرقمنة التي بدأت منذ /10/ سنوات لم تلق النجاح حتى الآن.

 

  • الواقع الرقمي على المستوى الحكومي في سوريا أبعد ما يكون عن الرقمنة بمعناها العملي فالنشر الإلكتروني موجود في شكل وسطي والتفاعل الإلكتروني موجود في شكل ضعيف أما التعاقد الإلكتروني والذي هو الأهم فهو معدوم.

 

آفاق رقمنة الاقتصاد السوري:

رقمنة الاقتصاد بشكل عام عملية تدريجية حتى بالنسبة للدول المتقدمة فكيف في حالة سوريا التي تعاني من ظروف الحرب ونتائجها التي أرهقت الاقتصاد لدرجة كبيرة ودمرت البنية التحتية.

 

(فحسب التقارير الأممية، إن نسبة البطالة ارتفعت إلى /%87/ وثمة نحو تسعة ملايين سوري عاطل عن العمل، بينما ازدادت الأسعار بشكل عام بين عامي 2011 و 2019 نحو /14/ ضعفاً، كما أن الاقتصاد السوري خسر /226/ مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يعادل أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي عام 2010، فضلاً عن دمار /%7/ من المساكن والمباني والمنشآت العامة كلياً و /%20/جزئياً).

 

لذلك لا يمكن للدولة السورية في ظل ظروفها وإمكاناتها الحالية القيام بهكذا خطوة نحو رقمنة الاقتصاد بدون اعتماد كامل على دولة أخرى كما في الدعوة التي قدمها الرئيس السوري لروسيا لرقمنة الاقتصاد السوري، وهذا الأمر وحتى إن وافقت روسيا على تحقيقه فإنه لا يمكن أن يتم وينجح في ظل ظروف البلاد الحالية إلا بشكل بسيط ومجزأ.